المعرفة هو ما دل على معين. ويقابله النكرة، والنكرة عكس المعرفة، فالنكرة والمعرفة اسمان متضادان، والنكرة هي الأصل على خلاف المعرفة، فالنكرة لا تحتاج إلى قرينة للدلالة على المعنى الذي وضعت له، بعكس المعرفة التي تحتاج إلى قرينة.
حد المعرفة
اختلف النحويون في حد المعرفة، ولا تسلَمُ عبارة في حد المعرفة من استدراك؛ لهذا قال ابن مالك: «من تعرض لحَدِّ المعرفة عجز عن الوصول إليه دون استدراك عليه، لأن من الأسماء ما هو معرفة معنى نكرة لفظًا، وعكسه، وما هو في استعمالهم على وجهين»، ومن أشهر الحدود للمعرفة:
قال ابن جني: «وَأما الْمعرفَة فَمَا خص الْوَاحِد من جنسه»،
قال الزمخشري: «المعرفة ما دل على شيء بعينه».
قال ابن يعيش: «المراد بالمعرفة ما خَصَّ واحدًا من الجنس، لا يتناول غيرَه»
وقال ابن الحاجب: «المعرفة: ما وضع لشيء بعينه»
قال ابن مالك في «شرح الكافية الشافية»: ما ليس شائعًا في جنسه فهو معرفة.
وقال أبو حيان: «المعرفة هي الاسم الموضوع على أن يخص مسماه» وقيل: «المعرفة هي الذي عُلق في أول أحواله على أن يخص مسماه»، وقيل: «هي الاسم الموضوع على أن يخص الواحد من جنسه».
والتعيين الذي يقصده النحاة إنما يتعلق بمعرفة المخاطَب لا المتكلم، لأن المتكلم قد يذكر ما هو معروف له ولا يعرفه المخاطبُ، فيكون نكرة كقول القائل: «في داري رجلٌ»، و«لي بستانٌ»، وهو يعرف الرجل والبستان.
سبب الإشكال في حد المعرفة
قال ابن مالك: «من تعرض لحَدِّ المعرفة عجز عن الوصول إليه دون استدراك عليه» وعلل ذلك بأن من الأسماء:
ما هو معرفة معنى نكرة لفظًا، نحو: «كان ذلك عامًا أولَ وأولَ مِن أمسِ»، فإن مدلول كل واحد معين لا شياع فيه، ولكنهما لم يُستعملا إلا نكرتين.
وما هو نكرة معنًى معرفة لفظًا، كـ«أسامة»، فإنه في اللفظ كـ«حمزة» في منع الصرف، والاستغناء عن الإضافة وأل، وفي وصفه بالمعرفة دون النكرة، واستحسان مجيئه مبتدأً وصاحب حال، وهو في الشياع كـ«أسد».
وما هو في استعمالهم على وجهين كـ«واحد أُمِّهِ» و«عبد بطنه»، فأكثر العرب على أنهما معرفة بالإضافة، وبعض العرب يجعلهما نكرتين، ويدخل عليهما «رب»، وينصبهما على الحال، ذكر ذلك أبو علي. ومثلهما في إعطاء حكم المعرفة تارة وحكم النكرة أخرى ذو أل الجنسية، فإنه مِن قِبَل اللفظ معرفةٌ، ومِن قِبَلِ المعنى لشياعه نكرةٌ، فلذلك يجوز أن يوصف بمعرفة اعتبارًا بلفظه وهو الأكثر، ويجوز أن يوصف بنكرةٍ اعتبارًا بمعناه نحو: «مررتُ بالرجل خيرٍ منك». وعلى ذلك حمل المحققون قوله تعالى ﴿وَءَایَةࣱ لَّهُمُ ٱلَّیۡلُ نَسۡلَخُ مِنۡهُ ٱلنَّهَارَ﴾ [يس:37] فجعلوا «نسلخ» صفة «الليل»، والجُمَل لا يُوصَف بها إلا النكرات.
قال ابن مالك: فإذا ثبت كون الاسم المعرفة بهذه المثابة، فأحسنُ ما يُبيَّن به ذكرُ أقسامه مستقصاة، ثم يقال: وما سِوى ذلك فهو نكرة.
وقد رد أبو حيان على ابن مالك في النوع الأول بأن حد المعرفة والنكرة إنما يكون بأصل وضع الكلمة، ولا يؤثر في كونها نكرة أن يتعين مدلولها بقرينة خارجية، ومثل لذلك بقول الله: ﴿إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولࣲ كَرِیمࣲ﴾ فإنه معين وهو محمد ﷺ، ومع ذلك لا يدعي أحد بأن «رسول كريم» معرفة، ورد على النوع الثاني بأنه معرفة مجازًا لمعاملة لفظه كلفظ المعرفة، ولا يختلف معناه عن النكرة. وعلى النوع الثالث بأن ذلك باعتبار تأويلين فمن تأوَّل «واحد أُمِّه» بـ«مُفرَد أمه»، و«عبد بطنه» بـ«خادم بطنه»، نكرهما لتأويلهما باسم الفاعل، ومن لم يتأولهما باسم الفاعل أقرهما على التعريف.