كان الوفد العراقي من أوائل الواصلين بعد أسكوتلندا الى العاصمة المكسيكية (مكسيكو ستي) في بداية شهر ايار/مايو... وقد تم الترحيب به رسميا من قبل اللجنة المنظمة للبطولة مع مندوب من الفيفا لاستقبال الفرق وتم نقله من المطار إلى مقر الاقامة في العاصمة مكسيكو ستي..

ما أن حط الوفد رحاله في الفندق حتى أخترقه صحفي مكسيكي (خبيث) مع مترجمه العربي ليسأل حارس محمد قائلا له: أجرت وكالتنا الاخبارية مؤخرا إحصائية عشوائية من 1000 عينة عن من يرشحون لنيل كأس العالم فكانت حصيلتكم منها صفر... حارس يرد عليه بغضب.. كذبت الاحصائيات مثلما كذب المنجمون..لم نأتِ للمتعة.. قدمنا إليكم لنريكم لعبنا...

 بدأ إيفرستو يعطي لاعبينا وحدات تدريبية مكثفة بجرعات متقطعة في الملعب المخصص للفريق .. أستمر الروتين اليومي لمدة اسبوع منذ قدوم الفريق العراقي الى مكسيكو ستي (من الفندق الى ملعب التدريب ومن الملعب الى الفندق).. وقد بدأت الفرق تتوافد تباعا بوفودها وجماهيرها، مع توالي الأيام بدأت مهرجانات المونديال تشع في شوارع العاصمة.. غير أن إيفرستو مستمر بنهجه التدريبي الصارم وروتينه الممل ليشذ الفريق العراقي بذلك وفي أوائل أيام قدومه عن بقية الفرق التي تأقلمت مع أجواء البطولة.. قبل أول مباراة ودية تجريبية مع نادي مدينة تولوكا طلب قائد الفريق العراقي وأكبرهم سنا رعد حمودي من المدرب إيفرستو براحة وجولة ترفيهية للفريق.. إيفرستو أجّل الأمر.. لاعبونا اصروا على ذلك (نريد أن نعيش أجواء البطولة... إيدو كان يمنحنا الليل بأكمله.. كل الفرق تخرج الا نحن)... إيفرستو رضخ للأمر شريطة أن يحدد هو جهة النزهة ووقتها.. وافق الجميع على تلك الصفقة.. إيفرستو (الخبير بمكسيكو وشوارعها) يذهب بحافلة المنتخب الى متنزه (شتوي)!!!!!!!!!! خالٍ من أجواء البطولة وكرنفالاتها.. منتخبنا يعترض على الاختيار.. ايفرستو يصر.. منتخبنا لايوافق.. ايفرستو ينزل لوحده ويمتع نفسه لمدة ساعتين وفريقنا بأكمله جالس في الحافلة ينتظر نهاية نزهة إيفرستو...ينهي إيفرستو نزهته فيعود بالمنتخب الى الفندق وكأن شيئا لم يكن ويخسر منتخبنا بذلك المشيتين!!!...لم يفت على ايفرستو ذلك التصرف فلم يوافق على النزول مع منتخبنا الى مطعم الفندق لتناول العشاء ذلك اليوم قائلا لهم (وحدة بوحدة) مثلما لم ترافقوني اليوم في النزهة لن ارافقكم بالعشاء...

إستغل بعضهم عدم نزول إيفرستو معهم فقاموا بعمل خطة سرية للخروج بعد العشاء الى شوارع العاصمة والاحتفال مع الفرق الاخرى بالمونديال.. تم إكمال العشاء وخرج اللاعبين الى باحة الفندق وإذا بشرطة الفندق تلقي القبض عليهم وتعاملهم بقوة وتقول لهم إرجعو ممنوع ممنوع لا خروج للعراقيين ممنوع.. يستغرب سلام المترجم من هذا التصرف فيسألهم ولماذا ممنوع وكلكم تعرفوننا.. فيجيبه عريفهم بعد أن أنزوى به جانبا: مدربكم أعطى لكل منا مبلغ 100 دولار لنمنعكم من الخروج ونحن كما تعلم أصحاب عوائل!!!!!!!!!!!!.

مؤيد البدري

كان السيد مؤيد البدري رئيسا للوفد العراقي في المونديال.. وقد حسن اختياره لتاريخه الطويل وسيرته وشهرته الدولية.. بعد أن إكتمل نصاب الفرق عقد الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جلسة تاريخية في قصر المؤتمرات في مكسيكو ستي..القى فيها مؤيد البدري كلمة العراق بصوت غاضب مشيرا بأصبع يده على داتو حمزة (رئيس الاتحاد الاسيوي بكرة القدم) متهما اياه بكل صراحة بأنه يقف وراء مقترح منع العراق من خوضه المباريات الدولية على ارضه في تصفيات كأس العالم ومايليها.. علما أن دول المجموعة قطر والاردن ولبنان (والكلام للبدري) وافقت بالاجماع على خوض مبارياتها في بغداد غير أن داتو حمزة فاجأ الجميع في اجتماع الاتحاد الدولي (الفيفا) الذي عُقِدَ في مدينة زيوريخ في يوم الثامن والعشرين من تشرين الثاني 1984 بمخالفة لوائحه بطرحه هذا الامر فنال الموافقة.. لقد تحملنا الكثير من الاعباء المالية بسبب عدم اللعب على أرضنا.. وعليك أن لاتنسى ياحمزة.. قرار إبعادنا عن محيطنا العربي بإقامة مباراة قطر الحاسمة في كلكتا...

صفق هافيلانج بقوة لكلمة البدري ليبادر مؤيد البدري بشكره على سؤاله المستمر على المنتخب الوطني العراقي وحضوره الشخصي الى دمشق لمتابعة مباراة ذهاب النهائي..

بعيدا عن مسؤولياته الرسمية كونه رئيسا للوفد العراقي وارتباطاته لم ينسى البدري جمهوره ومحبيه فها هو يقدم رسالة يومية للمنتخب الوطني الى التلفزيون العراقي أمّنتها له محطة نصر للاقمار الصناعية.. يتابع من خلالها تحركات الفريق وتمريناتهم وكلمات إيفرستو (وان تو ثري فور)..

 حل الثلاثاء.. مؤيد البدري يقدم حلقة تاريخية من برنامج الرياضة في أسبوع من المكسيك بعد أن اصطحب معه مخرج البرنامج فيصل جواد كاظم ومصوّره ثامر جعفر.. يتجول البدري في شوارع تولوكا الصاخبة ليلتقي ثلاثة شبان عرّفهم بنفسه (عراقي) فهتف الثلاثة (إراك إراك إراك)...

للتاريخ نقول أن البدري بعمله هذا قد حقق إنجازا كبيرا للاعلام العراقي في تلك الفترة متميزا عن الاعلام العربي ومنها الجزائري والمغربي (البلدان العربيان المرافقان لفريقنا بالمونديال) وتلك الميزة تكمن في تخصيص كابينة تعليق ثابتة له من الملعب مباشرة مقارنة مع نظرائه العرب الذين علّقوا على مجريات البطولة من كابينة ثابتة ولكن أين وضعت (في العاصمة الجزائرية الجزائر)!!!!!!! مما أثار حفيظة المعلق خالد الحربان وأعترض قائلا: علقنا على لوس أنجلوس من استوديو في هونغ كونغ والان نعلق على المكسيك من الجزائر .. الافضل لي أن أعلق من بلدي وبين جمهوري.. فهل أكذب على نفسي وعلى جمهوري بالتعليق على مباريات المكسيك من الجزائر!!!!!!!!!...

السفارة السعودية في العاصمة المكسيكية تستضيف الوفود العربية الثلاثة مع تكريم لهم من قبل السفير السعودي...

اقترب موعد البطولة التي كان من المقرر أن تنطلق بمباراة الافتتاح يوم 31 ايار بين ايطاليا وبلغاريا على ملعب الأزتيك.. منتخبنا الوطني يخوض مباريات ودية ابتدأها باللعب مع منتخب ناشئة المكسيك التي قضت نهائيا على أي أمل لمشاركة عدنان درجال في المونديال وقد انتهت المباراة عراقية 1-0..

 ليلعب المباراة الثانية مع نادي تولوكا ( هو نفس النادي الذي اشترك في بطولة العالم للاندية قبل الماضية وقابل الاهلي المصري) ليفوز منتخبنا عليه ايضا بهدفين ثم مباراة أخيرة مع نادي بومس ثاني الدوري المكسيكي للموسم 85-86 أنتهت عراقية بهدفين أيضا (ولكن هل كان لتلك المباريات داعٍ والتي كانت من إحدى ثمارها فقدان المنتخب لخدمات مدافعه عدنان درجال ومضاعفة إصابة حسين سعيد وانتهاء أمر كريم علاوي "أترك الرأي للقراء وأهل الاختصاص")...

إذا أنتهى كل شيء وبدأ الاستعداد الجدي ليوم الحسم الأول 4 حزيران 1986...  

كأس العالم 1986 في المكسيك

لابد من الاشارة الى البطولة وإيفائها حقها.. فتقول المصادر والمراجع التي بحوزة كاتب الموضوع أن المكسيك لم يكن يدر بخلدها أنها ستسضيف المونديال للمرة الثانية بعد 16 سنة فقط من استضافتها الأولى عام 70 وهي فترة قريبة جدا بين استضافتين مقارنين ذلك بألمانيا التي استضافت مونديالها الثاني بعد 32 سنة وايطاليا 55 سنة بين الاستضافتين 34 و 90 والبرازيل التي ستستضيف مونديالها الثاني بعد 65 سنة من الاستضافة الاولى... فالبلد الشرعي المستضيف لتلك البطولة (حسب تلك المصادر) هي كولومبيا لكن الوضع السياسي والامني المتردي في ذلك البلد منذ ثلاثين عاما قبل 86 والذي لازال مستمرا حتى يومنا هذا أجبر الفيفا على أختيار بلد الطوارىء الجاهز وهو (المكسيك)..

 في ظهيرة التاسع عشر من أيلول/سبتمبر من عام 1985 ضرب زلزال عاصف العاصمة مكسيكو ستي ذهب ضحيته مايزيد عن (50) الف نسمة.. أفاق العالم حينها على هول الكارثة بهجرة الالاف المؤلفة من العاصمة من بيوتهم المهدمة ليسكنوا في خيام شيدت لهم في أطرافها في ظروف صحية سيئة..التذمر ازداد من أبناء الشعب المكسيكي.. مراسل إحدى القنوات العالمية يذهب (بمكر إعلامي غير نزيه) الى الضواحي مستطلعا آراء المشردين عن استضافة بلدهم المنكوب للمونديال ليستغل الكارثة ناقلا بإسلوب غير شريف أصوات أحتجاج الضحايا في ذروتها على حكومتهم بقيادة الرئيس ميغيل دولا مدريد قائلين: نموت جوعا وبيوتنا مخربة ويريدون تنظيم كأس العالم لن ندع بارونات كرة القدم يهنأون بها!!!!!!..  

العالم يحبس أنفاسه بإلغاء البطولة برمتها في ذلك العام ولكن المكسيك شمّرت على ساعديها وأصرّت على الاستضافة لتثير تعاطف عالمي واسع أصر من خلاله (خافير بيريتس ديكويلار) الأمين العام للأمم المتحدة حينها على تكريمها بمباراة ودية معنوية بعد المونديال يعود ريعها الى ضحايا الزلزال كتكريم متواضع وبالفعل جرت بين منتخبي (قارة أمريكا بقيادة مارادونا ومنتخب نجوم العالم بقيادة باولو روسي) في شهر آب من عام 86..

حفل أفتتاح متواضع جدا شابه الحزن إحتراما لأرواح الضحايا ومأساة المنكوبين أقامته المكسيك في يوم 31 ايار من عام 86 بفقرات راقصة لتبدأ معه أولى مباريات الدورة بين إيطاليا وبلغاريا قادها الحكم السويدي إيريك فريد ركسون كانت متواضعة بمعنى الكلمة انتهت بتعادل الفريقين بهدف لكليهما...

الفرق العربية الثلاثة في المونديال

ينبغي الاشارة أن كل الانظار العربية آنذاك كانت تتطلع الى فرقها الثلاثة الممثلة بالمونديال وشاء القدر أن يكون الفريق العراقي ثالث العرب من حيث ترتيب الأيام بخوض مباراته الأولى بالمونديال فأتجهت الأنظار أولا الى مباراة الجزائر وإيرلندا الشمالية التي جرت في الثاني من حزيران /يونيو أنتهت بالتعادل بهدف لكليهما من هدف جميل لزيدان الجزائري.. وبعد أربعة ساعات (الرابعة بتوقيت مكسيكو) جرت مباراة المغرب مع بولندا أنتهت بالتعادل بدون أهداف.. إذا نقطة للمغرب والجزائر الشقيقين..

 وتصريح ناري لمهاجم الجزائر بلومي قائلا فيه ( انتظروا العراق) ليزيد المسؤولية ويضاعفها..

قبل أنطلاق مباريات مجموعتنا

قبل كل شيء لخبطت إصابة المدافع عدنان درجال حسابات الجميع (نحن وخصومنا).. فلم يكن أحد يتوقع غياب هذا اللاعب عن دفاع المنتخب العراقي في ذلك الاستحقاق العالمي التاريخي حتى أن شخص فرنسي بعث بـ(تلكس) الى مجلة الرشيد يقول فيها راهنت بمبلغ مالي على فوزكم أو تعادلكم في مباراتكم الاولى مع البارغواي لوجود صخرتكم عدنان درجال في دفاعكم مما يستحيل بذلك تسجيل الاهداف عليكم.. إيفرستو يستدعي على عجل باسم قاسم من بغداد ليلتحق بالمنتخب العراقي كاسبا بذلك فرصة تاريخية نادرة لم يكن يحلم بها خصوصا أنه لم يكن مع المنتخب الوطني طوال فترة إعداده للمونديال في بغداد والبرازيل وكان آخر ظهور وطني له في مباراة الامارات في الطائف شأنه بذلك شأن كريم صدام وناظم شاكر.. إيفرستو يشعر بالحرج فيعيد ترتيب دفاعه وخططه من جديد فقام بإرجاع باسل كوركيس الى الخلف (أثناء الوحدات التدريبية الأخيرة) لإقامة متراس دفاعي يؤمّن به مرمانا جيدا.. كما ركز في التمارين على مصيدة التسلل، مصرحا للصحافة: من يريد الفوز في أية مباراة داخل هذا البلد (المكسيك) عليه أن يلعب بطريقة اقتصادية..

لم يكن غياب عدنان درجال عاديا.. فقد كان صداه واسعا في أرجاء البطولة برمتها..

*مدرب البارغواي السيد بوتو يعلن للصحفيين: لا أخفيكم سرا أن غياب مدافع العراق عدنان درجال صاحب الرقم 2 يصب في مصلحتنا ولكنه في الوقت نفسه أدى الى إختلاف كُلي في حساباتنا التي وضعناها للاعبين العراقيين من خلال متابعتنا لهم في معسكر البرازيل أو مباريات المكسيك الودية وحتى من خلال أشرطة الفيديو التي وصلتنا لمبارياتهم في بغداد.. مباراتنا مع العراق ستكون مفتوحة وقوية وندية..

*صحيفة (ستاديوم) المكسيكية تهدي لقراءها بوسترا كبيرا في داخل صفحاتها لأفضل لاعبي الوسط المشاركين بالبطولة مع CV خاص بكل لاعب ومن بينهم اللاعب العراقي علي حسين قائلة عنه: نتوقع أن لايكون علي حسين شهاب نجم المنتخب العراقي في البطولة فحسب بل يكون نجما للمجموعة برمتها.. نتوقع له التألق ولن ننسى أسلوب لعبه البرازيلي في مباراتهم التاريخية مع سوريا في الطائف...

*قناة بلجيكا الرياضية تبث برنامجا مدته ساعة في مساء الاول من حزيران/يونيو مخصصا عن منتخبنا الوطني مع تحليل كامل لكل لاعب فيه إضافة الى لقطات من مباريات الدوري العراقي.. ومباريات منتخبنا مع الدانمارك وفلامنغو ورومانيا.. القناة تركز على حسين سعيد الذي تتوقع له البروز في مباريات المجموعة..

قبل المباراة بيوم حققت المكسيك فوزا ولا أروع على بلجيكا بهدفين دون رد لتخطف أول نقطتين من مجموعتنا..

                                              مأدبة الافطار الاخيرة قبل المباراة يقيمها رعد حمودي في ممر الفندق للاعبين

الأربعاء 4 حزيران / يوليو 1986 العراق – بارغواي (ملعب تولوكا)

قبل يوم المباراة أعلن جبار يوسف مدير التلفزيون آنذاك بأن مباراة منتخبنا الاولى (ليوم غد) مع البارغواي ستنقل على القناة الثانية مطمئنا الجميع بأنها فعّلت من بثها ليغطي المحافظات العراقية كافة، ويطمئن جمهورنا بذلك.. علما أن القناة الاولى استمرت ببث برامجها الاعتيادية ومنتخبنا يلعب أولى مباريات المونديال التي نقلتها القناة الثانية!!!!!..

في الساعة الثانية عشرة ظهرا بتوقيت مدينة تولوكا خاض منتخبنا الوطني مباراته الاولى التاريخية في مونديال كأس العالم مع المنتخب الوطني لجمهورية البارغواي.. مؤيد البدري يحاول الاتصال بالتلفزيون العراقي لكنه لم ينجح فيدرك شدراك يوسف الموقف من مبنى الاذاعة والتلفزيون (بالصالحية) داخلا بذلك التاريخ الاعلامي الرياضي في العراق كونه نال شرف أول معلق لمباراة عراقية في مونديال كأس العالم من بغداد!!!..

منتخبنا يفاجىء جمهوره بنزوله باللون الاصفر بعد أن عوّدتهم السنين الماضية وبالتحديد منذ دورة الخليج 76 حتى مرحلة التأهل والاعداد للمونديال بإرتداءه الدريس الاخضر وبديله الابيض أو الفانيلة البيضاء والشورت الاخضر.. التي أحرز بها (كأس العرب – الدورة الرياضية العربية – التأهل الى مونديال كأس العالم ناهيك عن الصعود الى دورة العاب لوس أنجلوس).. وقد قيل وقتها أن الاتحاد العراقي لكرة القدم طلب رسميا من الشركة المجهزة للمنتخب (بأن تكون تجهيزاته مميزة عن كل فرق العالم وأغلاها) فأختارت اللونين المذكورين (الأصفر والسمائي) الذي اثار حفيظة لاعبينا كونه غريب عليهم ولكن من ثمراته أنه نال ثاني أفضل تجهيز رياضي بفرق العالم كلها في تلك البطولة بعد تجهيزات الفريق الالماني ودريسه الرياضي..

مع ذلك يقول حارس محمد لفضائية الجزيرة الرياضية: شعرنا بالغربة ونحن نرتدي الأصفر وأعتبرنا السمائي ضيفا ثقيلا علينا!!!!..

نعود الى المباراة.. فقد بلغ حضور الجمهور فيها 24 الف متفرج مع حضور متواضع ومؤثر للجالية العراقية المتواجدة في المكسيك والولايات المتحدة وبعض دول أمريكا الوسطى والكاريبي..

وقد أختير لأداء مهمتها الحكم الموريسوشي السيد (إيدوين بيكون) ...

 في الدقائق الاولى جارى المنتخب الوطني منتخب البارغواي الذي أتضح أنه ليس بالفريق المستحيل التغلب عليه.. وقد خطر منتخبنا مرمى البارغواي مرات عدة..

حتى وقع المحظور.. ليأتي هدف البارغواي الاول في الدقيقة 36 من الشوط الأول الذي لم يأت وفقا لمجريات المباراة فلم تكن البارغواي بتلك السيطرة الكبيرة وبالوضع الذي يؤهلها بتسجل هدف ولكنها كرة القدم.. رعد حمودي صاحب الخبرة الكبيرة ومسيرة 12 عام بالملاعب الدولية التي بدأت منذ مباراة تركيا عام 74 وصاحب تجربة لوس أنجلوس العالمية يرتكب خطئا تاريخيا فضيعا بخروجه من مرماه ياردات عدة ليؤدي دور مدافع بدل حارس مرمى ليستغل الأمر الماكر روميرو مسجلا الهدف الاول للبارغواي محتفلا به مع كادر فريقه بأكمله بطريقة كبيرة جدا استمرت لدقيقة..

دعونا نقرأ بعضا من تفاصيلها مما جاء بتحقيق الصحفي أياد الصالحي عليها في صحيفة المدى في أحد أعدادها الصادرة في حزيران 2006:

بعد عشرين سنة يقول رعد حمودي عن الهدف للصالحي:

في بداية المباراة كدنا أن نضع الباراغواي في مأزق حقيقي بعد ان حاصرناهم في وسط الملعب لكن المهاجم روميرو استغل تقدم المدافعين وخروجي عن مرماي..  توقعت انه سيدخل منطقة الصندوق لانقضّ بدوري على الكرة لكنه خدعني ورمى الكرة (لوب) من قوس الجزاء ...

لم يثنِ الهدف من عزيمة الفريق العراقي مطلقا.. حسين سعيد يُضيّع كرة برأسه مرت قرب القائم..

ضربة حرة من خليل علاوي مرت قريبة من العارضة محاولا عبرها استعادة أمجاد الطائف..

الدقائق الاخيرة أسفرت عن ضربة زاوية سجل من خلالها أحمد راضي هدفا جميلا بضربة رأس (شدراك يهتف كووول كووول)...

لنأخذ الكلام من لسان أحمد راضي بعودة الى تحقيق الصالحي:

هدفي الذي سجلته في مرمى الباراغواي كان نظيفا وتدخل الحكم بيكون لالغائه بحجة انتهاء الوقت، لاشك أن واحدة من مساوئ كأس العالم تكم في إناطة المباريات لحكام لا يفقهون في قانون اللعبة وضعفاء في اتخاذ القرار المناسب، بدليل إن ارتقائي لكرة عالية مرسلة من ضربة زاوية في الدقيقة الاخيرة من الشوط الاول كان سليما ووضعتها برأسي في الشبكة لكن الحكم (بيكون) سرق الهدف في وضح النهار واثار غضب الجمهور المكسيكي الذي تعاطف معي.. والطريف ان ناظم شاكر قال لي في غرفة الاستراحة سأطارده اينما يكون وفعلا وجدته يراقبه في صالة الفندق بعيون غاضبة وكان بيكون لا يبالي به.. ومازاد من اطمئناننا على صواب اللجنة المشرفة على الحكام انهم قاموا بطرده من البطولة ومنعه من قيادة أية مباراة في المونديالات اللاحقة.. وكان قراراً متوافقاً مع خطيئة الاجهاض لهدف شرعي مئة بالمئة!..

  مع الشوط الثاني يخطر ناطق هاشم مرمى البارغواي بكرة رأسية اضاعها بسبب سوء التركيز ليكون شوط كر وفر..هجمات متتالية لكلا الفريقين.. لتنتهي تلك المباراة بفوز البارغواي بهدف دون مقابل بتوقيع المهاجم روميرو..

 موفيا بذلك دينه لبروك شيلدز كونه مرافقها الصحفي بعد أن وعدها بتسجيل هدف ضد العراق وإهدائه لها..

إنتهت المباراة بخيبة أمل عراقية ووضع نفسي سيء جدا خصوصا أن فريقنا خرج مظلوما بإلغاء هدف احمد راضي بداعي انتهاء الوقت الشرعي..

لاعب البارغواي جورج كواش صاحب الرقم 16 يبادر لاعبينا بالتقليد المتبع بتبديل الفانيلات ليتبعه لاعبي فريقه تجاه لاعبينا.. منتخبنا يصعد الحافلة متهجما يلوذ بالصمت.. إيفرستو يُغيّر مسار الحديث عن تداعيات المباراة وتحليلها وإبداء رأيه بالسؤال على (شيء جوهري برأيه) أين فانيلاتكم ؟؟؟؟؟؟ يقول اللاعبين: استبدلناها مع البارغوايانيين.. أو بالاحرى هم استبدلوها معنا.. ايفرستو يجعل منها قضية.. لن تتحرك الحافلة طالما فانيلاتكم ليست معكم ارجعوها.. أثنين من اللاعبين يبادران بإرجاعها (وللقارىء أن يتصور الموقف) ولكن شاكر محمود يصر على أن أخلاق العرب تمنعه من إرجاع الهدية ورفضها.. ايفرستو يصر وشاكر يصر ليحوّل مسار الخسارة الى قضية (دريسات الفريق) وبذلك يتدخل اللاعبين وتسير الحافلة وسط توعد لايفرستو لشاكر محمود على هذا التصرف........

مثّل منتخبنا الوطني في تلك المباراة: رعد حمودي – خليل علاوي – ناظم شاكر – سمير شاكر – علي حسين – حارس محمد – أحمد راضي – حسين سعيد – باسل كوركيس – ناطق هاشم – غانم عريبي .. والبديلين: (رحيم حميد وباسم قاسم)...

خرجت الصحافة العراقية بعد خسارة المنتخب بيوم بمانشيتات تشجيعية من باب أن البطولة لازالت في بدايتها وبلجيكا أيضا خسرت وهناك أمل لثلاثة فرق أن تتأهل من المجموعة وفقا لمقتضيات الدورة وكان من المفترض أن نتعادل لولا الحكم الذي وصفته المذيعة سعاد عزت في نشرة أخبار الثامنة مساءا في اليوم الثاني بالـ(معتوه)!!...

الأحد 8 حزيران / يوليو 1986 العراق – بلجيكا (ملعب تولوكا)

نزل الفريقان إلى أرض الملعب في الساعة الثانية عشرة ظهرا، وبطاقم تحكيمي بقيادة الحكم الكولومبي (جيسوز دياز) ومساعديه (أرمانيو فكتوريو سانشيز) من إسبانيا وفوجيت كريستوف من (تشيكوسلوفاكيا)...

 وأمام جمهور بلغت حصيلته 20 ألف متفرج..

 منتخبنا يرتدي الزي السمائي .. ويلعب بغياب حسين سعيد وعدنان درجال.. سيطرة بلجيكية (نوعا ما) في بداية المباراة أسفرت عن هدف مبكر لأنزو شيفو في الدقيقة 16 من انفرادة من جهة اليمين ليسددها بقوة الى مرمى رعد حمودي..

 ساد الارتباك فريقنا نوعا ما بعد الهدف فأستغل ذلك أصحاب الخبرة البلجيكيين ليزيدوا من هجماتهم وضغطهم على فريقنا.. سيلومنز كابتن الفريق البلجيكي ينفرد بالكرة نحو مرمانا ولكن بخبرة أوروبية يتجه بقصد نحو مدافعنا خليل محمد علاوي ويتعمد التصادم به في حين أن الكرة كانت متجهة الى الأمام ليحصل بذلك على ضربة جزاء صحيحة بعد سبعة دقائق من تسجيل الهدف الأول أي في الدقيقة 22 نفذها بنجاح نيكو كليسون..

 مرت دقائق الشوط الأول ثقيلة على لاعبينا رغم استطاعتهم من مجاراة البلجيكيين أي لم يكن الشوط بأكمله من طرف واحد رغم الهدفين البلجيكيين لينتهي بهما..

أعاد إيفرستو حسابات فريقنا في الشوط الثاني.. ولكن الأمر تغيّر.. باسل كوركيس في الدقيقة السادسة من الشوط ينال بطاقة حمراء فيخرج من المباراة وسط دهشة لاعبينا.. تحويلة رائعة من ناطق هاشم لاحمد راضي يسجل منها هدفا جميلا أحتفل به رافعا يده نحو الاعلى..قال عنه للصالحي في المدى:

- لن أنسى ماحييت تمريرة المرحوم ناطق هاشم التي قدمها لي على طبق من ذهب ورمقت فراغ الزاوية البعيدة للحارس بفاف وقررت على الفور تسجيل الهدف وتحقق ما اراد في الدقيقة 57 بعد ان تقدم البلجيك بهدفين في الدقيقتين (16 و 20) ولولا طرد اللاعب باسل كوركيس لكان لنا كلام آخر في النتيجة سيما ان بفاف انقذ كرة خطرة لعلي حسين في الدقيقة 63 كادت تضع البلجيك في ورطة التعادل.

رفع الهدف من روح لاعبينا المعنوية برغم لعبهم ناقصي العدد فتوالت الهجمات العراقية على المرمى البلجيكي.. علي حسين يسدد كرة قوية جدا اصطدمت بلوحة الاعلانات (خلف المرمى) وبان صوتها بالتلفزيون من شدتها.. ناظم شاكر يُصاب في رأسه من قبل المهاجم البلجيكي، فأتضح أن الاصابة هي شج في الرأس.. ينادي لاعبونا والبلجيكيين ايضا على الكادر الطبي بالاسراع بالدخول ( كما موضح بالصورة) لأن الدماء تسيل من رأس الرجل..

 يدخل الفريق الطبي البرازيلي الى الملعب ويقوم بفحص رأس ناظم فينصحه بمغادرة الملعب ويشير إلى ايفرستو بتبديله.. ناظم يرفض المغادرة ويطلب من الطبيب ان يعالجه بسرعة وهو داخل الملعب.. أمام إصرار ناظم ودهشة لاعبينا وحيرتهم يبدأ الطبيب البرازيلي فعلا بخياطة الجرح على عجل وناظم ينزف الدماء وهو
غير مبال او مهتم بل ويضحك لذلك الموقف حيث يغرز الطبيب الابرة في فروة رأسه بلا تخدير موضعي!! مما اثار استغرابه قائلا له بصوت عالٍ أثناء الخياطة وباللغة البرتغالية (مجنون)!!.. في الدقائق الأخيرة من الشوط الثاني حاول إيفرستو أن يعادل النتيجة لأن فريقنا كان مجاريا للبلجيكيين وندا قويا لهم رغم آثار التعب الكبيرة التي بدت عليهم، فأشرك في الدقيقة 82 اللاعب رحيم حميد الذي أتضح أن من واجبه في تلك المباراة كان عدم الدخول الى منطقة الجزاء (رغم أنه مهاجم وهداف ونزل بالوقت الحرج لتعديل النتيجة) إذ كان من واجبه إشغال المدافعين نحوه والدفع بهم خارج منطقة الجزاء لفسح الطريق أمام أحمد راضي لتسجيل هدف.. رحيم لم يفهم الفكرة أو لم يقتنع بها فخالف تعليمات المدرب ودخل منطقة الجزاء محاولا تسجيل هدف... شهدت الدقائق الاخيرة من المباراة حالة إعياء كُلي لفريقنا.. وساد الارتباك صفوفهم.. إيفرستو بحرفنة يقوم برمي الكرة من كابينته الى داخل الملعب فيوقف بذلك الحكم المباراة لأن كرة خارجية دخلت أثناء اللعب فيكسب بذلك وقتا مستقطعا موجها خلاله تعليماته بسرعة الى لاعبينا ورافعا من روحهم المعنوية..

في الدقيقة 88 ينفرد حارس محمد من جهة اليمين بالمرمى ليسدد كرة مصيرية لتصطد بمثلث القائم ويجن جنون بفاف على اثرها التي لو كانت هدفا لغيّرت مسار تاريخ الكرة العراقية برمته.. إنتهت المباراة.. وأنتهت معها آمال الفريق العراقي وجمهوره ولاعبيه.. إنتهى كل شيء وخرجنا من كأس العالم.. لتصبح مباراتنا القادمة مع المكسيك شرفية وتحصيل حاصل..

كانت أعلى حصيلة لمنتخبنا من الانذارات في تلك المباراة فقد نال فيها كلا من: رعد حمودي وناظم شاكر وسمير شاكر وحارس محمد وناطق هاشم البطاقات الصفراء.. إضافة الى طرد باسل كوركيس منها..

مثل العراق في تلك المباراة: رعد حمودي – خليل علاوي – ناظم شاكر – سمير شاكر – علي حسين – حارس محمد – أحمد راضي – كريم صدام – باسل كوركيس – ناطق هاشم – غانم عريبي- والبديل رحيم حميد.

خرجت الصحافة العراقية في اليوم الثاني بتعليقات مثيرة صبّت بها جام غضبها على من أضاع جهد بلد وفر له مباريات تجريبية ومعسكرات على مستوىً عالٍ (حسب قولها)... باسل كوركيس متهم بالاساءة لسمعة الرياضي العراقي بتصرفه (الأرعن) الذي لو لم يكن قد خرج لكان هناك كلام آخر.. بنهاية المباراة انتهى كل شيء وفقد العراق الأمل بالتأهل الى الدور الـ16...

أنتهت مباراة بلجيكا وإتجه فريقنا الى الفندق.. كان حديث بغداد يصل أسماع لاعبينا عبر الموفد الاعلامي المرافق وإتصالاتهم بذويهم.. أثّر ذلك على حالاتهم النفسية أيما تأثير.. إذا العقوبة بأنتظارنا.. هكذا كان يقول كل من بالفريق.. الاحباط يسودهم.. شبح العقوبة يشتت أذهانهم من التركيز على مباراة الازتيك القادمة.. إيفرستو يدرب المنتخب بمعدل وحدتين تدريبيتين مكثفتين استعدادا للمباراة القادمة.. الصحافة المكسيكية تركز هذه المرة على اللاعب حارس محمد وتصفه بأحد نجوم المجموعة وتحذر منه.. مؤيد البدري يقدم حلقاته على إستحياء رافعا بخبرته الاعلامية الروح المعنوية للفريق والجمهور العراقي في بغداد.. الذي زاد من حراجة الموقف الاداء الرفيع الذي قدمته الجزائر والمغرب في مباراتيهما الامر الذي جعل الصحافة العراقية تقارن بين بطل العرب (العراق) وبين ممثليهما الاخرين.. خصوصا أن الجزائر كانت قد قدمت مباراة تاريخية أسطورية مع البرازيل التي أحرجتها لمدة 66 دقيقة حتى جاء الهدف اللعين لكاريكا.. وكانت قبلها متعادلة مع آيرلندا بهدف لكليهما..

ناهيك عن الاداء المغربي الرفيع مع بولندا وأنكلترا الامر الذي جعل الجميع يتساءل.. لماذا خسرنا ونحن أسهل المجموعتين!!!.. لماذا خسرنا ونحن أبطال العرب؟!!!.. لماذا خسرنا ونحن أفضلهم إعدادا (الجزائر والمغرب) ؟!!!!...

 انتهت الحلقة الخامسة على أمل لقياكم في حلقة مسلسل المكسيك السادسة والأخيرة....

دمتم بود