إجماع ليبي على رفض خطط أميركية لاستقبال «مهاجرين»
«الوحدة» نفت أي اتفاق... والجيش الوطني اعتبر حديث واشنطن يمس سيادة البلاد
7 مايو 2025 م
سجل أفرقاء ليبيا إجماعاً نادراً، الأربعاء، على رفض خطط أميركية لترحيل مهاجرين إلى البلاد، بينما تصاعد الجدل السياسي حول حزمة مراسيم جديدة يعتزم رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، إطلاقها، فيما تقرر حبس 5 مسؤولين في حكومة «الوحدة»، من بينهم الوزير رمضان بوجناح نائب رئيسها.
وقال رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة»، عبد الحميد الدبيبة، إن ليبيا ترفض أن تكون وجهة لترحيل المهاجرين تحت أي ذريعة، واعتبر في بيان مقتضب، الأربعاء، عبر منصة «إكس»، أن أي تفاهمات تجريها جهات غير شرعية لا تُمثل الدولة الليبية، مضيفاً: «لا تلزمنا سياسياً ولا أخلاقياً، فكرامة الإنسان والسيادة الوطنية ليستا ورقة للتفاوض».
وكانت حكومة الوحدة قد سجلت أيضاً، في بيان، الأربعاء، رفضها القاطع لاستخدام الأراضي الليبية كوجهة لترحيل المهاجرين، ونفت وجود أي اتفاق أو تنسيق معها بشأن نية السلطات الأميركية ترحيل مهاجرين إلى ليبيا، مشيرة إلى أن «أي تفاهمات قد تكون مع جهات موازية غير شرعية لا تمثل الدولة الليبية ولا تلزمها»، مؤكدة «تمسكها بحماية السيادة الوطنية ورفضها أي ترحيل دون علمها أو موافقتها».
كما أدرجت «الوحدة» هبوط طائرة تابعة للحكومة الإيطالية في مطار مصراتة بغرب البلاد، في إطار زيارة رسمية لوفد عسكري إيطالي إلى كلية الدفاع الجوي، برفقة مسؤولين ليبيين، ضمن برنامج تعاون عسكري ثنائي مستمر، ونفت علاقتها بملفات الهجرة أو الترحيل، مشيرة إلى أنها جزء من جدول زيارات دورية منسقة مع وزارة الدفاع.
بدوره، أكد القائد العام للجيش الوطني المتمركز في شرق البلاد، المشير خليفة حفتر، أن «ما يتداول بخصوص استقبال (مهاجرين) مرفوض رفضاً قاطعاً وغير مقبول، ويمس سيادة الوطن التي لا يمكن المساومة فيها أو قبول المساس بها».
وشدد في بيان باسم إدارة التوجيه المعنوي بالجيش، الأربعاء، على أنه «لن يكون هناك قبول أو استقبال لهم في المناطق التي تؤمنها قوات الجيش، مهما كانت الأسباب والمبررات وتحت أي ذرائع».
كما أعلن المجلس الأعلى للدولة برئاسة محمد تكالة، رفضه القاطع لأي مقترحات أو ترتيبات غير رسمية تهدف إلى ترحيل مهاجرين أو مدانين بجرائم إلى الأراضي الليبية، واعتبر في بيان، الأربعاء، «أن ليبيا دولة ذات سيادة وعضو فاعل في المجتمع الدولي، ولا يجوز الزج بها أو التعامل معها كبديل لتسوية أزمات دولية في ملفات الهجرة أو الأمن».
وكانت وكالة «رويترز»، قد نقلت عن مسؤولين أميركيين «اعتزام الولايات المتحدة هذا الأسبوع البدء في ترحيل مهاجرين إلى ليبيا، وذلك للمرة الأولى»، رغم الانتقادات السابقة التي وجهتها واشنطن إلى سجل حقوق الإنسان في ليبيا والمعاملة القاسية للمحتجزين هناك.
ونقلت الوكالة عن اثنين من المسؤولين أن الجيش الأميركي قد ينقل المهاجرين إلى ليبيا عبر طائرة عسكرية في أقرب وقت، لكنهم شددوا على أن الخطة لا تزال قابلة للتغيير.
وخلال الأسبوع الماضي، قام مسؤولان ليبيان رفيعا المستوى بزيارات رسمية إلى واشنطن، هما الفريق صدام نجل حفتر ورئيس أركان القوات البرية للجيش الوطني، ووكيل وزارة الدفاع بحكومة الوحدة عبد السلام الزوبي. وقال الجانبان إن المحادثات اقتصرت على مناقشة التعاون الأمني والعسكري ومكافحة الإرهاب وتطوير العلاقات الثنائية.
ودفعت إدارة ترمب في عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين في ظل تحديات قانونية تواجهها في المحاكم وجدل سياسي حاد. وبعد رحلات مثيرة للجدل إلى دول أخرى، توقعت تقارير أن تنطلق الرحلة الجوية الأولى إلى ليبيا، الأربعاء، من دون معرفة جنسيات المهاجرين على الفور، وفقاً لمسؤولين طلبوا عدم نشر أسمائهم.
ويأتي اختيار ليبيا كوجهة محتملة رغم تحذير وزارة الخارجية الأميركية من السفر إليها، «بسبب الجريمة والإرهاب والألغام الأرضية غير المنفجرة والاضطرابات المدنية والاختطاف والنزاع المسلح»، منذ إطاحة حكم العقيد معمر القذافي عام 2011. وهناك الآن حكومة وحدة وطنية تعترف بها الأمم المتحدة في طرابلس، بينما تسيطر حكومة أخرى بقيادة المشير خليفة حفتر على شرق البلاد. ولا تقيم واشنطن علاقات رسمية إلا مع حكومة طرابلس.
وفي تقريرها حول ممارسات حقوق الإنسان للعام الماضي، أشارت وزارة الخارجية إلى ظروف «قاسية ومهددة للحياة» في مراكز الاحتجاز الليبية، مضيفة أن المهاجرين في تلك المراكز، وبينهم الأطفال، «لا يستطيعون الوصول إلى محاكم الهجرة أو اتباع الإجراءات القانونية الواجبة».
ويأتي الاستخدام المُخطط له لطائرة عسكرية في الرحلة إلى ليبيا بعدما ساعدت وزارة الدفاع «البنتاغون» في نقل المهاجرين إلى وجهات مثل الهند وغواتيمالا والإكوادور.
وفي وقت سابق من هذا العام، رحّلت إدارة ترمب مئات الأشخاص، وبينهم إيرانيون وصينيون، إلى بنما. وكذلك رحلت مجموعة من نحو 200 مهاجر، بينهم إيرانيون، إلى كوستاريكا. وبعدها وقّعت الولايات المتحدة اتفاقاً مع السلفادور لاستقبال المهاجرين الفنزويليين وسجنهم.
وفي أواخر مارس (آذار) الماضي، نقل مسؤولون من «البنتاغون» مجموعة من المهاجرين الفنزويليين جواً إلى السلفادور. وأقلعت الرحلة من خليج غوانتانامو في كوبا إلى السلفادور، وكان على متنها أربعة فنزويليين.
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن «التواصل المستمر مع الحكومات الأجنبية (...) ضروري لردع الهجرة غير الشرعية والجماعية وتأمين حدودنا».
ترحيل إلى أوكرانيا؟
وكانت صحيفة «الواشنطن بوست» كشفت عن أن إدارة الرئيس دونالد ترمب حضت الحكومة الأوكرانية على قبول عدد غير محدد من المرحَّلين، من دون أن توضح كيفية رد كييف على الاقتراح المقدم في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، والذي نقله دبلوماسي أميركي رفيع. وأظهرت وثائق استندت إليها الصحيفة، رؤية جديدة لمحاولة الرئيس ترمب توسيع نطاق عمليات الترحيل بشكل كبير، سعياً منه إلى «قلب سياسة الهجرة الأميركية رأساً على عقب باستخدام وسائل غير تقليدية»، موضحة أن إدارته في ولايته الثانية «عملت بجد، وغالباً بعيداً عن أعين الجمهور، لزيادة عدد الدول التي تقبل مواطني دول ثالثة من الولايات المتحدة، ملوّحة بشكل روتيني بحوافز أو مُستغلة احتمال تحسين العلاقات مع واشنطن في تحقيق أهدافها».
ووافقت بعض الحكومات في أميركا اللاتينية، ومنها السلفادور والمكسيك وكوستاريكا وبنما، على استقبال المرحلين من غير مواطنيها. ودفعت إدارة ترمب لحكومة الرئيس السلفادوري نجيب بوكيلي ملايين الدولارات لإيواء المرحلين في سجن سيئ السمعة. بينما رهنت دولاً أخرى بتهديدات بفرض رسوم جمركية وإجراءات أخرى، بما في ذلك تهديدات باستعادة قناة بنما.
وقبل انتخابات العام الماضي وبعدها، أشار ترمب مراراً إلى استعداده لاستغلال اعتماد أوكرانيا على المساعدات العسكرية الأميركية. ونظرت الإدارة الجديدة في إنهاء بعض أحكام عهد الرئيس جو بايدن التي سمحت للمواطنين الأوكرانيين بالبقاء في الولايات المتحدة.
وتشير وثائق اطلعت عليها صحيفة «الواشنطن بوست» إلى أن دبلوماسياً أوكرانياً أخبر نظراءه الأميركيين أنه في حين أن لأوكرانيا «سجلاً حافلاً بقبول عودة مواطنيها بعد إبعادهم من الولايات المتحدة»، فإن الحوار الأميركي - الأوكراني حول عمليات الترحيل الجديدة كان غير معتاد، ولم يكن جزءاً من أي مراسلات دبلوماسية روتينية.
وركزت بعض مفاوضات إدارة ترمب على استخدام الدول كنقاط لوجيستية لترحيل مواطني الدول الثالثة. على سبيل المثال، في مناقشات مع أوزبكستان، تُظهر وثائق من أوائل مارس (آذار) الماضي، أن مسؤولين أميركيين سعوا إلى استخدامها كنقطة عبور للمُرحّلين الروس والبيلاروسيين، حيث قُطعت الرحلات الجوية المباشرة من وإلى الولايات المتحدة وسط توترات ناجمة جزئياً عن الحرب في أوكرانيا.