يقوم التنظيم القانوني للمحاكم الجنائية في النظام المصري علي وجود نوعين من القضاء الجنائي ، أولهما القضاء الجنائي المادي وهو صاحب الاختصاص العام حيث يختص بنظر جميع الدعاوي الناشئة ع بارتكاب الجرائم ما لم ينص القانون علي اختصاص غيره بها والنوع الثاني يتمثل في القضاء الجنائي الخاص أو الاستثنائي وهو يختص بنظر جرائم معينة أو محاكمة أشخاص معينين ونتناول هذا التنظيم بشيء من التفصيل وفقا للتقسيم التالي :
1- المحاكم الجنائية العادية :
يتكون القضاء الجنائي العادي من عدة محاكم تمثل في مجموعها القضاء الطبيعي لمحاكمة الأفراد فهي محاكم أنشأها القانون بصفة دائمة قبل وقوع الجريمة وحدد اختصاصها وهذه هي المحاكم الجزئية ، محاكم الجنح والمخالفات المستأنفة ، محاكم الجنايات ومحكمة النقض .
ونتناول فيما يلي التشكيل القانوني واختصاص كل محكمة من المحاكم السابقة :
أولا : المحاكم الجزئية :
توجد هذه المحاكم في كل مركز أو قسم ويكون إنشاؤها وتعيين مقرها وتحديد دوائر اختصاصها بقرار من وزير العدل فتوجد بدائرة كل محكمة ابتدائية محاكم جزئية ويجوز أن تنعقد المحكمة الجزئية في أي مكان آخر في دائرة اختصاصها أو خارج هذه الدائرة عند الضرورة وذلك بقرار من وزير العدل بناء علي طلب رئيس المحكمة .
ثانيا : محاكم الجنح والمخالفات المستأنفة :
وهذه المحاكم يطلق عليها المحاكم الاستئنافية وهي إحدى دوائر المحكمة الابتدائية وتشكل من ثلاثة من قضاتها ويكون انعقادها في عاصمة كل محافظة من محافظات الجمهورية ويجوز أن تنعقد في أي مكان آخر في دائرة اختصاصها أو خارج هذه الدائرة عند الضرورة وذلك بقرار من وزير العدل بناء علي طلب رئيس المحكمة الابتدائية .
وتختص هذه المحاكم – عندما تباشر وظيفتها كسلطة حكم – بنظر استئناف الأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية في الدعاوى الجنائية والمدنية التابعة لها .
ثالثا : محاكم الجنايات :
محكمة الجنايات هي إحدى دوائر محاكم الاستئناف وتشكل من ثلاثة من مستشاريها ويرأسها رئيس المحكمة أو أحد نوابه أو أحد رؤساء الدوائر وعند الضرورة يجوز أن يرأسها أحد المستشارين بها ( م7 من قانون السلطة القضائية ) .
وتنص المادة 3677 من قانون الإجراءات الجنائية علي أن تعين الجمعية العامة لكل محكمة من محاكم الاستئناف فى كل سنة بناء على طلب رئيسها من يعهد إليه من مستشاريها القضاء بمحاكم الجنايات و أنه إذا حصل مانع لأحد المستشارين المعينين لدور من أدوار انعقاد محكمة الجنايات يستبدل به آخر من المستشارين يندبه رئيس محكمة الاستئناف .
رابعا : محكمة النقض :
وهي محكمة واحدة توجد في قمة الهرم القضائي ومقرها مدينة القاهرة وتشكل من رئيس وعدد كاف من النواب والمستشارين وتكون بها دائرة لنظر المواد الجنائية يرأسها رئيس المحكمة أو أحد نوابه أو أقدم المستشارين وتصدر الأحكام من خمسة مستشارين (م3 من قانون السلطة القضائية ) .
ولا تعد محكمة النقض درجة من درجات التقاضي فهي قاضي قانون وليس قاضي وقائع يقتصر دورها علي التحقق مما إذا كان قاضي الموضوع قد طبق القانون تطبيقا سليما علي الوقائع كما أثبتها في حكمه فمهمة محكمة النقض هي تدعيم الحقيقة القانونية برقابة الشرعية بالمعني الضيق أي ( التطبيق السليم للقانون ) لتحقيق وحدة القضاء ومن ثم وحدة القانون نفسه فالهدف من محكمة النقض تحقيق مصلحة عامة تعلو علي الحكم المطعون فيه وعلي مصلحة الخصوم هي وحدة القضاء في الدولة وغني عن البيان أن محكمة النقض تتقلب إلي محكمة موضوع إذا كان الطعن مقام للمرة الثانية .
المحاكم الجنائية الخاصة
يقصد بالقضاء الجنائي غير العادي ، القضاء الخاص أو الاستثنائي أو كما يفضل جانب من الفقه إطلاق تعبير المحاكم ذات الاختصاص الخاص علي هذه الجهة ويختص هذا القضاء لحكمة يقدرها المشرع بنظر جرائم معينة بالذات أو بمحاكمة أشخاص معينين كالأحداث حيث تختص بمحاكمتهم محاكم الأحداث كما تختص المحاكم العسكرية بمحاكمة المنتمين للسلك العسكري .
وتختص هذه المحاكم فقط عندما يوجد نص صريح في القانون يقرر اختصاصها أما إذا خلا القانون من مثل هذا النص فإن الاختصاص ينعقد للمحاكم العادية باعتبارها صاحبة الولاية العامة .
وفيما يلي نلقي الضوء علي أبرز المحاكم الخاصة التي يعرفها النظام الإجرائي المصري :
أولا : محاكم الأطفال :
تنص المادة 1200 من قانون الطفل علي أن تشكل في مقر كل محافظة محكمة أو أكثر للأحداث ويجوز بقرار من وزير العدل إنشاء محاكم للأحداث في غير ذلك من الأماكن وتحدد دوائر اختصاصها في قرار إنشائها. وتتولى أعمال النيابة العامة أمام تلك المحاكم نيابات متخصصة للأحداث يصدر بإنشائها قرار من وزير العدل.
وتشكل هذه المحاكم من ثلاثة قضاة ويعاون المحكمة خبيران من الأخصائيين ويكون حضورهما وجوبيا وهو أمر يبعث الطمأنينة في نفس الطفل خاصة وأن القانون قد أوجب أن يكون أحدهما علي الأقل من النساء حيث أن النساء أكثر قدرة علي فهم احتياجات ومتطلبات الأطفال وهذا ما دفع بعض الدول إلي جعل جميع قضاة محاكم الأحداث من النساء .
(2)
ثانيا : المحاكم العسكري :
يعد القضاء العسكري شعبة أصيلة من شعب القضاء المصري فهو يحتل مكانا بارزا في التنظيم القانوني والقضائي في كافة الدولة بصفة عامة وفي مصر بصفة خاصة لذلك فقد أفرد له المشرع المصري إدارة عامة تختص بالإشراف علي الشئون القانونية والقضائية وتحمل رسالة القضاء في نطاق القوات المسلحة كجهاز متخصص ودون أن ينفصل عن كيانه كجهاز من أجهزة القوات المسلحة يعمل في نطاقها وفي سبيل تحقيق أهدافها .
الأشخاص الذين يحاكمون أمام المحاكم العسكرية :
حددت المادة الرابعة من قانون الأحكام العسكرية ، العسكريين الخاضعين لأحكامه وهم :
- ضباط القوات المسلحة الرئيسية والفرعية والإضافية .
- ضباط وصف وجنود القوات المسلحة عموما .
- طلبة المدارس ومراكز التدريب المهني والمعاهد والكليات العسكرية .
- أسري الخرب .
- أي قوات عسكرية تشكل بأمر رئيس الجمهورية لتأدية خدمة عامة أو خاصة أو وقتية .
- عسكريو القوات الحليفة أو الملحقون بها إلا إذا كانت هناك اتفاقيات خاصة أو دولية تقضي بخلاف ذلك بشرط أن تكون هذه القوات متواجدة علي أرض الوطن .
ويلاحظ أن مجرد الاستدعاء للخدمة العسكرية لا تثبت به الصفة العسكرية للمستدعي فلا بد من دخوله في الخدمة العسكرية بالفعل حتى تثبت له هذه الصفة من الناحية الموضوعية .
اختصاص المحاكم العسكرية :
تختص المحاكم العسكرية بنظر الجرائم التي تقع علي معدات وأسلحة وذخائر ووثائق وأسرار القوات المسلحة ( م5 من قانون الأحكام العسكرية ) ومن أمثلة هذه الجرائم ، جرائم إتلاف الأسلحة أو الطائرات الخاصة بالقوات المسلحة أو سرقة معداتها وكذلك جرائم إفشاء أسرار الدفاع وتسليم المعلومات والوثائق .
ويلاحظ أن اختصاص القضاء العسكري ينظر هذه الجرائم ينعقد له دون شرط فمتى وقعت الجريمة علي أحد مفردات المادة الخامسة من قانون الأحكام العسكرية انعقد الاختصاص للمحاكم العسكرية إلا أن هناك نوعا آخر من الجرائم التي تدخل في نطاق الاختصاص النوعي للمحاكم العسكرية غير أن ذلك لا يتحقق إلا بتوافر شرط معين يتمثل في صدور قرار من رئيس الجمهورية بإحالة مرتكب الجريمة إلي القضاء العسكري فإذا لم يتحقق هذا الشرط فإن الاختصاص ينعقد للمحاكم العادية .
ولا يعد قرار الإحالة الذي يصدر من رئيس الجمهورية منشئا لاختصاص المحاكم العسكرية وإنما يعد كاشفا لهذا الاختصاص والأداة التنفيذية لقانون الأحكام العسكرية ومن الجدير بالذكر أن مجلس الشعب قد ألغي سلطة رئيس الجمهورية في الإحالة للقضاء العسكري .
ولا يختص القضاء العسكري بنظر الدعوي المدنية وذلك تطبيقا لنص المادة (499) من قانون الأحكام العسكرية التي تنص علي أنه "لا يقبل الإدعاء المدني أمام المحاكم العسكرية " .
وبناء علي ذلك فإن المضرور من الجريمة عليه أن يلجأ إلي المحاكم المدنية العادية صاحبة الاختصاص العام وذلك بعد صدور حكم جنائي عسكري نهائي وبات وإن كان ذلك سيؤدي إلي زيادة نفقات التقاضي وبطء إجراءاته وكثرتها .