الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام وعلى أشرف الأنبياء والمرسلين
سيدنا محمد وعلى آله الطيبين وصحابته أجمعين
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد،
فضيلة الأستاذ عبد الرحمن الناصر حفظكم الله،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وجزاكم الله خيراً على طرحكم لهذا الموضوع القيم
الذي عنونتموه ب "الاختلاف في الرأي يفسد للود قضية"
وقد أصبتم في حذف لام النفي من تلكم العبارة الشهيرة
لأنه بالفعل هذا هو حال أغلب المختلِفين في هذا الزمان إلا ما رحم ربي،
والسبب في اعتقادي يعود لتفريطنا في خُلُق عظيم هو خُلُق الإنصاف،
الإنصاف بمعنى أن يكون موقفنا من الغير موقِفَ العادل الذي يَزِن الأمور بِميزان الشَّرع لا بِميزان الهوى والظَّن،
ولو كان هذا الغير مُخالِفًا لك في الرأي، أو في الدين، أو في المذهب.
بل ما أجْملَ الإنصافَ حين يكون في حقِّ مَن خالفك،
فتعترفَ له بالفضل إن كان صاحِبَ فضْل، وبالسَّبق إن كان صاحب سبْق، وبالعلم إن كان صاحب عِلْم؛
ولنا في سلفنا الصالح الأسوة والقدوة في هذا الباب :
فقد ذكر ابن عبد البر بسنده عن محمد بن كعب القرظي قال :
"سأل رجل عليًّا رضي الله عنه عن مسألة، فقال فيها،
فقال الرجل : ليس كذلك يا أمير المؤمنين، ولكن كذا وكذا،
فقال علي رضي الله عنه : أصبتَ وأخطأتُ، وفوق كل ذي علم عليم".
فالاعتراف بالخطأ من شيم كبار النفوس.
واستدرك عبدالله بن مسعود على أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما
فقال أبو موسى: "لا تسألوني عن شيء وهذا الحبر بين أظهركم"،
فلم يخالفه الرأي، ويدعي أنه على الحق، وابن مسعود على الباطل؛ استكبارًا وغرورًا وأَنَفَة،
وإنَّما جعله أعظم درجة في العلم منه، حتى جعله مرجعًا لهم في قضاياهم الدينية.
ومن المتأخِّرين نذكر ما قاله الشاعر والأديب المصري مصطفى صادق الرافعي رحمه الله :
"متَى ما وقع الْخِلاف بين اثنَيْن، وكانت النِّية صادقة مُخلِصة،
لم يكن اختلافُهما إلاَّ من تنَوُّع الرَّأي، وانتهيا إلى الاتِّفاق بِغَلبَة أقوى الرَّأييْن، ما من ذلك بُدٌّ".
يبدو أنني قد نسيت نفسي واستفضتُ،
فأرجو المعذرة عن التطويل وعدم احترام أعراف الردود،
وأسأل الله جل وعلا أن يبارك فيكم
وأن يجعل ما تقدموه في ميزان حسناتكم
وأن ينفعكم به يوم لا ينفع مال ولا بنون
إلا من أتى الله بقلب سليم.