ثقافات مجتمعية
الثقافة المجتمعية هى التى تحدد شكل وطبيعة المجتمعات وهى تأتى فى المرحلة الأولى دائما" وتتغلب على كافة النواحى الإقتصادية والسياسية أيضا" وكلما تخلصت هذه الثقافات من الجمود وعشق الذاتية والتعالى وكافة السلبيات الأخرى كان ذلك دافعا" للتقدم
-نقول مثلا" أننا مجتمع محافظ أو عائلة محافظة ونتباهى ونتفاخر بذلك - ولكن لو فكرنا قليلا" فى معنى محافظ سنجدها ترتبط بالمحافظة على التقاليد والوضع الحالى القائم ولا تسمح على الإطلاق بأى تجديد فيه بل وتمنع أى فكر يغاير هذا الوضع أو يجدد فيه سواء كان إقتصادى أو سياسى أو حتى دينى - وفى الناحية الدينية لا أتحدث عن العقائد التى هى ثابتة – ولكن تطوير الفقه بما يناسب العصر ومستحدثاته
-لدينا ثقافة التعالى ونبذ كل تغير حتى ولو كان للأفضل - سنجد مثلا" رجل كان بسيط وبذل مجهود كبير حتى وصل إلى مكانة عالية - ستجدنا نقول إنظر إلى فلان هذا الذى أصبح بيه ويمتلك محلات ضخمة وهو كان يسرح بعربة فول مدمس - هل تذكر فلان المعفن الذى كان يفترش الأرض بصاج هريسة وبسبوسة أصبح يمتلك مصانع - لكن أسكت المعفن يفضل معفن -ولا نفتخر بأن الرجل عصامى بنى نفسه من الصفر
في الغالب تجد أن من يصف ذاك الشخص العصامي بالعفن هو أصلا معفّن،
ويقول هذا الكلام فقط لأنه لم ينجح في أن يفعل مثله
والحقيقة أنه مغتاظ من نفسه لأن نجاح ذلك العصامي يذكره بفشله هو
لذا يحاول أن يهدأ من روع نفسه بالنبش في ماضي ذلك العصامي.
- أنظر إلى أصحاب الدولة الفلانية كانوا يسرحون بمعزتين أصبح لهم شأن ويتعالون علينا ونحن من علمناهم - ثم يصرح رئيس دولة – هو كل من سرح بمعزتين وكان له كشك هيعمل دولة ويناطحنا - طبعا" يقول ذلك فهو متخرج من ثقافة نفس المجتمع
العبرة ليست بكيف كنت في الماضي
العبرة من أنت في الحاضر
--وإذا ما شاهد رجل بسيط لكنه معتنى بملبسه وهندامه ونظيف فى شكله
يشاورون عليه ويقولوا - أقرع ونزهى - يستكثرون على الأقرع أن يكون نزهى
هي أيضا محاولة لاسترضاء الذات،
وغالبا من يقول هذا الكلام تجده شخصا لا يجد ما يشتري به مشطاً لتسريح شعر رأسه،
فيعوض هذا النقص بالاستهزاء بذلك الأقرع.
-حتى فى أوضاعنا الإقتصادية - تكون الحالة صعبة جدا" لكنه عزم بعض أنسابه أو أصهاره - سيعزم خمسة أفراد لكنه يصنع طعام يكفى خمسين فردا" وقد إستدان ليصنع هذه العزومة الكبيرة كنوع من الفشخرة والمباهاه أمام الناس -عندما يزوج إبنته سترى العجب ودعك من المقتدرين لا أتحدث عنهم ولكن أتحدث عن الطبقات الأدنى -نريد حجرة أطفال - غريبة هى الأطفال جاءت - شاشتين تلفاز – غسالة أتوماتيك ونصف أتوماتيك وفوق الأتوماتيك وغسالى أطفال -- ما كل هذه الغسالات هل ستغسلون ملابس الحى – أنتم فردين - العروس لن تدخل إلا وقد أحضرت مائة عباية ومائتين فوطة ومائة خمسة وعشرون ملاية سرير - ما هذا ؟ مائة عباية يا مفترية بعد شهرين ستسمنى وتصبح العبايات ضيقة ولن تلبسيها – يعنى مثلا" تعمليها ديكور فى الدولاب – ومائين فوطه يا ظالمة - هل يأتى أفرد المدينة لكى يجففوا وجوههم فى فوطكم
-- المشكلة أن معظم هذه الأشياء قد تم شراؤها بالدين
--القاعدة تقول أنك لو إشتريت ما لست فى حاجة إليه تكون قد سرقت نفسك - وما أكثر ما سرقنا أنفسنا
وهناك مثل في نفس الباب يقول :(من اشترى ما لا يحتاج إليه ستضطره الظروف إلى بيع ما يحتاج إليه)
- نفس الوضع فى الدول تقترض وتقترض لتصنع أشياء غير مطلوبة وتوجد أولويات عنها – ونسينا أنه ما قامت دولة على الإطلاق إقترضت - الدولة المقترضة لن تنهض أبدا" وستظل عمرها تسدد فى فوائد القروض بالإضافة للمذلة والهوان
والأخطر من ذلك أنها ستفقد السيادة على قرارها وستظل دائما في حالة "عبودية" وخضوع للجهات التي أقرضتها
- وتجدنا أيضا" نحارب النجاح - فإذا نجحت شخصية ما فى أى مجال وكان لها صيت وشهرة قطعناها - يا حزينة ياإلى أبوك مات من الجوع - شوف الباشا دا مكنوش لاقين ياكلوا - القوالب نامت والنصاص قامت -وإذا كان هناك محتاج يريد مساعدة يعطوه التوالف - ويقولوا شحات وعاوز رغيف طرى - وكأن محرم على المسكين أن يأكل خبز طرى - الواطى دا ياكل خبز ناشف مقدد
ههههه
-حتى النخبة التى تدعى الثقافة وتطالب بالعدالة وحرية الرأى – تقيم الدنيا ولا تقعدها لو إختلف معها أى شخص فى الرأى وتعاديه وتحاربه
-- أما المشكلة الكبرى - هى فى أننا لا نخطئ أبدا" من رأس الدولة حتى أصغر مواطن فينا - المخطئ هم الأخرون – لا أحد يتعرف بالخطأ - نلقيها دائما" على الأخرين وعلى الظروف وعلى الوباء وعلى الحروب التى تمت من ألف سنة وفى دول لا تعنينا - إذا خسر فريق فى كرة القدم - الخطأ كان من الحكم - من نجيلة الملعب - من الطقس - اللاعبون يقولون أخطأ المدرب والمدرب يقول أخطأ اللاعبين - لا أحد يقول أننى أخطأت أبدا" - حتى الطالب الذى رسب - لا يقول أنه أخطأ لأنه لم يذاكر الدروس - لكن الأخرون هم من أخطأوا فالأسئلة من خارج المنهج والمراقبون إضطهدوه - وكان مريض - وأمه لم تحضر له الإفطار ليلة الإمتحان --فماذا لو إعترف أحدهم بالخطأ - ها لقد رجع فى قوله إعترف بخطئه الجبان الرعديد
-لو لم تتغير ثقافاتنا سنظل كما نحن محلك سر ولن نتقدم خطوة واحدة فى أى مجال
- نعم ثقافة الشعوب هى الدافع للتقدم وحل الأزمات المتراكمة علينا عبر السنين
عندنا في المغرب إذا تخلف أحدنا عن ركوب القطار يقول "مشى عليا التران"
فهو يعيد اللوم إلى القطار لا إلا نفسه
بينما في الثقافة الغربية يقولون "I missed the train"
يعني أن القائل هنا يلوم نفسه فهو الذي تأخر عن موعد انطلاق القطار
فالمسألة كما ذكرت مسألة ثقافية وفكرية
وما لم نغير من فكرنا وثقافتنا المجتمعية
فسنظل مخلصين لمقاعدنا في العربة الأخيرة من قطار البشرية.
في الختام أشكرك عبد الرحمن
على ما تزين به جذران المنتدى من كتابات راقية
تعكس همومنا الحياتية كأفراد ومجتمعات ودول
أطيب المنى🌺