تقوم فكرة الرهن الحيازي على نقل حيازة التأمين العيني من المدين الراهن إلى يد الدائن المرتهن، ويبقى هذا الدائن الحائز مرتهناً للعين إلى أن يستوفي الدين ، فأما يستوفيه من المدين أو أن يبيع التأمين العيني طبقاً للإجراءات التي سنها القانون ليستوفي الدين من ثمنه ( 1 ). الرهن الحيازي لهذا السبب نظام شديد التأثير على حياة الراهن الاقتصادية، لأنه يحرمه في المال من حيازة الشيء المملوك له ومن حقه في الانتفاع به، ومع ذلك فلا زالت هناك مبررات دعت إلى الابقاء على الرهن الحيازي ، فبالنسبة للمنقولات فأن القاعدة التي على اساسها يقيم الاعتراف بالحقوق الواردة عليها هي قاعدة الحيازة ، فلا يمكن ترتيب رهن على منقول دون انتقال حيازة إلى الدائن، وإذا كانت هناك اسباب لتفضيل الرهن دون نقل حيازته فالأفضل أن يترك ذلك لإرادة المتعاقدين وحاجات العمل ( 2 ). قد عرفت الشريعة الاسلامية الرهن الحيازي استناداً لقوله تعالى " وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ... (3) ، أي أن الله تعالى أمر من يتعاقد مع غيره ولم يجد كاتباً يضع شيئاً عند الدائن باسم الرهن لكي يطمئن الدائن ، والقصد من الآية الكريمة " وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبا" ، بيان نموذج لحالة لا يمكن الوصول فيها إلى كاتب ولا تختص بالسفر وحده ، وعليه فللطرفين أن يكتفيا بالرهن حتى في موطنهما (4). قد ذهب الفقه القانوني، إلى أن تسليم المال من المدين الراهن إلى ذمة الدائن أو الغير له أهمية تذكر سواءاً كان الدين مدنياً أم تجارياً ، وذلك لحماية الدائن من تلاعب المدين من الجهة الأخرى، وأنه يشكل شكل من اشكال العلنية من جهة الخرى ، إذ يتم تنبيه دائني المدين بظاهر ماهية ذمة المدين المالية ، كما أن نزع الحيازة ، يساعد على تحديد محـل الحـق العينـي للرهن (5). من الفقهاء من عرف الرهن الحيازي بأنه " حق عيني تبعي ينشأ عن عقد بين الراهن والدائن المرتهن والدائن المرتهن ويرد على عقار أو منقول ويخول صاحبه أو نائب يعينه المتعاقدان حيازة الشيء المرهون ويكون له بمقتضاه حق حبس الشيء المرهون لحين استيفاء حقه والتقدم على غيره من الدائنين العاديين أو التاليين له في المرتبة وتستبع الشيء في أي يد يكون " (6). يتبين مما تقدم بأن الرهن الحيازي يشبه الرهن التأميني من جهة ويختلف عنه من جهة اخرى، فهو يختلف عنه كون الرهن الحيازي يرد على عقار أو منقول، بينما الرهن التأميني لا يرد إلا على عقار. كما أن الرهن الحيازي يخول الدائن الحبس بالإضافة إلى ميزتي التقدم والتتبع التي تترتبان على الرهن التأميني، كما أن الرهن الحيازي يوجد التزام على الراهن هو أن يسلم الشيء المرهون ، منقولاً كان أم عقاراً للدائن المرتهن أو أجنبي يحافظ عليه ويديره ويستغله ، أما في الرهن التأميني فيبقى العقار المرهون في حيازة الراهن، ولا ينتقل منه إلى أحد (7) . ويشترك الرهن الحيازي مع الرهن التأميني في أنهما لا ينشئان إلا من عقد وإنهما يتضمنان حقاً عينياً أي سلطة مباشرة على مال معين ، يعطيهما ميزتي التقدم والتتبع ، وأن كل من الرهن التأميني والرهن الحيازي يتضمنان حقاً غير قابل للتجزئة (8). إلا أن الفقه القانوني اختلف في تعيين محل الرهن الحيازي وهل أن تسليم الشيء المرهون ركناً أو التزاماً؟ فمن ذهب إلى اعتبار الرهن الحيازي عقداً رضائياً و أن التسليم لا يعد ركناً في العقد وإنما التزاماً يقع على المدين الراهن وهذا الالتزام يتولد عن العقد بعد تمامه في ذمة المدين، أي بعد تبادل الإيجاب والقبول وتطابقهما (9) ، ومن ثم فهو يخضع للقواعد العامة في تعيين المحل بأن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين (10) ذهب جانب آخر من الفقه إلى أن التسليم يعد ركناً في الرهن الحيازي فلا ينعقد عقد الرهن إلا بالتسليم، وعليه لا يشترط أن يكون معيناً لأنه تم تعيينه بالقبض (11). الملاحظ أن من اعتبر التسليم ركناً ذهب إلى عدم اشتراط التعيين، كونه تعيين بالقبض ومن ثم يتحقق شطراً من التخصيص وهو تعيين محله. أما الجانب الآخر الذي اعتبر عقد الرهن الحيازي رضائياً، فقد أحال تعيين المحل للقواعد العامة، بأن يكون معيناً أو قابلاً للتعين، وبما أنه قابلاً للتعيين فمن الممكن أن يتعين بالتسليم. اختلفت القوانين المقارنة في ركنية التسليم بالنسبة إلى عقد الرهن الحيازي ، فقد نصت المادة ( 2071 ) من القانون المدني الفرنسي في تعريف الرهن الحيازي بأنه "عقد يسلم بموجبه المدين شيئاً إلى دائنه لأجل ضمان الدين" ، كما نصت المادة (2072) من القانون نفسه "أن رهن الشيء المنقول يسمى رهن المنقول ويسمى رهن الشيء غير المنقول رهناً حيازياً عقارياً"، كما نصت المادة ( 2074 ) من ذات القانون بأنه "لا تتحقق هذه الافضلية تجاه الشخص الثالث إلا في حال وجود سند رسمي أو ذي توقيع خاص مسجل وفقاً للأصول ومتضمناً إعلان المبلغ المستحق إضافة إلى نوع وطبيعة الأموال المرهونة أو بيان ملحق بنوعيتها ووزنها ومقاييسها" ، نصت المادة ( 2073) من القانون المدني الفرنسي على أنه " يمنح رهن المنقول الدائن حق تحصيل دنيه على الشيء موضوع الرهن بالامتياز وبالأفضلية على الدائنين الآخرين". يتبين من النصوص المذكورة في القانون المدني الفرنسي أن مصدر الرهن الحيازي هو العقد أي الاتفاق، وأن عقد الرهن الحيازي وفق هذا القانون هو عقد رضائي، وليس عيني، وذلك واضح من صريح العبارة "عقد يسلم بموجبه "المدين" فهو عقد والتسليم يترتب بموجب العقد كأثر له. ومن ثم لا يعد عقداً عينياً وإنما هو حقاً عينياً ترتب بموجب العقد الرضائي (12) وأن محل الرهن الحيازي هو العقار أو المنقول وفق نص المادة ( 2072) وله شرطان الأول هو الحيازة، والثاني هو المستند الخطي بتاريخ ثابت ، كما أكد القانون الفرنسي خلال المادة (2074) المذكورة أعلاه على مبدأ التخصيص وذلك بالنص صراحة على ضرورة تعيين الشيء محل الرهن الحيازي ( 13 ) ، ويبدو ذلك لأن المشرع الفرنسي اعتبر الرهن الحيازي عقداً رضائياً ينعقد برضى أطراف العلاقة وليس عينيا، إذ لا يحتاج إلى ركن ثالث وهو القبض أو التسليم وعليه كان ولا بد من تعيين الشيء محل الرهن الحيازي . في القانون المدني المصري ورد تعريف الرهن الحيازي في المادة ( 1096) منه إذ جاء فيها: "الرهن الحيازي عقد به يلتزم شخص ، ضماناً لدين عليه أو على غيره أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان شيئاً يرتب عليه الدائن حقاً عينياً يخوله حبس الشيء لحين استيفاء الدين ، وأن يتقدم الدائنين العاديين والدائنين التاليين له في المرتبة في اقتضاء حقه من ثمن هذا الشيء في أي يد يكون " ، فالمشرع كما في الرهن التأميني ، عرف الرهن الحيازي بمصدره فيبينه على أنه عقد ، ولم يكتف بذلك بل أوضح بعدها مضمون حق الرهن الناشئ عن العقد ، وقال أنه حق عيني يتقرر على شيء عقار أو منقول يخول صاحبه حبس الشيء والتقدم والتتبع، وقد افصح المشرع المصري وهو بصدد تعريف الرهن بأنه حق عيني، وهو بهذا المعنى يخول الدائن سلطة مباشرة على الشيء دعماً لتلك السلطة بحق التقدم والتتبع (14). يشترط في محل الالتزام أن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين فالعقد يصح إذا كان محله غير معين وقت العقد ما دام تعيينه ممكناً بعد ذلك، ومحل الرهن الحيازي تنطبق عليه هذه القاعدة ، ومن ثم لا يشترط أن يكون معيناً وقت إبرام العقد ما دام قابلاً للتعيين بعد ذلك ولا يشترط تعيينه تعييناً دقيقاً كما هو الحال في الرهن الرسمي وفق المادة (1035) في فقرتها الثانية ، من القانون المدني المصري (15). إذا وفق القانون المدني المصري يعد عقد الرهن الحيازي عقداً رضائيا، ومن ثم يحتاج محله إلى تعيين باعتبار أن التسليم التزام وليس ركناً فيه، وعليه يخضع للقواعد العامة في تعيين المحل وفق المادة (133)(16) من القانون المدني المصري، وبذلك يعد عقد الرهن الحيازي عقداً رضائياً وليس عينياً في القانون المدني الفرنسي والمصري. أما بالنسبة إلى القانون المدني العراقي فقد عرف المشرع العراقي الرهن الحيازي في المادة (1321) من القانون المدني بأنه " عقد به يجعل الراهن مالا محبوساً في يد المرتهن أو في يد عدل بدين يمكن للمرتهن استيفاؤه كلاً أو بعضاً مقدماً على الدائنين العاديين والدائنين التاليين له في المرتبة في أي يد كان هذا المال"، الملاحظ أن المادة (1321) تعرضت لتعريف عقد الرهن وليس لحق الرهن والعقد هو المصدر الذي تولد منه حق الرهن ، وكان الأفضل أن ينصب التعريف على الرهن باعتباره أنه حق ، لأن حق الرهن هو الغاية وما العقد إلا الوسيلة (17). والرهن الحيازي كعقد كما عرفه المشرع العراقي فلا بد فيه من إيجاب وقبول ومحل وسبب ، ويشترط المشرع إلى جانب ذلك التسجيل إذا وقع على عقار وفق نص المادة (1324) من القانون المدني والتي جاء فيها " إذا وقع الرهن الحيازي على عقار فيشترط أيضاً لتمامه أن يسجل في دائرة التسجيل العقاري وفقاً للأوضاع المقررة قانوناً " ، فالرهن الحيازي العقاري إذن عقد رضائي ينعقد خارج دائرة التسجيل العقاري انعقاداً صحيحاً ولكنه لا يتم إلا بالتسجيل في التسجيل العقاري ، ويعتبر الراهن ملزماً بإتمام الرهن بالحضور في دائرة التسجيل العقاري، وقد ذهب بعضهم إلى أن التسجيل في الرهن الحيازي للعقار يعد ركناً لانعقاده، فلا ينعقد إلا بالتسجيل، وهذا خلط بين ما هو ركن انعقاد وما هو شرط تمام ، وبين ما يعتبر فقده مانعاً من انعقاد العقد، وما يعتبر إخلالاً بالتزام صحيح مترتب على عقد منعقد على الوجه الصحيح ويبدو واضحاً وظاهراً حين النظر إلى الاختلاف في صياغة كل من المادتين، إذ نصت المادة (1286) على أنه "لا ينعقد الرهن التأميني إلا بتسجيله في دائرة التسجيل العقاري..." ، ونص المادة (1324) منه والتي جاء فيها بأنه " إذا وقع الرهن الحيازي على عقار فيشترط أيضاً لتمامه أن يسجل في دائرة التسجيل العقاري" ، ولا ريب أن هناك فرقاً شاسعاً بين شرط التمام وركن الانعقاد والقانون المدني اعتبر التسليم في الرهن الحيازي شرط تمام ايضاً بموجب المادة (1322) ، وليس ركن انعقاد (18) ، إلا أن أغلب الفقهاء من اعتبره ركن انعقاد وليس شرط تمام كما واعتبروه عقداً عينياً لا يلزم ولا يتم ولا يرتب أي اثر إلا بالقبض والتسليم ، فالقبض ركناً فيه (19)، ولكنهم يتراجعون عن قولهم بتصريحهم بأن القبض ركناً في العقد (20). فهم من جميع الآراء حول مسألة القبض في الرهن الحيازي ، بأن من يعتقد القبض ركناً فهنا قد تم تعيينه من خلال التسليم لأنه بالقبض والتسليم يتم التعيين ، إلا أنه من يعتقد أن القبض التزام ناشئ عن العقد الرضائي بين الطرفين فهنا قد لا يكون التسليم عند العقد لأنه ليس ركناً فيه وإنما قد يتم بعد العقد ، ومن ثم ستحتاج العين الضامنة تعيين وفق القواعد العامة للقانون (21). إلا أن المادة (74) من قانون التسجيل العقاري نصت على أنه "1 - يسجل الرهن التأميني والرهن الحيازي في السجل الخاص بالتأمينات العينية استناداً إلى اقرار المتعاقدين أو إقرار الراهن وحده مع كتاب صادر من الدائن المرتهن إذا كان جهة رسمية أو من الاشخاص المعنوية العامة 2 - يتم تسجيل حق الامتياز ومرتبته استناداً إلى نص القانون على أن يكون نشوء الدين الممتاز معززاً بحكم قضائي أو بسند رسمي أو بإقرار الطرفين. 3 - تدرج في السجل نفسه التغييرات المتعلقة بطرفي حق الامتياز أو عقد الرهن وشروطهما "، ونؤيد الرأي القائل بأن عقد الرهن الحيازي عقد رضائي وليس عيني على الرغم من أنه حقاً عينياً (22)، وأنه ينعقد برضى الطرفين وتطابق ارادتيهما، وأن القبض التزام ناشئ عن مصدر الرهن الحيازي وهو العقد الرضائي ، والغاية منه لنفاذ الرهن في مواجهة الغير و إذ يؤدي ذات مفعول القيد في السجل العقاري بالنسبة لرهن العقار، كما أن العقود تنعقد برضى الأطراف استناداً للمادة (73) من القانون المدني العراقي الخاصة بتعريف العقد والتي نصت على أنه "العقد هو ارتباط الايجاب الصادر من أحد المتعاقدين بقبول الآخر على وجه يثبت اثره في المعقود عليه"، ووفق هذه المادة تعد العقود رضائية بمجرد تطابق إرادة الأطراف. وقد جاء في حكم المحكمة النقض الفرنسية، أكدت فيه بأن حق الرهن الحيازي حق عيني (23)، كما جاء في حكم آخر لها أن الدائن المرتهن يعد وديعاً للشيء المرهون إلى حين استرداده، فليس له التصرف به كمالك لهذا الشيء (24). جاء في حكم لمحكمة النقض المصرية بأنه متى انتقلت حيازة العين إلى الدائن المرتهن امكنه حبسها إلى حين استيفاء حقه وأن للدائن حق عيني على المال المرهون يخوله حق تتبع ذلك المال اينما استقرت ملكية المال للتنفيذ عليه، واستيفاء الدين (25). وبالنتيجة إذا الرهن الحيازي يعد عقداً رضائيا وليس عينيا، إلا أنه حقاً عينياً يكسب الدائن سلطة على شيء مادي معين بالذات على الرغم من ذهاب جانب من الفقه وبعض القوانين بأنه عقداً عينيا وليس رضائيا لا ينعقد إلا بالتسليم. إلا أن محكمة التمييز الاتحادية ذهبت إلى بطلان عقد الرهن الحيازي في حالة عدم تسجيله في دائرة التسجيل العقاري، إذ أكدت على أن إشغال العقار استناداً إلى عقد رهن يبيح للدائن المرتهن إشغال العقار في الرهن الحيازي ولم يسجل عقد الرهن في دائرة التسجيل العقاري يجعل العقد باطلاً لا سند له (26) .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موضوع رائع و هام يحتوي على معلومات قيمة و جميلة
بوركت يمينك التي نشرك و بيان فكرك الذي انتقى
بانتظار جديدك دوما
لك كل تحية و تقدير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسلــم الأيــــادي على الإنتقـــاء المميز والقيـــم
وبارك الله فيك على الطرح الرائـع وجزاك الله خيرا
لمـــا تقدمــــه من مجهــــودات طيبـــة .
واصل تميــــزك وتألقـــك ، في إنتظــــار جديـــدك
تحيـــــــاتي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معلومات رائعة وموضوع مميز وابداع التي قدمتها لنا
وتسلم الايادي التي ابدعت في هذا المشاركة
اتمنى لك التوفيق ولا تحرمنا من ابداعاتك وتميزك المتواصل