مللت روتين الجلوس أمام الجهاز اللعين لساعات طويلة فأقسمت أن أعالج هذا المرض الدي أشتريته لنفسي بأي طريقة .كان ذلك ..هزمت إدماني ،ولم يخطر لذهني سوى "مقهى علاء " إتجهت نحوها وفي الطريق إلتقيت بالمشاغب يوسف وفي يده بطاقة لتعبئة الجوال يرفعها في الافق ثم يتخاطف عليها أصحابه الاخرين..هممت بإلتقاطها ولكن إنصرفت ...ثم تكلم...كعادته..
"فين أخويا محمد" أجبته :" سير خطينا من الصلابة يا هاد البرهوش" . فأبتسم وأنصرف لإيصال السخرة ..
أكملت طريقى إلى المقهى ، دخلت وجدتها مختلفة تماما عن السابق، وجوه طافئة، نظرات تاقبة إلى الارجل والايدي.. ؟؟؟ ، رائحة السجائر والحشيش تزكم النفوس والانوف، صممت على إكمال اللعبة التي بدأتها "بياسة ديال البيك" أتممتها متوجا بالفوز على أحد الاصدقاء القدمى قبل أن يدشن عالم " البلية" .ثم جلست اتابع نشرة الاخبار على الجزيرة ..تأقلمت مع رائحة السجائر أم وهمت نفسي بالتأقلم للبقاء ..نظرا للبرد القارس خارج المقهى.
فجأة دخل" صلوبي" أخر إبن الدرب من باب المقهى وهو يلهث ويتلعثم في الكلام : صدمته في الحرث أمام مرجان والله إنها إمرأة ولكنها هربت.. لم أبالي لكلامه لاني أعرف كيد أطفال الدرب وسخريتهم.. ألح على أيصال الخبر رغم ان كل الحاضرين" مبوقين" بالحشيش. نجح في ذلك عندما ذهب إلى صاحب المقهى .
أجابه فؤاد بإسئلة : كيف، ،متى ،من صدمه ،من هذا الشخص .
ثم أجاب : إنه يوسف صدمته سيارة أمام مرجان ،لا يتحرك ولا يتكلم.
في ثوان فقط أصبحت المقهى فارغة ، الكل هرول إلى الحادثة ، إستغربت .. ثم تسألت ؟ وتلك الاسئلة أتركها لنفسي ...؟
حشد من الناس أمام الحادثة ..تزاحمت لإ جد مكان أنظر منه يا ليتني بقيت أمام الجهاز اللعين أتأمل في ستار تايمز وأنتقل من منتدى لاخر .
أم يوسف تصرخ بأعلى صوت " الله الله ولدي .."موحال واش يعيش" ..لم أشعر بنفسي حتى أنسكبت دمعة صغيرة باردة. نزلت "صحة" على خدي .. أيقضتني من غيبوبتي وانا واقف ..سبحان الله..
يوسف ذو الاربعة عشر سنة الدي يجوب فاس شمالا وجنوبا مرمي وسط نباتات شائكة ووجهه كله خدوش .. لا يد ولا رجل تتحرك... سوى أبار من الدموع تنسكب من عينينه الغائرتين .. تتأملان أمه التي أضحت "شرويطة" أمام حالته.
وصلت اللعينة متأخرة { وي ...وي.. وي.. وي..} أخدته إلى المستشفى ، تشتت الحشد وإنصرف "زبناء" مقهى علاء. متألمين من الحدث رغم قسوة قلوبهم وتحجرها...
رجعت إلى المنزل في ظلام حالك رغم الاضواء المشتعلة، أتأمل وأراجع الدكريات عندما كان يوسف طفلا صغيرا ذوا الاربعة سنوات .ونحن نقول له .. قل .. "قوقة" .. يردد ...{ أوأة} "شاقور" يردد ..{ شأور}.."القعقاع" ..يردد ..{ألاعأع}. ترعرع أمام أعيننا وها هو الان مصيره مجهول سوف تجيب عنه الايام القليلة القادمة.
في الصباح الباكر إنتشر الخبر." يوسف" مات رحمة الله عليه .. الله خبر نزل على أبناء الدرب كالصاعقة رغم أن المرحوم كان زائد ناقص في الحي .. لماذا نشعر بقيمة الشخص حتى يموت ... على من سأنادي إن أحتجت شراء درهم "ديال الزريعة" من سيشاغب بعدك من سيسرق لصاحب الدكان" شيبس".. ربما أصحابك ولكنك تختلف عنهم تماما..
أخر نظرة ليوسف وهو على لوحة خشبية ملفوف بكفن منقوش ب لا إلله إلا الله.. إنتهينا من صلاة الظهر .. هلل الامام صلاة جنازة رجل .. لم أتذكر هل إبتسمت أم بكيت الاهم إني إفتخرت بك يا يوسف لما قال جنازة رجل رحلت وأنت في أعيني رجل فرحمة الله عليك وعلى جميع أموات المسلمين فأنتم السابقون ونحن اللاحقون..
"كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام"
القصة واقعية الاسماء واقعية والحادث حقيقى والشخص رحمه الله توفي حقيقة.. أول مرة أكتب قصة والقلب حزين .. بعيدا عن الكذب.. ترددت كثيرا هل أكتبها ..لكني عزمت على نثرها ليبقى يوسف في الذاكرة ويشاركنا ولو بالجسد الذي يلتهمه الدود حاليا ..رحمك الله يوسف تركت بصمة حزينة في الدرب...
بائع الزهور
اليوم