
جني جوف الظلمة1
"ظهور الجني"
كان الجو باردا عندما إستيقظت ذلك الصباح.كان صوت إهتزاز أشجار البلوط في الغابة المجاورة يشبه صوت حفيف الأفاعي والضباب الخفيف أعطى منظرا مخيفا للبحيرة القريبة من الكوخ.أنا لا أدري إلى الآن كيف قبلت السكن في هذا المكان الموحش فالاشجار الطويلة تحيطنا من كل الجهات ووحشية البرية تحتضن هذا الكوخ البائس الذي كان آخر مأوا لي بعد وفاة والداي المفاجيء حيث تكفلت جدتي العجوز بتربيتي والإهتمام بي.لطالما سألتها لما لا نغادر هذا المكان البغيض ونرحل إلى القرية المجاورة وكانت تجيبني بنبرة حادة وهي تقول:"سنعاقب إن تركنا هذا المكان"كلمات إعتدت على سماعها منها ولم يخطر لي مرة أن أسألها عن هوية الشخص الذي سيعاقبنا إن نحن رحلنا.نهضت من فراشي متكاسلا ودخلت المطبخ الذي كان قديما جدا بطاولة خشبية في وسطه مصنوعة من خشب الأبنوس تحيط بها بعض الكراسي المهترءة وموقد لا أظن أن أحد ما يزال يستعمله في أيامنا هذه ولكن جدتي كانت تقول دائما إن كل من في القرية يحسدونها على امتلاكه لأنه كنز ثمين.إعتادت جدتي على وضع أدوات المطبخ في خزانة صغيرة ذات مقبض فضي اللون مقابلة للنافدة الصغيرة التي تطل مباشرة على تلك الغابة المخيفة.كانت جدتي عندما دخلت المطبخ تذرع ذلك المكان الضيق جيئة وذهابا حتى أنها لم تنتبه لوجودي.فقلت"صباح الخير جدتي"حينها لحظتني فالتفتت وقالت"ها ،إستيقظت أخيرا.صباح الخير"قالتها بنبرة حزينه ومتكلفة فسألتها مستفسرا"مابك يا جدتي ،في العادة كان هذا هو وقتك المفضل للذهاب إلى الحقل" "آ فهمت،لعل الأرانب أتلفت الخضروات مرة أخرى "قلتها معقبا .فأجابت جدتي"لا ،لم أذهب إلى المزرعة هذا الصباح كما انني لم أنم طوال الليل"قالتها جدتي بحرقة وكان صوتها مكتوما وهي تنطق آخر الكلمات.لم أرها هكذا من قبل فهي عادة ما تكون قاسية في حديثها فجدتي من النوع الصعب جدا.عجوز في السبعين من عمرها لم تغادر مكان سكنها وهو هذا الكوخ أبدا إلا للذهاب إلى الحقل أو للقرية من أجل التبضع.لم أتردد وسألتها "ما الخطب يا جدتي"وكان ردها أسرع مما توقعت فقد تنحنحت وقالت:"لقد رأيته الليلة الماضية ،إنه الجني الذي يسكن الغابة الموحشة.ذلك القاتل"قلت وأنا ألقي بنفسي على الكرسي"جني" "نعم"قالت جدتي"لقد رأيته كان يحدق إلي من خلف زجاج نافدة غرفتي.لقد شاهدت عينيه الحمراوتين كالدم تشعان في ظلام الليل الدامس"كان كلام جدتي مخيفا ولكنني لم أكترث له كثيرا فلطالما أخبرتني قصصا عن جني يظهر كل عام في مثل هذا الشهر وهو حامي الغابة كما تزعم والأراضي المجاورة.توقفت فجأة عن الإستهزاء بكلامها في مخيلتي لأنني تذكرت كلامها عن الشخص الذي سيعاقبنا إن نحن خرجنا من كوخنا وأرضنا."هل كانت تقصده بكلامها"وقفت مشدوها أمام جدتي والتي قالت"لقد طلب منا مغادرة الكوخ والأرض وقد أعطاني مهلة شهرا كاملا لنقوم بذلك"أجبت جدتي راسما إبتسامة خفيفة ماكرة لأنني إستحسنت مغادرة هذا المكان البغيض فقلت وأنا لا أصدق هذه الخرافة"أليس هو من كنت تقصدينه بقولك سيعاقبنا"ردت جدتي قائلة"نعم ،ولكنني لا أدري كيف أصبح الآن يطالب بخروجنا فقد توارثت أسرتنا سر الطيف الحامي الذي كان يقول جدي عنه انه يظهر في شهر جانفي من كل سنة ليوصي الأسرة بالمحافظة على الأرض والكوخ وعدم هجرهما أبدا".
قطعت جدتي كلامها لما لاحظته من عدم تصديقي لقصتها فطلبت مني تناول فطوري بسرعة للذهاب إلى خم الدجاج لجمع بعض البيض وبيعه في القرية.وفعلا قمت بجمع البيض وتوجهت إلى القرية قاطعا الغابة المسماة(بجوف الظلمة)وقد أخدت هذه التسمية من أهالي القرية بسبب أشجارها الكثيفة الباسقة والتي تحجب ضوء الشمس عن جوفها حتى في الساعات المتقدمة من النهار.في طريق الغابة المتعرج لمحت طيف رجل قادم من بعيد في الإتجاه المعاكس لسيري.ما لبث هذا الطيف أن اقترب.كان رجلا نحيفا ممشوق القامة بوجه حاد وأنف مدبب معقود مع ارتفاع خفيف على أرنبة هذا الأخير.خطى الرجل خطواته الأخيرة وهو يدنو مني ثم قال"يا فتى ألا تعلم أين يقع منزل السيدة إيما" "كان يبحث عن كوخ جدتي وقد وصفه بالمنزل،إنه يشبه أي شيء غير المنزل"قلت في نفسي".أجبت الرجل بامتعاض قائلا"أنا حفيد السيدة إيما.هل من خدمة يا سيدي""آه أنت ثومي إذن"فقلت"أجل أنا هو"فرد الرجل وهو ينش ذبابة حطت على أنفه الطويل"هل لك ان ترافقني إلى منزلك فأنا أود التحدث مع جدتك بخصوص أمر هام"فقلت"لا،فأنا في عجلة من أمري.واصل طريقك هذا حتى نهاية الغابة حينها ستلمح على يمينك كوخا يستند على شجرة صنوبر عملاقة وبمحاداته بحيرة صغيرة .ذاك هو كو خ جدتي".إنصرف الرجل من أمامي من دون أي كلمة شكرا وتوارى عن الانظار خلال الأشجار الكثيفة .واصلت طريقي إلى القرية لأبيع البيض وكانت وجهتي متجر السيد"سام"وهو رجل متوسط العمر طيب القلب وبشوش للغاية.طرقت باب متجره ودخلت لأبيعه حمولتي من بيض الدجاج.كان بالمتجر السيدة "مينش"والسيدة "أورورا"وهما زوجتا مختار القرية السيد "جيمس" والسيد "توماس"رئيس الشرطة .كنت أكره تلك السيدتين لغطرستهما وتكبرهما على أهالي القرية.صوت فتحي للباب جعل الجميع يلتفتت نحوي."صباح الخير ثومي"قالها السيد سام وهو يقترب مني تاركا السيدتان وراء ظهره.وقبل أن أرد السلام قالت إحدى السيدتين"كيف تجرؤ ياسيد سام على تركنا مع كل هذه الأغراض والإهتمام لأمر صبي قدر مثل هذا.قالتها وهي تمسحني بنظرها من أعلى رأسي إلى أخمص قدماي.حينها قال السيد سام"لا تكوني ظالمة ياسيدة مينش فثومي زبوني أيظا ثم غمزني بعينه بعد أن نظر إلى السيدة أورورا التي اكتفت برسم إبتسامة خبيثة على وجهها المستدير الممتلئ وكأنها ترفض كلامه الجميل عني.انتفضت السيدتان فجأة وهرولتا غاضبتين نحو باب المتجر وما كادتا تصلانه حتى نظرت السيدة مينش إلي وقالت"ألم تكن والدته 'إيميلي الجميلة'من زبائنك أيضا والتي قتلت بوحشية مع زوجها على يد جني جوف الظلمة كما تزعم أمها الخرقاء بعد محاولتهما هجر ذلك الكوخ العفن"ثم أطلقت ضحكة مدوية وأشاحت بوجهها عني ثم صفقت الباب وراءها لتتوارى عن الانظار هي وصديقتها السمينة.لم يستطع العم سام قول أي شيء واكتفى بالتربيت على كتفي لمواساتي،أما أنا فلم أقدر على التحرك وكأن قدماي قد التصقتا بالأرض كلام السيدة منش كان ضربة قاسمة لي وقفت حائرا أسأل نفسي"هل هذا صحيح ؟""هل كذبت علي جدتي عندما قالت بأن والداي ماتا في حادث سيارة ""كيف ماتا هل فعلا هذا الجني اللعين موجود""ماذا يحدث"غبت عن الدنيا بعض الوقت ولم يوقظني من غفلتي سوى صوت السيد سام وهو يقول"هاي ثومي مابك.لا تقل لي أنك صدقت كلام تلك المتبجحة.لقد كانت دائما تغار من جمال وطيبة أمك المرحومة"قلت بشدة"كيف مات والداي سيد سام.أرجوك أخبرني"تنهد السيد سام ثم قال"أنا آسف يابني لا أستطيع أن أفيدك بشيء يا فقد كنت حينها مسافر وعندما عدت سمعت بنبئ موت إيميلي ومارك.أنا آسف" وليخرجني من حالتي السيئة قال"ها.كم بيضة أتيتني بها اليوم يا ثومي الصغير"فأجبته وأنا أرسم إبتسامة مصطنعة "عشرون.لدي هنا عشرون بيضة دجاج يا سيدي"لم أرد المكوث طويلا عند العم سام بعد أخده للبيض فأخبرته أن جدتي تسلم عليه وتقول له بأن موعد قطف الخضار قد حان إذا كان يريد شراء بعض منها.ودعت السيد الطيب وقفلت راجعا إلى منزلي وأنا غارق في أفكاري أجول ببصري في الشارع العام للقرية وأنظر إلى الناس وهم يتبضعون وفجأة اصطدمت بشخص لم أره فوقعت على الأرض ثم رفعت رأسي غاضبا لألومه على عدم انتباهه ولكنني انفجرت ضاخكا لما رأيت وجهه.كان صديقي "المتشرد بيلي"قال بيلي"ألا تنظر أمامك يابائع البيض وأنت تسير"فقلت"ولما لما لا تفعل أنت ذلك يا منظف المداخن"كان كلامنا أنا وصديقي بيلي هكذا على الدوام فقد كانت علاقتنا قويةوصدقاتنا جد متينة.بيلي ولد يكبرني بعام وهو فقير ويتيم وربما هذا هوالسبب الذي دفعني إلى اتخاده رفيقا لي.مد بيلي يده إلي ليساعدني على النهوض "ماذا تفعل هنا يا بيلي،هل طردك السيد جيمس مجددا من بيته"قلت ذلك وأنا أنفض الغبار من على ملابسي البالية.قال بيلي"أو،أجل ذلك الجشع لم يكتفي بطردي فقط بل لم يعطني أجر تنظيفي لمدخنته اللعينة"ثم استطرد قائلا"دعنا منه ومن امرأته المتبجحة.هل أنت عائد إلى الكوخ؟"قلت"نعم .بيلي،هل ترافقني فأنت الآن عاطل عن العمل يا عزيزي"وكنت أقلد السيد مينش وهي تخاطب زوجها ذو الشعر المنفوش.وافق بيلي على مرافقتي إلى حدود بداية الغابة وكانت مرافقته لي جد ممتعة فحديثه عن السيد جيمس وزوجته مينش جعلتني أضحك كثيرا حتى أنني نسيت تماما أمر مقتل أبواي.
ودعت بيلي عند مفترق الطرق المؤدي للغابة وأنا أوجه له ضربات خفيفة على ظهره .دخلت جوف الظلمة والساعة تقترب من منتصف النهار.كانت الأجواء جد هادئة داخل الغابة وأشجار البلوط تتمايل ببطئ مع نسيم هواء هبة فجأة ليسبب لي رعشة خفيفة.صوت خطواتي على العشب الأخضر كان يجعلني أحس أنه لا حياة في هذا المكان."جوف الظلمة"إسم جد مناسب لها قلت في نفسي.سرت طويلا بين طرق الغابة المتعرجة متجها إلى كوخ جدتي وما إن وصلت إلى الشجرة الأم -وهو اسم تطلقه جدتي العجوز على أكبر شجرة في الغابة لضخامة حجمها وتوسطها لجميع الاشجار-حتى شعرت بأن أحد ما يراقبني.كنت أحس أن عيونا ترصد حركتي وتتتبعني فزادت نبضات قلبي وغلى الدم في عروقي"هل هو الجني "قلت في نفسي ثم هرولت راكضا ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أمام كوخ الجدة العجوز.تقدمت من باب الكوخ وأمسكت المزلاج لأفتحه ولكنني توقفت فجأة لأن صوت جدتي المزمجر وهي تحدث شخصا ما بالداخل سمّرني في مكاني.تركت الباب واتجهت إلى النافدة الصغيرة للمطبخ حيث استرقت النظر فوجدت أن الشخص الغريب الذي التقيته في طريقي إلى القرية ما يزال هنا وهو من كانت جدتي تحدثه بصوت مرتفع.كان الرجل يقف بمحاداة النافدة ويغطي جدتي بظهره لذا لم أستطع رؤيتها جيدا ولكنني سمعتها تصرخ في وجهه وتقول"لن أبيعه الأرض أبدا..اذهب وأخبر سيدك جيمس بأن إيما العجوزستدفن في أرضها وإن حاولت أنت أن تقترب من كوخي ثانية فسوف أقتلك"انتفض ذلك الرجل وزمجر ثم حمل أوراقا كانت موضوعة على الطاولة الخشبية وهم بالمغادرة.قالت جدتي"لم تشرب قهوتك سيد-مورال-"كلام جدتي استفز الرجل أكثر والذي أسرع إلى الباب مغادرا الكوخ وهو يتمتم بكلمات لم أفهم معناها.ولجت إلى الكوخ وأناجد خائف من جدتي التي كنت متأكدا بأنها سوف تصب جم غصبها علي،ولكن شيء من هذا لم يحدث.فبمجرد دخولي المطبخ نظرت إلي جدتي بعيون دامعة وهي تقول"إنه يريد أخد أرضنا يا ثومي"فقلت"السيد جيمس، أليس كذلك"فقالت مستغربة "كيف عرفت""لقد سمعتك تذكرين اسمه أمام ذلك الرجل"قلتها مستطردا بنبرة فيها بعض الفرح لأنني أريد من كل قلبي أن أغادر هذا المكان وهذه القرية التي يعتبرني فيها الجميع غريب الأطوار كجدتي تماما.قالت جدتي"إنه يرسل إلي موظف البلدية ليجبرني على الإنصياع لرغباته والخنوع أمام أمواله المشبوهة.ذلك الجشع"فرددت قائلا"لا أحد يستطيع إجبارك على التخلي عن أرضك ،فلا تقلقي يل جدتي"نظرت إلي جدتي نظرة حنونة لم تدم طويلا فقد عاد الوجه القاسي فجأة وهو يقول"هل أحضرت نقود البيض"فقلت"أجل".وبعد الغداء ذهبت إلى غرفتي لأستريح وأنا عازم على مفاتحة جدتي بأمر لغز موت أمي وأبي في أقرب فرصة.
مرت الآن خمسة أيام منذ قدوم ذلك الرجل إلينا لم أستطع فيهن مفاتحة جدتي بالأمر الذي صار كالجبل على صدري.حتى كانت ليلة اليوم السادس.حينها كنا نتناول طعام العشاء والساعة تشير إلى التاسعة ليلا.كانت جدتي تأكل بصمت أما أنا فكنت أتسبب في فوضى عارمة بطريقة أكلي الفضيعة.صاحت جدتي "ألا تكف عن الأكل بهذه الطريقة المزعجة"ثم خفضت صوتها وقالت "أكيد أنك لم ترث هذه العادة عن إيميلي بل عن مارك الذي كان يأكل مثلك تمام"قلت بسرعة ومن دون تفكير"كيف ماتا"قالت جدتي"من؟"فقلت"إيميلي ومارك.كيف ماتا"فردت جدتي بانفعال واضح"لقد أخبرتك أنهما ماتا بحادث سيارة""لكنك قلت غير ذلك للناس فمينش المتطفلة أخبرتني بأنك زعمتي أنّ..أن الجني قتلهما.هل هذا صحيح،جدتي أرجوك أريد أن أعرف الحقيقة والآن"لم أتكلم مع جدتي أبدا بهذه الطريقة لذلك استرجعت نفسي بسرعة وخفضت صوتي لأخفف من حدة الثورة القادمة.قالت جدتي ودموعها تنهمر على وجنتيها المتآكلتين"ماذا كنت تود أن أقول لك.أنّ أبواك قد قتلا بطريقة بشعة أو أقول لك إن نجاتك ذلك اليوم كانت معجزة"قاطعت جدتي وأنا أقول"الحقيقة.أريد الحقيقة أرجوك جدتي"هدأت جدتي قليلا ثم قالت اسمع إذن لأنني لن أعيد كلامي هذا مرة أخرى.مفهوم"فحركت رأسي بالموافقة.فقالت "لقد أراد الزواج بها،نعم،أراد ذلك الجني الزواج بإيميلي لكنها رفصته أتذكر ذلك اليوم جيدا.حينها عادت إيميلي من الغابة ووجهها أصفر وهي في حالة هستيرية مخيفة.إيميلي كانت تحب التنزه في الغابة كثيرا.المهم أنني سألتها عن سبب حالتها هذه فحكت لي بعد ان هدأت أنها إلتقت بجني في الغابة تماما تحت الشجرة الام وقد خيّرها بين الزواج به أو الموت.إيميلي كانت ذكية جدا فقد طلبت منه مهلة للتفكير في الامر ثم عادت إلى البيت كما أخبرتك"توقفت جدتي عن الكلام فقلت"وماذا بعد"فاسترسلت قائلة"بعد ذلك خطبها مارك فقبلت به وقررا مغادرة القرية خوفا من الجني.لقد حزمت حقائبهما ورافقتهما إلى القرية حيث غادرا بسيارتهما.حزنت كثيرا على ابنتي الوحيدة ولكنني قلت في نفسي أن هذا أفضل من موتها هنا.مرت سنتين بعد ذلك لم أرى فيهما.ثم كان يوما كنت أنشر فيه الغسيل أمام الكوخ لتتوقف أمامي سيارة جميلة ثم نزلت منه إيميلي ومارك الذي كان يحمل رضيعا بين ذراعيه-كنت أنت ثومي-كانت فرحتي لا توصف بعودة ابنتي وزوجها ومعهما حفيدي ولكنني لم أرغب في بقائكم في الكوخ خوفا من تنفيد الجني لتهديده.ففي الليلة الموالية قرروا العودة من حيث أتوا استقلوا السيارة وانطلقوا في الظلام.ولم تمر بضع دقائق حتى جاءني أحد سكان القرية ليخبرني بأن إبنتي وزوجها قد وجدا مقتولين في سيارتهما.لم أصدق الامر بل كدت أجن، هرولة إلى المكان الذي أرشدني إليه الرجل فوجدت السيارة متوقفة والناس متجمهرين حولها ولم يجرؤ أحد على فتح الباب.تقدمت نحوها وفتحت الباب ورأيت ذلك المشهد كان والداك قد فارقا الحياة أما أنت فكنت حيا متشبثا بثياب أمك..دفنت ابنتي وزوجها تحت الشجرة الأم ورجعت بك إلى البيت كي أكون لك الأم والأب"تنهدت جدتي وبكت وبكيت معها تلك اليلة المقمرة على قصة محزنة وغريبة.ساد صمت رهيب بعدها قطعته بصرخة مدوية وأنا أشير إلى الغابة وأقول"جدتي إن الغابة تحترق"فقد كان ضوء أزرق يشع تماما من مكان الشجرة اللأم .إلتفتت جدتي وصاحت "علينا إطفاء الحريق قبل أن يصل إلى البيت.هيا يا ثوم،هيا......
جني جوف الظلمة2
"مقتل السيد مورال"
خرجنا أنا وجدتي من الكوخ كالمصعورين ووجهتنا الغابة حاملين معنا ما استطعنا من الدلاء.كان الضوء الازرق يومض بشدة قرب الشجرة الأم فهرولنا اتجاهها.كنت أجري وأنظر إلى جدتي التي كانت تعدوا كأنها بنت العشرين.وصلنا المكان المطلوب وكم كانت دهشتنا كبيرة عندما اكتشفنا أنه لا يوجد حريق وأن الضوء كان مصدره الشجرة الأم التي كانت تشع بضوء أزرق جميل وتضيء الغابة بأسرها.وقفت أنا وجدتي مبهورين أمام هذا المنظر العجيب.كنا نحن أول الواصلين إلى المكان ولكنني سمعت أصوات الأهالي وهم يقتربون منا شيئا فشيئا.تراءى لي وأنا أضع الدلاء على الارض أن شخصا ما كان معلقا على إحدى أغصان الشجرة المتوهجة.اقتربت قليلا لأتأكد ثم صرخت فزعا"جدتي انظري إنه،أنه الجني"اقتربت منى جدتي وهي ترفع بصرها باتجاه إشارة أصبعي ثم قالت بصوت مكتوم"إنه هو،إنه نفس الجني الذي أتى منزلنا تلك الليلة لن أنسى أبدا مظهر عينيه الحمراوتين""ولكن كيف"استطردت جدتي.في هذه الأثناء وصل الاهالي إلى مكان وقوفنا كان السيد جيمس والسيد توماس قائد الشرطة وبعض أعوانه يتقدمان حشد كبيرا من الناس.وكان من ضمن القادمين صديقي بيلي الذي دنى مني وهو ينظر إلى الشجرة غير مصدق لمل يرى.هذه كانت حالة كل الوافدين أيضا فرؤية شجرة مضيئة كان لها من الغرابة والجمال ما يأسر الخواطر ويذهل الأعين.لاحظ السيد جيمس أن عنقانا أنا وجدتي كانتا مشرئبتين نحو نقطة معينة من الشجرة.صاح فجأة قائلا وهو يوجه الكلام إلى جدتي"ما..ما هذا سيدة إيما "فقالت جدتي بكل برودة"لا أدري إنه يشبه الجني".يبدو أن جل من حضر المكان قد انتبه الآن إلى الشيء المتدلي من الشجرة فحدق الجميع للأعلى وهم مرعوبين من منظر ذلك الجني الذي كان وكأنه يسبح في الفضاء بسبب الضوء الازرق الذي يعم المكان.تهيأ لي للحظة أنني أشم رائحة أزهار الياسمين التي عبقت الأجواء وأضفت على المشهد المهيب بعض الرومانسية.لم يستطع أحد الإقتراب من الجسد المعلق بالحبل من عنقه سوى رجلان من أعوان رئيس الشرطة السيد توماس اللذان ورغم خوفهما الشديد قاما بإنزال الجسد إلى الأرض.استقر ذلك الشيء على العشب أمام فزع الجميع ليتضح أنه شخص إرتدى قناعا مخيفا وثوبا أبيضا متلألأ.تقدم السيد توماس والسيد جيمس منه وقام المختار بنزع القناع من على وجهه ثم صرخ صرخة مدوية"إنه موظف البلدية..إنه السيد مورال"صعق الجميع للخبر واندفعت الحشود لترى جثة السيد مورال عن كثب والتي اتضخ أنها شوهت بوحشية عن طريق سكين حادة.جدتي كانت في حالة مزرية وهي تنظر إلى القتيل الذي زارها قبل أيام ثم قالت وهي تفكر بصوت مرتفع"هل يمكن أن يكون هو،هل السيد جيمس هو من أراد إخافتي باستعمال السيد مورال كشبح جوف الظلمة؟"تسللت كلماتها إلى جوفي كصقيع الشتاء البارد وزادت حيرتي وعدم فهمي لما يجري.قطع السيد جيمس هذه الأفكار بتقدمه نحو جدتي وهو يقول بلسان الموقن "إن لك يدا في هذا أيتها العجوز فقد هددتي بقتله.هل كان هو أول ضحاياك قبل الوصول إلي"ساد صمت مهيل الجمع الغفير الذي نسي أمر الجثة ووجه نظره مباشرة نحو جدتي التي لم تبدي أي انفعال أمام حيرتي التي زادت وزادت.دنى السيد توماس من جدتي وقال بلطف"هل هذا الكلام صحيح سيدتي"وقبل أن تنطق جدتي ببنت شفة تكلم شاب وهو يظهر من خلف الشجيرات الصغيرة وكأنه جاء من العدم.كان شابا في العقد الثالث،ذو بنية قوية جدا وجمال أخاد لم أرى مثله طوال عمري.كانت عيناه الزرقاوتين ترمقان جدتي بنظرات غريبة والتي لم تستطع النظر إليهما وكأنها كانت تنظر إلى ضوء شديد ساطع يعمي البصر.قال ذلك الشاب"سيد توماس،السيدة إيما ليست القاتلة".احتار الجميع لهذا القول الواثق وسرت همسات داخل حشد الاهالي وقد كانت أغلبها عن هوية هذا الشاب فلم يره أحد قط في القرية كما أن لكنته وسحنته لا توحيان أبدا بأنه كندي.تقدم رئيس الشرطة من الوافد الجديد وسأله عن هويته ومن يكون فاكتفى الشاب بالصمت،ولكن أمام إصرار السيد توماس الشديدعلى سؤاله قال الشاب الوسيم"أنا صديق السيد مارك والد ذلك الفتى"ثم رمقني بنظرة غريبة جعلت جسدي يرتعد خوفا.عقب صاحب اللكنة الغريبة قائلا"لقد رأيت ما حدث هنا.كان رجلا من قتل السيد مورال"كانت جدتي في هذه الاثناء كالمصعوقة ففي حين كان الشاب يسرق الأضواء ويشد كل الأنظار إليه كانت هي تنفصل عن الحشد شيئا فشيئا ممسكة بيدي لتسحبني قدر المستطاع عن هذا الشاب الذي كان لظهوره المفاجئ طعم خاص.نظرت إليها سائلا"هل هذا فعلا صديق والدي"أجابت جدتي بعفوية"إنه يكذب،لم أره في حياتي مع مارك.ثومي لا تقترب منه إنه أخطر بكثير مما يظن الجميع"في هذه الأثناء كان الشاب يطوف حول أهالي القرية وكأنه يبحث عن شخص معين ثم توقف عند السيد"بيفز"وهو عامل الإسطبل في بيت السيد جيمس.نظر الشاب إلى هذا الأخير وقال "أخبرنا ماذا جرى هنا يا سيد ..بيفز"نظر بيفز إليه باستغراب وقال"هل تتحدث إلي.كيف لي أن أعرف ما جرى هنا؟" تقدم رئيس الشرطة من الشاب والسيد بيفز ليسمع بوضوح وفي نفس الأثناء لمحت السيدة مينش تصل المكان رفقة خادمتها الخاصة المسماة "ماريا"وهي فتاة ذات بشرة بيضاء وطول متوسط ذات ظفائر صفراء ذهبية ووجه مستدير شاحب.قال السيد توماس"هل أفهم من كلامك أيها الشاب أنك تشتبه بأن السيد بيفز هو قاتل السيد مورال" قال الشاب"بل أنا متأكد من ذلك سيدي فقد رأيته بأم عيني يعلق الجثة على الشجرة".في هذه اللحظة اختفى الضوء الساطع من الشجرة الأم ليخيم الظلام على المكان فقام بعض الرجال بإشعال بعض العصي من القش لإضاءة الأجواء.واصل السيد رئيس الشرطة استجوابه لبيفز قائلا"هل هذا الكلام صحيح"رد هذا الاخير قائلا"لا،أبدا هذا الرجل الأخرق يكذب".اشتد خوف جدتي عندما صرخ بيفز في وجه الشاب واسود وجهها تحت أضواء النار المبعثرة هنا وهناك على محيط الشجرة العملاقة.كان وكأن محكمة صغيرة قد عقدت داخل الغابة في هذا الوقت من الليل.كان المشهد رهيبا والاجواء جد ساخنة.قال قائد الشرطة "هل لديك أدلة على كلامك أيها الشاب"فرد قائلا"نعم سيدي ألم تلاحظ أن الضحية قد ربطت من عنقها بحبل وسحبت إلى أعلى الشجرة بعد أن ألبست ثيابا غريبة لتوهم الجميع أنها جني جوف الظلمة"قال عبارته الأخيرة والتفت مرة أخرى نحو جدتي التي أغمي عليها مباشرة فصرخت مرعوبا فركضت ماريا إلي وأخدت تحاول إيقاظ جدتي برش بعض الماء على وجهها حتى أفاقت ثم أجلسناها إلى جذع شجرة قريبة.تقدمت السيدة مينش من ماريا وأعطتها صفعة قوية أسقطتها على الارض ثم قالت ورأسها شامخ إلى السماء"كيف تجرئين على مساعدة هذه العجوز المقيتة دون أخد إذن مني "فردت ماريا بصوت باكي فالدموع كانت تنهمر على خديها المتوردتين "أنا آسفة سيدتي"فأشاحت مينش القاسية بوجهها عنها وقالت"اتبعيني.أما عقابك فسيكون لا حقا"ثم سارت ومكثت غير بعيدة من زوجها السيد جيمس.كانت الأحداث الأخيرة بين الشاب وبيفز قد شارفت على النهاية فقد رأيت هذا الاخير يبسط كفيه أمام رئيس الشرطة الذي كان يوجه مسدسه باتجاه رأسه.سألت بيلي قائلا"ماذا حدث"فأخبرني ان الشاب الأجنبي قال بان السيد بيفز قد رفع الضحية إلى الشجرة بحبل وانه لم يستعمل لذلك القفازات وبهذا فإن آثار الحبل ستكون واضحة على راحة كفيه وها هو الرجل يري السيد توماس يديه.ثم عقب بيلي قائلا"تومي،هيا نقترب أكثر "حينها قالت جدتي المتعبة"ثومي لا،لا تقترب منه أرجوك"ولكنني لم أستمع لكلامها بل انطلقت مع بيلي وقد انتابتني موجة عارمة من الفضول.وقد كانت دهشتي قوية عندما رأيت رفقة أهالي القرية وبيلي أن الشاب كان صادقا وأن الندوب حديثة العهد قد ملأت راحة يدي السيد بيفز.صاح السيد توماس قائلا"أيها القاتل،ستأخد إلى المخفر وستنال عقوبة الشنق على جرمك"ارتعد السيد بيفز وقال"سيدي لقد.لقد أجبرت على فعل ذلك.أتوسل إليك لا تعدموني"ثم طفق بالبكاء فقال رئيس الشرطة"ما الذي تقصده بكلامك أيها الوغد"فرد بيفز والدموع تكوي مقلتيه"لقد هددني بإدخالي السجن إن لم أفعل ما يامرني به"زأر توماس قائلا"من هو، أجب وإلا نفدت فيك القصاص العادل،وفي الحال"حينها أشار بيفز إلى رجل داخل الجمع وكان السيد جيمس.زعق الجميع لهذا الامر وذهلوا لهول الصدمة.أما السيدة مينش فقد أصدرت شهقة مدوية ثم سقطت مغشيا عليها.ساد الصمت الرهيب مرة أخرى كُسر بضحكات مستهزءة من السيد جيمس الذي قال "كيف تجرؤ أيها اللص على اتهام سيدك بقتل صديقه ومعاونه السيد مورال"قال بيفز"أجل أنت من أمرني بقتله فلا تنكر ذلك فلن أشنق وحدي"قال السيد توماس وهو يشير إلى السيد جيمس بالسكوت مخاطبا بيفز"ماذا حدث بالضبط.تكلم"قال بيفز "لقد أمرني أن أقتل السيد مورال لأنه عرف أسرارا خطيرة عن تجارته المشبوهة وأن ألبسه قناعا لأوهم الناس أنه الجني ساكن الغابة.لقد رفضت ذلك ولكنه هددني بفضحي لأنني سرقت بعض ممتلاكته"قطع السيد جيمس كلام بيفز قائلا"كاذب.لا تصدقه يا توماس" أشار إليه رئيس الشرطة بالسكوت مرة أخرى فصمت وهو يغلي كالبركان ثم قال"أكمل سيد بيفز"استرسل بيفز قائلا"لقد أراد بمقتل مورال إلقاء التهمة على السيدة إيما لأنها هددت هذا الأخير بالقتل وهذه كانت خطة أخرى مدبرة من طرف السيد جيمس فقد طلب من السيد مورال استفزاز السيدة حتى تخرج عن طورها فتقول أشياءا تُحسب عليها وقد نجح في ذلك بعد حمله مسجلة أخفاها في جيب سترته ليسجل تهديدات السيدة إيما،وهدفه من هذا هو إدخالها السجن وأخد أرضها بعد إرسال الصبي ثومي إلى المينم"انفجر السيد جيمس مرة أخرى وأراد ضرب السيد بيفز وإسكاته ولكن رد فعل السيد توماس هذه المرة كان عنيفا فقد صوب المسدس باتجاهه وقال بكل حزم"إن لم تهدأ فسأفجر رأسك.أكمل يا بيفز"قال العبارة الأخيرة بصوت مدو.قال بيفز وهو جد خائف"السيد جيمس لم يكتفي بهذا بل أمرني بارتداء ثياب الجني والذهاب ليلا إلى منزل السيدة إيما لأخبرها بضرورة مغادرة الكوخ والأرض وان أعطيها مدة شهر كامل للمغادرة،فكما تعرفون فالسيدة تؤمن بوجود الجني وسيكون انصياعها لأوامره حتميا ولكن خطته لم تنجح فانتقل إلى خطة السيد مورال".كانت جدتي في هذه الاثناء تكافح للوصول إلى الحشد لتعلم ما يجري.سقط السيد جيمس على الأرض جاثيا على ركبتيه معلنا الهزيمة خاصة بعد ان قال السيد بيفز بأنه قد سجل كلام السيد جيمس وهو يشرح للسيد مورال تفاصيل خطته.بات واضحا الآن للجميع أن السيد الجاثي هو قاتل السيد مورال .قيد السيد توماس مختار القرية وهم بأخده إلى المخفر رفقة عامل الإسطبل بيفز وسط عويل وصياح السيدة مينش.هنا فقد لاحظت ان الشاب كاشف الجريمة قد اختفى وقد لا حظ الجميع ذلك أيضا.إلتفت إلى بيلي وقلت "هل رأيت أين ذهب ذلك الشاب يابيلي"فقال"لا لم أره ولكنني لاحظت انه غير موجود عندما بدأ بيفز يصف الجريمة" وقفت حائرا أمام هذا الأمر الغريب.وصلت جدتي في هذا الوقت إلي واتكأت على كتفي وهي تتنفس بصعوبة ثم قالت"ما الذي حدث"فقلت"سأحكي لك القصة لاحقا جدتي في طريق عودتنا إلى الكوخ فالأمر يهمنا أكثر من أي شخص آخر".إلى هنا ظن الجميع ان بقاءهم في وسط الغابة في هذا الوقت المتأخر لم يعد له أي داعي خاصة بعد الصدمة الكبيرة التي تعرض لها الجميع.وقبل ان يهم الاهالي بمغادرة المكان صرخت ماريا وهي تخاطب السيد بيفز وترمق السيدة مينش بنظرات حقد قاسية.تجمهر الناس مرة اخرى وتقدم السيد توماس من الآنسة .قالت ماريا"ألم تنسى شيئا آخر سيد بيفز؟"إسود وجه بيفز ونظر إليها وكانه يتوسل بأن تسكت...
جني جوف الظلمة3
"سقوط الأقنعة"
قال قائد الشرطة "ماذا تقصدين آنسة ماريا،أوضحي"قالت ماريا"هذا السيد"وأشارت إلى بيفز "لم يقتل السيد مورال فقط بل قتل أيضا السيد مارك والسيدة إيميلي".دوّت كلماتها كالبارود في أرجاء الغابة وكانت كالسهم الذي غرز في قلبي وقلب جدتي التي لم تصدق ما سمعته.عقبت ماريا قائلة"ألم تضع السم لهما بإيعاز من سيدتي المصون_مينش_"ارتجفت السيدة مينش لكلام خادمتها ولكنها حاولت التماسك وعدم الإكتراث.وأمام حيرة السيد توماس نفسه أضافت الآنسة قائلة"سيدي رئيس الشرطة إإذن لي أن أقص عليك فصول جريمة قتل أخبث وأشنع من تلك التي شهدتها قبل قليل."حينها استرجع توماس نفسه وقال"تفضلي"قالت ماريا"لقد حدث ذلك منذ سنين فقد كانت السيدة مينش تغار جدا من أم ثومي -المرحومة إيميلي-وقد زادت كراهيتها لها عندما عرفت بأن السيد جيمس يريد أن يخطبها(إيميلي).لقد شاهدته وهو يرتدي زي الجني ويذهب إلى الغابة ليقابل إيميلي عند هذه الشجرة الكبيرة حيث ظهر لها على هيئة جني حقيقي وخيرها بين الزواج به أو الموت.ربما كانت هذه محاولة يائسة منه لتقبل به إيميلي فقد رفضته باستمرار.المهم لقد كنت خلف السيدة مينش وهي تسترق السمع بين الشجيرات لحديث السيد جيمس المتنكر والسيدة إيميلي.بعدها خطب مارك إيميلي وتزوجها وغادرا واستطاعت السيدة مينش الزواج من السيد جيمس أخيرا.ولكن مخاوفها عادت بعد سماعها نبأ عودة إيميلي فرغم أن هذه الأخيرة متزوجة وأصبحت أما لطفل إلا أن حقد السيدة مينش وغلها كان لا يعرف حد فقررت قتلها لأن موتها هو الشيء الوحيد الذي سيطفؤ خوف قلبها الأسود على زوجها.فدبرت خطة شيطانية للنيل من إيميلي بمساعدة السيد بيفز.لقد اعترضت طريق سيارة السيد مارك وهم يعبرون القرية تلك الليلة ودعتهم لتناول بعض الشاي وقد أصرت على ذلك بحجة أنها اشتاقت لإيميلي بعد غياب العامين .وصل الزوج والزوجة والطفل الصغير إلى منزل السيد جيمس الذي كان في مهمة رسمية خارج القرية.أدخلت السيد مينش ضيوفها واتجهت إلى المطبخ وطلبت مني التزام غرفتي ثم استدعت السيد بيفز وطلبت منه تحضير الشاي ووضع سم ذو مدا متوسط داخل الفناجين.قدّم السيد بيفز للضيوف الشراب المميت.لقد حاولت تنبيههم إلى الخطر المحدق بهم ولكن بيفز هذا اعترض طريقي وهددني بسكين حادة طالبا مني التزام الصمت وإلا سيكون مصيري مثل مصير الثلاثة الجالسين في قاعة الإستقبال.شربت إيميلي المسكيتة أولا ثم تبعها مارك.أرادت مينش أن تسقي الرضيع أيضا بعضا من الشاي ولكن إيميلي رفضت بشدة وأبعدت الطفل عنها.غادرت العائلة الصغيرة بسرعة فلم تدم زيارتهم إلا بعض دقائق لأنهم كانومستعجلين ولم تمانع السيدة مينش أبدا فقد تم ما خططت له وابتعادهما عن بيتها سيكون أفضل لها وأسلم.سمعنا بعد برهة أن السيد مارك والسيدة إيميلي قد وجدا ميتين في سيارتهما..وبقية القصة تعرفونها"أنهت الآنسة ماريا كلامها فقال السيد توماس مخاطبا بيفز"هل هذا الكلام صحيح "فرد بيفز بكسل"أجل سيدي "وهو يحني رأسه .ثم توجه رئيس الشرطة بالكلام إلى السيدة مينش والتي لم افهم ماذا حدث لها فقد ظلت صامتة تبكي وكأنها ندمت على ما فعلت وكان كلام ماريا دواءا لندمها ذاك فتركتها تكمل حتى النهاية.قال رئيس الشرطة"هل فعلت ذلك سيدة مينش"فردت السيدة بصوت جد مكتوم ومختنق"أجل"تنهد السيد توماس وقال لمرافقيه"خدوا المشبوهين إلى المخفر"ثم صاح في الجميع بأعلى صوته إلى منازلكم جميعا".بدأ الجميع بالإنصراف فكانت أصوات خطوات الناس المغادرة للشجرة الأم تتناغم مع صوت نسيم الليل وصوت أوراق الأشجار المتمايلة وكأن قطعة موسيقية حزينه تعزف لتغرق الغابة في ألم دائم.سندت أنا وبيلي جدتي وعدنا بها إلى الكوخ.جدتي التي سمعت تفاصيل حكابة موت وحيدتها والتي كانت تظن أنها نُسجت بخيوط جني قاتل.بدا وكأن جدتي قد فقدت عقلها.وصلنا إلى الكوخ وقد طلبت من بيلي المبيت عندنا.في الصباح غادر صديقي بيلي مع خيوط الشمس الأولى ذاهبا إلى عمله.جدتي أصيبت بمرض لم يعرف الاطباء له دواءا وازدادت حالتها سوءا يوما بعد يوما.مر أسبوعان منذ تلك الليلة الرهيبة ونحن نقترب من نهاية شهر جانفي.جدتي لم تتحسن أبدا وماتت بعدها بيومين تاركة حفيدها الصغير وحيدا في هذا الكوخ وهذه الدنيا الموحشة.قام السيد توماس بزيارتي أنا وبيلي في كوخ جدتي الراحلة.بيلي الذي أصبح يسكن معي بعد أن عدت وحيدا.قال السيد توماس أنه اتصل بمدرسة داخلية للبنين ليطلب إليهم قبولنا أنا وبيلي فيها وقد وافقت المدرسة على ذلك.لم أستسغ الأمر في الوهلة الأولى ولكنني رضيت به في النهاية وكان ذلك موقف بيلي أيضا.اليوم هو التاسع والعشرون من شهر جانفي.توقفت حافلة أمام الكوخ وهي الحافلة التي ستنقلنا أنا وبيلي إلى المدرسة الخاصة في مونريال.أخرج بيلي الحقائب أما أنا فبقيت أنظر إلى أرجاء الكوخ الداخلية النظرة الأخيرة.دخلت غرفة جدتي وأخدت صورتها المعلقة على الجدار كتذكار ثم ولجت المطبخ التي كانت تقضي فيه معظم وقتها.لن أنسى تلك الطاولة الخشبية وتلك الخزانة والموقد والنافدة المطلة على جوف الظلمة.خرجت وركبت الحافلة مع بيلي وما كادت تنطلق حتى نظرت إلى الكوخ وكانت مفاجأتي كبيرة عندما رأيت ذلك الشاب الذي ظهر في تلك الليلة واقفا أمام باب الكوخ.كان مظهره هذه المرة غريبا ومخيفا بعينين حمراوتين كبيرتين تماما كعيني الجني الذي كانت جدتي تؤمن بوجوده.لوح لي ذلك الشاب راسما نظرة مرعبة.التفت إلى بيلي الذي كان منشغلا بالحديت وقلت"بيلي أنظر إلى الكوخ"نظرنا انا وبيلي مجددا إلى مسكني القديم ولكن لم يكن هناك أحد فقد اختفى ذلك الشاب في لمح البصر.حينها اهتزت الحافلة بعنف حتى ظننت أنه حادث وانني سأموت ولكنها استقرت وواصلت طريقها.قلت في نفسي"هل هو من فعل ذلك؟""هل سيدعني أرحل""هل هو جني جوف الظلمة؟.."
النهاية
حكاية من وحي قلمي الحالم
أحمد