السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
+ وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته
تحية طيبة لجميع رواد الجاد
+ حيّاك الله أختي المحترمة الفاضلة سلمى
في الحياة اليومية، تكثُر عديدٌ من المصطلحات، وبعضٌ من المسميات على الأفعال والأشياء المعاشة.
وكثيرا ما يحصل خلطٌ في تسميتها.
ويستمر هذا الخلط إلى أن تصبح عادة أو حتى قاعدة.
+ هذا هو الأمر الواقع
كثيرا ما نجد أولئك الذين يبرعون في مدّ النصائح، وتفصيل خبراتهم وإلباس الناس بما يناسب رؤيتهم، مع أن ذلك ليس بالضرورة أن يكون صحيحا.
إذ يجب دائما أن نمحص في قناعاتنا وغربلة ما لا ينفع!
+ بمعنى أن نعرض كل نصيحة على ما لدينا من قناعات في المسألة
التي تقدم فيها الناصح لنا بنصيحته
وبما يشير علينا بأن نتبناه ونسلكه لنفوز بالوضع الأفضل.
وهذا، وإن كان صعباً حقاً،
لأن المرء المنصوح في مسألة ما غالباً ما يكون مبلبل الفكر في تلك المسألة،
فقد يرى بصيصاً من النور يدله على خير مواقع السلوك في سبيله في الحياة،
وقد يغيب كل بصيص للنور في الطريق،
وهنا تكون للنصيحة قوة وجودها وسلطة صدارتها.
والواقع المشاهد يدلّ المرء على أن المنصوح هو نفسه يمر بحالات؛
فهناك المنصوح الضعيف، ضعيف الشخصية،
وهناك المنصوح وقوة شخصيته، رغم المحن، تظل صامدة، مواجهة لسائر التحديات.
فالأولى تكون منقادة بدون كبير تدبر لآراء الناصح،
والثانية هي التي يصدق عليها قولك هنا،
فتتقبل النصح،
وبعد لأي،
تعرضه على الغربال أو المصفاة،
وتستنتج ما يستقر عليه الرأي من التدبير والعمل على السواء.
وكثيرا ما تتردد لفظة الرضا، فينصح الناصحون بها غيرهم من المتذمرين، فما شكل هذا الرضا، أو القناعة، وحمد الله على ما يمنه الله علينا؟
هل علينا أن ندرك أن الإنسان مكرم، حتى نعرف ما يليق به وما لا يليق، ما يجب عليه الأخذ به وما لا يجب..
إن أقل شيء يجب أن يحصل عليه المرء هو عيشة كريمة، فكيف تكون هذه العيشة الكريمة؟
بالحصول على حقه في التعليم والتعلم والوصول لأي درجة يطمح فيها، ليحقق نجاحه المرغوب.
بأن يحصل على ما يناسبه من حاجيات ضرورية يومية كمأكل ومشرب وملبس وغيره.
بأن يحصل على سكن مرموق، يمارس فيه حياته، وسيارة لم لا، تسهل عليه تنقلاته..
إلى غير ذلك..
+ لستُ ممن يجادل في اللبس الكبير الذي يتخلل التسليم بالمكتوب،
والرضا بقضاء الله تعالى وقدره،
والانصياع لما زجّ سبحانه عبيده فيه من واقع،
ومن تفاوت أرزاق ومراتب،
ومن اختلاف في مستويات العيش،
من الشظف إلى العيش الهنيء،
ومن المرتبة نفسها في المجتمع:
درجة التعليم، نوع العمل، المستوى العقلي، الذكاء، والنباهة، والسذاجة، وقلة الحيلة..
أحوال متعددة متباينة، تجعل المرء يحتار حقاً أمام كل هذه التفاوتات بين "الأرزاق"..
من هنا فإن الاتكاء على مصدر مرجعي للسير الحسن في الحياة أمر ضروري..
ومعظم الناس يجدون ذلك في النص المقدس للدين الذي يتبعونه..
ونحن أيضاً، كثيراً ما نسمع "قال الله تعالى"، "قال الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم"،
وتتتالى الأقوال في الأحوال المتعرّض لها..
ولو عطفنا الآن على فحوى خطابك هنا،
فإننا سنعثر في الآثار والأخبار على طائفة هائلة من الأقوال تدور كلها في فلك الرضا بالمكتوب،
والتوجه بالحمد والشكر لله تعالى في كل أمر ووضع وحال..
وأكثر من هذا، أن المرء مختار بين طريقين اثنيْن لا ثالث لهما:
فالرضا بالمقدَّر له، وسينعم بذلك،
وإما الرفض والتنطع، وفيه سيشقى أشد الشقاء وأعظمه.
لكن لماذا وصلنا إلى مرحلة نسمي فيها هذه الأمور الضرورية كماليات؟
وبالمقابل كل من يتذمر لأنه لم يحصل عليها، بأنه غير قانع أو غير راض؟
هل ندرك أن الدول الأوربية قد تعدت مسألة المأكل والمشرب والمسكن، وصارت مشاكلها محصورة في كيف أصل للقمة!
بينما نحن لا زلنا نتنازع في الحصول على مسكن لائق، وكيف نشبع حاجياتنا الفيسيولوجية والنفسية وغيرها..
+ بهذا جرت المقادير، وما كل ما يتمناه المرء يدركه، كما يقال..
فمن في رأيك، أختي المحترمة الفاضلة، يرفض أن يتوفر له
المسكن اللائق والعمل المرضي والتوفق في الاقتران
وأن يكون له من الأبناء والبنات، الأسوياء والسويات،
وأن يمنح القدرة على تربيتهم خير التربية وأرقاها؟..
ومن يرفض الوضع الكريم والصحة الدائمة والأمن العميم والنجاح المطّرد؟
من يرقض ذلك، أو بعضه، لا شك وأنه سيُتهم في عقله بما يأباه كل إنسان عاقل في هذا الوجود..
ونحن أُحطنا خبراً بأن الناس كانوا في بدء أمرهم أمة واحدة،
وجاء الهداة،
وتفرعت الناسَ المذاهبُ طرقاً قدداً..
فكل يهيم على وجهه في واد،
إلا من هدى ربك ، رب العباد جميعاً..
ولله الأمر من قبل ومن بعد
°لماذا يُعاب على المرأة مثلا إذا اشترطت في زواجها مسكنا لائقا، ومكانة مقبولة لطالب يدها؟
+ سنجد من يعيب،
وسنجد من سيحبذ،
وسنجد من سيحث على ذلك حثاً
حتى ليبلغ بالأمر إلى العلياء
°ولماذا تسمى طلباتها شيئا من الكماليات، رغم أنها ضرورية وواجبة.
+ كذلك يتوزع هذا الأمر الناس
إلى قابل
ورافض
ومراوح الخطى بينهما
°لماذا يرضى المرء مثلا بوظيفة بسيطة لعشرات السنين بحجة الرضا بالرزق ، وبأن كل الذي يعطيه لنا ربنا نعمة.
هل ندرك أن الرضا بالقليل سيجعلنا نتعثر في الأسفل، في حين لو أعطينا كل شيء حقه، وكل مسمى اسمه الحقيقي لارتفعنا قليلا؟
من جهة أخرى لماذا نرضى بفتات الإهتمام، وقليل من الحنان، ويُسرٍ يسيِر من العطاء؟
ألا نستحق فيضا من الاهتمام، وسيلا من المودة، وخيرا من العطاء؟
+ تعجّ الطرقات بآلاف أنواع السيارات،
فلماذا لا تسير كل السيارات بنفس السرعة؟
سيقال: إنما يعود هذا إلى نوع المحرك، ثم صناعة السيارة نفسها، فمهارة السائق..
وسينتهي الأمر بالتسليم بالفروق القائمة بين السيارات، سرعة وصناعة وقيادة...
فإذا ما كانت لنا سيارة محركها ذو قدرة متوسطة أو ضعيفة،
وأردنا الارتقاء بها إلى مستوى أعلى،
فإنه ليتوجب علينا تغيير محركها،
وما أبعدنا عن هذا الأمر،
أو تغييرها ببساطة واقتناء غيرها،
إذا كان في مستطاعنا ذلك..
وكثيراً ما توضّح أمثال هذه المقارنات الوضع الذي يطرحه موضوعنا هنا..
فالتجربة تقودنا إلى التمييز بين وضعين:
الإقدام على تغيير الوضع برفضه والعمل على الرفع من مستواه،
وكل الرسل عليهم السلام بدأوا بأن فعلوا ذلك، بوحي من الله تعالى، ولا غضاضة في هذا الأمر..
وإما أن المرء لا يملك لوضعه ما ينتشله منه ويخرج به إلى الأفضل فالأفضل،
فإنه لفي حاله إلى أن تكشف له الأيام عن وضع غير وضعه،
وعن سبل أخرى لم تكن لتخطر له على بال!
لماذا هذه الفلسفة المجحفة في حق النفس، وجعلها مذلولة، تحت عنوان الرضا والقناعة، وحمد الرحمن؟
أليس بإمكاننا أن نحمد الله ونحن نسعى للرفاهية، الرفاهية المادية والمعنوية والنفسية، ليس علينا أن نبقى مذلولين تحت الأرجل ليقال نحن حامدون؟
+ قد يكون لنا أن نتضجّر،
فآهٍ وآهٍ،
ثم آهٍ!
ولكن،
أنّى لنا أن نتعدّى بالمحرّك الذي وُضع فينا
الجهدَ والطاقةَ
اللذيْن سبق وَوُضعا فيه؟
° للنقاش °
+ أختي الرائعة المبدعة،
صاحبة كل هذا الجهد المحمود،
شكراً جزيلا على هذا الاختيار المتميز
لهذا الموضوع الذي لايشك أحد في أنه
يتحرك به الخاطر،
فإن ارتفع به المدّ،
لهج به اللسان،
فإن تجاوز به المدُّ الحدَّ،
تحركت به اليد،
والله تعالى غالبٌ على أمره.