السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وطيب الله أوقاتكم بكل خير أيها الإخوة الأكارم، أهل المنتدى الكرام، زوّار هذا الفضاء النابض بالفكر والتأمل والنقاش، أما بعد... فإني أحييكم بتحية الإسلام الخالدة، تحية تخرج من القلب لتستقر في قلوبكم الطيبة، تحية السلام التي ما إن سكنت الأرواح حتى ازدهرت العقول، وتآلفت القلوب، فسلامٌ عليكم عدد ما خطّت الأقلام، وسلامٌ عليكم عدد ما جادت به الأرواح من سكينة، وعدد ما جاشت به الخواطر من تساؤلات صادقة عميقة... وسلامٌ على كل من أحبّ أن يفهم الآخر، لا ليغلبه، بل ليحتويه... وسلامٌ خاص على من عرف أن في الصبر قوة، وفي الفهم راحة، وفي النقاش بصيرة، وفي التأمل نجاة من الأحكام السطحية.

إن موضوعنا اليوم ليس عابرًا كغيره، بل هو رحلة إلى أعماق النفس الذكورية حينما تشتدّ عليها العواصف العصبية، ويضطرب البحر العاطفي في دواخلها حتى تكاد سفن التفاهم أن تتحطم على شواطئ الانفعال. ونتساءل: ما هي نقطة ضعف الرجل العصبي؟ وكيف يمكن أن نتعامل معه دون أن نحترق بناره؟ وهل يمكن للعقل أن ينتصر على طوفان الغضب؟ وهل في الهدوء حيلة أم حكمة؟ أليس من العبث أن نطلب من الموج الهادئ أن يغيّر صخرًا صلبًا في لحظة، بينما الرياح العاتية تفعل ذلك في دقائق؟ وهل يعقل أن تكون نقطة الضعف لدى من تبدو عليه القوة، هي ذاتها باب الدخول إلى روحه؟ تساؤلات كثيرة تطرق أبواب الفكر في هذا السياق، فدعونا نغوص سويًّا في هذا البحر الإنساني العميق، نبحث عن الإجابات بصدق وبصيرة، عسى أن ننير بهذا الحديث دروبًا كثيرة لمن يتعاملون مع رجل تتقد فيه مشاعر الغضب كلما خُدش كبرياؤه أو استُثيرت طباعه.

الرجل العصبي ليس كائنًا مرعبًا كما يتصوره البعض، بل هو في الغالب إنسانٌ يحمل في داخله هشاشةً خفيةً تتنكر في ثوب الهيبة، وضعفًا داخليًا يُغطّيه بصوتٍ مرتفع، وارتباكًا شعوريًا يُخفيه خلف ملامح جامدة أو ردودٍ نارية. قد يكون هذا الرجل مرّ بتجارب قاسية، أو عاش في بيئة لا تعترف بالبكاء، ولا تمنح الرجل فرصة الحديث عن مشاعره، فصار يعبّر عن ألمه بالغضب، وعن حزنه بالانفعال، وعن خيبته بالصراخ، لأنه لم يتعلم أن يقول: "أنا متألم"، بل تعلّم أن يقول: "لا تقتربوا منّي!"، وكأن عصبيته جدارٌ دفاعيّ يخفي خلفه جراحًا قديمة، وذكريات موجعة، واحتياجات لم تُلبَّ يوماً.

ونقطة ضعف هذا الرجل ليست سهلة الإدراك، لأنها ليست ظاهرة على السطح، بل هي مدفونة في عمق أعماقه، في منطقة شعورية يخجل أن يعترف بها. فالرجل العصبي غالبًا ما يكون شديد الحساسية تجاه التجاهل، أو الإهانة، أو التحدي المباشر، وهذه العناصر الثلاثة قد تفتح أبواب العنف اللفظي أو الصدام السلوكي. لكن العجيب أن هذا الرجل، مهما بدا صلبًا في ردوده، يكون ضعيفًا جدًا أمام من يفهمه، من يبادله الصمت الحكيم، أو الردّ المتزن، أو النظرة التي لا تحكم عليه بل تواسيه دون كلمات. هذه اللغة الصامتة أقوى من كل حجج العالم. فالرجل العصبي لا يقهره الرد، بل يقهره التجاهل المقصود، ويستفزّه من يناقشه وقت الثورة، لكنه يستسلم بسهولة أمام من يحتويه بحكمة، ومن يختار الوقت المناسب للكلام لا لمجرد الردّ.

إن مفتاح التعامل مع هذا النوع من الرجال ليس التحدي، ولا التمرد، ولا كبح الحرية، بل هو الحنان المغلف بالاحترام، والحزم الذي لا يجرح، والصبر الذي لا ينكسر. إنّ التعامل مع رجلٍ عصبي يتطلب مهارة فنية، أشبه ما تكون بقيادة سيارة في طريق جبلي متعرّج: عليك أن تمسك بالمقود بثقة، وألا تزيد من السرعة عند المنعطفات، وألا تتوقف فجأة، بل أن تستمرّ برويّة، لأن أي انفعال مفاجئ قد يجرّك لحادثٍ معنوي لا تُحمد عقباه.

ومن الأخطاء الشائعة في التعامل مع الرجل العصبي، أن نردّ العصبية بعصبية، أو أن نستهين بمشاعره لأنه لا يعبر عنها كما نتوقّع. إنّ من الحكمة أن نفهم أن الانفعال لا يعني القوة، والصراخ لا يعني السيطرة، بل قد يكون صرخة استغاثة من داخله، تحتاج لمن يسمعها بعين القلب لا بأذن الغضب. علينا أن نفرّق بين السلوك المرفوض، والشخص الذي يستحق أن يُفهم. فإذا أسأنا فهمه، خسرنا العلاقة كلها، وإذا أفرطنا في التبرير له، أضعفناه وفتحنا له أبواب التمادي. فالتوازن هو المطلب، والحكمة هي الجسر.

وقد تكون نقطة ضعفه أيضًا في شعوره العميق بعدم الأمان، حتى لو أنكر ذلك. فهو قد يخاف من الخسارة، من التهميش، من التراجع، لكنه لا يعبّر عن هذه المخاوف بلغةٍ واضحة، بل يلجأ إلى لغة القسوة والعصبية كي يُخفي قلقه. ومن هنا فإن تعاملك معه بلغة الطمأنينة، وتعزيزك لشعوره بالأهمية، وعدم انتقاصك من مكانته حتى في أسوأ لحظاته، قد يجعل منكَ الشخص الوحيد القادر على تهدئته، لا لأنه ضعيف، بل لأنك فهمته أكثر مما فهم هو نفسه.

أما الأسلوب الأمثل في التعامل معه في وقت الأزمة، فهو الصمت المدروس، ثم الإصغاء الهادئ، ثم اختيار الوقت المناسب للكلام البنّاء، دون عتابٍ جارح، ولا نصيحةٍ في وقت الهيجان. لأن النصيحة وقت الغضب تُستقبل كطعنة، لا كدواء. فإن أردتَ إصلاحه، فكن مرآةً نظيفة لا تُشهّر بعثراته، بل تُظهر له حقيقة نفسه دون مبالغة ولا تقليل. كن له السند وقت عثرته، والعقل حين يضيع صوته، والمرفأ حين تتكالب عليه أمواج الانفعالات.

ولا تنسَ أن الغضب لا يدوم، وأن وراء كل رجل عصبي لحظة ضعف يريد فيها أن يهدأ، لكنه يخجل أن يطلب يدًا تسنده. فكن أنت تلك اليد، ولا تجعل من لحظة غضبه حكمًا على جوهره. فإن رأيت فيه العيب، فابحث عن السبب، وإن وجدت فيه القسوة، ففتّش عن الجرح، وإن قابلت منه صدودًا، فامنحه وقتًا، لعله يعود وقد أدرك أنك الأقرب حين ابتعد الجميع.

إن الحديث عن نقطة ضعف الرجل العصبي ليس اتهامًا، بل هو دعوة للفهم، وإن الحديث عن طرق التعامل معه ليس محاولة لترويضه، بل هو مشروع للمودة والنجاح في العلاقات الإنسانية. فلا نكن ممن يُصنّفون الآخرين بسرعة، بل لنكن من أولئك الذين يحاولون أن يفهموا الأعماق، ويعذروا التقلبات، ويصبروا على الطبع، لأن الطبع لا يتغير بالعنف، بل بالحب الصادق، وبالعقل الرصين، وبالاحتواء النبيل.

وفي ختام هذا الحديث الطويل، أجدني ممتنًا لقلوبكم التي صبرت على هذا البوح الطويل، وممتنًا لأذهانكم التي تسعى دومًا للفهم قبل الحكم، وممتنًا لكل من رأى في الرجل العصبي إنسانًا يستحق الفهم لا التجاهل، والتقدير لا الإقصاء. فلنصنع من النقاش جسرًا لفهم الآخر، لا سلاحًا نغلب به ضعف من حولنا، ولنجعل من العقل نورًا لا يغريه الغضب، بل يهديه للرحمة... والرحمة لا تكون إلا حين يكون فينا من الإنسانية ما يكفي لاحتواء من لم يحتوِ نفسه.

تحياتي / إحساس غالي

#نقاشات_الأسرة #التعامل_الواعي #الرجولة_الحقيقية #غضب_الرجال

#الاحتواء_فن #فهم_الشخصيات #الحكمة_في_العلاقات

#السلوك_الإنساني #النضج_العاطفي