السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وطيب الله أوقاتكم بكل خير، وأسعد الله مساءكم يا أعضاء هذا الصرح الكريم بكل المحبة والود والإخاء، وأتقدم إليكم بخالص تحية واحترام وتقدير لإدارة هذا الموقع المبارك والإشراف المميز والأعضاء الكرام الذين يشاركوننا الفكر والنقاش والعطاء، أما بعد،
فيا ترى، هل حقًا تتحقق أحلام الإنسان خارج واقع أسرته؟ أم أن الأسرة تبقى ذلك الجذر العميق الذي يغذي الأحلام بالثقة والدعم، وبدونه تبقى الأحلام كزهرة في مهب الرياح؟ وهل يستطيع الإنسان أن يخلق واقعًا آخر لحلمه إذا لم يجد في محيط أسرته حاضنة تشجعه وتعينه، أم أن ذلك الحلم سيبقى أسيرًا في أعماق نفسه ينتظر يومًا يتسلل فيه الضوء إلى قلبه ليعيد إليه الحياة من جديد؟
أليس من العجيب أن تكون الأسرة ذلك الكيان الصغير الذي يحمل في طياته بذور الأحلام الأولى، لكنه في ذات الوقت قد يكون السد المنيع الذي يحول بينك وبين انطلاقك نحو الآفاق؟ إن الأسرة تحمل في أركانها ضجيجًا من المشاعر المختلطة، من الحب والدعم أحيانًا، ومن الخوف والقيود أحيانًا أخرى، فكيف إذًا يتحرر الإنسان من هذا الصراع الخفي بين الحلم والواقع؟ وهل يستطيع أن يقفز على جدران التقاليد والعادات ليخطو بثقة نحو عالمه الخاص؟
في قلب كل إنسان حلم يتوهج بين الضلوع، حلم يراوده في لحظات الوحدة والهدوء، حلم ربما خطط له في ليالٍ طويلة تحت ضوء القمر، وربما خبأه في صدره خوفًا من نظرات الآخرين، لكن السؤال الأهم: هل يحتاج هذا الحلم إلى موافقة الأسرة، أم يكفي أن يكون حلمك أنت فقط لتبدأ في رسم طريقه ولو بعزيمة واحدة؟
يا ترى، هل تستطيع أحلامنا أن تجد طريقها إلى الشمس إذا كانت جذورنا مغمورة في واقع أسري يقيدنا بقيود الماضي، أم أن الإنسان وحده يستطيع أن يقاوم تلك القيود ليصنع حاضره بنفسه، وينسج مستقبله بخيوط الصبر والأمل؟ هل تتحقق الأحلام إذا ما تحررت من عقدة الخوف من الرفض الأسري، أم أن الأحلام لا تزهر إلا في تربة الأسرة، تحت ظلها وبين أيدٍ حانية تحتضنها؟
ألا يدفعنا هذا إلى التساؤل: ما هو الدور الحقيقي للأسرة في صناعة الأحلام؟ وهل الأسرة هي حجر العثرة أم هي الجسر الذي نعبر عليه إلى ضفة الأمل والإنجاز؟ أليست الأسرة هي المعلم الأول الذي يغرس فينا قيم الصبر والمثابرة، لكنها أحيانًا قد تتحول إلى قيد يمنعنا من التحليق في فضاء واسع؟ وهل يستطيع الإنسان أن يجمع بين الوفاء للأسرة وتحقيق حلمه في آن واحد دون أن ينكسر قلبه أو يتصدع وجدانه؟
إن الأسرة هي الكنز الثمين الذي يستودعنا مبادئ الخير والحب، لكن أحيانًا قد تُلبسنا قيودًا من التردد والخوف من المجهول، فهل لنا أن نتحرر من تلك القيود دون أن نكسر قلوبهم الذين أحبونا منذ اللحظة الأولى؟ وهل يحق لنا أن نمضي في دروبنا نبحث عن أحلامنا ونتركهم خلفنا في دهاليز الانتظار والأسئلة والقلق؟ أم أن الحلم الحقيقي هو الذي يحملهم معنا، ويحقق رضاهم قبل أن يحقق ذواتنا؟
أليس الإنسان كائنًا حرًا بطبيعته، خلقه الله ليحلق في سماء الإنجاز، فلماذا إذًا يضع البعض شروطًا وحدودًا على أحلامه بدعوى البر أو الخوف أو الحذر؟ ألا يجدر بنا أن نفكر أن البر الحقيقي هو أن نحقق ذاتنا ونصبح قادرين على العطاء لهم ولغيرهم، أليس هذا هو المعنى الأسمى للحياة؟
يا ترى، هل الأسرة تدرك دومًا حجم الألم الذي يعتصر القلوب حين يختنق حلم في صدر صاحبه لأنه لم يوافق عليه مجلس العائلة، أو لم يجد له مكانًا في عيونهم القلقة على مصيرنا؟ وهل يدركون أن قلوبنا تخفق شوقًا للنجاح مثلما يخفق قلب الأم لطفلها؟ وهل يدركون أن في داخلنا نفسًا عظيمة تريد أن تحقق المستحيل، لكنها تحتاج إلى ضوء أخضر ليضيء الطريق؟
أيتها الأسرة، يا من أنتم جذوري وضلوعي وحصني الأول، هل ستمسكون بيدي وأنا أزرع حلمي وأرعاه؟ أم ستتركونني أواجه الريح وحدي، لأتعثر في أول خطوة وأسقط؟ ألا تدركون أن خوفكم عليّ قد يطفئ في داخلي ذلك الوميض الذي يضيء دربي؟ وهل ستتسع قلوبكم لتروا أحلامي تنمو حتى لو كانت بعيدة عن تصوركم وحدودكم؟
إن الأسرة هي الوطن الأول، هي التي تعلمنا الحروف الأولى، لكن الإنسان لا بد أن يخطو خطوة أخرى في رحلته، ليصنع وطنًا في داخله، وطنًا من الأحلام والنجاحات والانتصارات. فهل من حق الأسرة أن تمنع أبناءها من بناء هذا الوطن بحجة الخوف أو بحجة الحفاظ على القيم؟ أم أن القيم الحقيقية هي تلك التي تعلّمنا أن نكون أقوياء مستقلين واثقين، قادرين على أن نبني ونحمي ونحب؟
ألا تعلم الأسرة أن الإنسان إذا كبت حلمه يومًا بعد يوم فإنه يتحول إلى شجرة ذابلة، لا خضرة فيها ولا زهر، شجرة مكسورة الأغصان بلا ثمار، أليس الأجمل لهم أن يرونا شجرًا مورقًا، يثمر الخير والجمال والعطاء؟ وهل يرضيهم أن يروا أبناءهم أسرى في سجون الخوف والقلق والاعتماد، أم أنهم يفرحون حين يروننا نقف بأقدامنا في درب الحياة، نحمل أحلامنا كنجوم مضيئة نهتدي بها؟
إن الحلم يولد في القلب كنبع صغير، لكنه بحاجة إلى من يسقيه ليتدفق في نهر من العطاء والإنجاز، وإذا لم يجد ذلك الحلم من يحتضنه ويمنحه الدفء، فإن مجراه يجف ويتلاشى. فهل الأسرة تدرك أن دورها ليس فقط في المنع أو السماح، بل في الرعاية والدعم والتشجيع أيضًا؟
أليست الأسرة هي من يمنحنا الثقة بأننا قادرون على تحقيق المستحيل، فلماذا إذًا تتحول أحيانًا إلى لجنة تفتيش تنقّب في تفاصيل أحلامنا لتحدد لنا ما هو مشروع وما هو مرفوض؟ ألا يستحق منا الحلم أن نرعاه كما نرعى أحبتنا، وأن نمنحه حقه في الحياة مثلما نمنح قلوبنا حقها في الحب؟
يا ترى، هل يمكن أن نجد الحلم في مكان بعيد عن أسرتنا، في دروب الحياة المليئة بالتحديات؟ وهل ستمنحنا الغربة دفئًا كالذي تمنحه الأسرة؟ وهل سيبتسم لنا الغريب حين نعثر أو نسقط؟ أم أن الغريب سينظر إلينا من بعيد، ويتركنا نتعلم الدرس بمفردنا؟
إنني أرى أن الحلم لا يتحقق إلا حين يجتمع العزم والرضا الأسري، فلا عزم بلا جذور، ولا حلم بلا روح، ولا إنجاز بلا دفء أسري. فهل من سبيل إلى موازنة هذه المعادلة الصعبة بين الذات والأسرة؟ وهل نستطيع أن نكون أوفياء لأحلامنا دون أن نخسر قلوب من نحب؟
أيها الإخوة والأخوات الكرام، إن تحقيق الحلم خارج واقع الأسرة قد يبدو كالفوز في سباق الريح، لكن ذلك النصر يظل ناقصًا ما لم يجد دفئًا في عيون الأب والأم والأخوة، وما لم يجد حضنًا يحتضنه في ليالي الانكسار. إن الحلم الذي يولد بعيدًا عن دفء الأسرة قد ينجح، لكنه يظل هشًّا، عاريًا من الدفء، فهل ترضون لنا أن نكون أشجارًا بلا جذور، أم تفضلون أن تكون جذورنا راسخة في تربة حبكم ورعايتكم؟
وختامًا، لا يسعني إلا أن أشكر الإدارة الموقرة والمشرفين الأكارم والأعضاء الأعزاء على ما يقدّمونه من دعم ومشاركات مثرية، وأدعوكم جميعًا أن نتحلى بالحب والتقدير لبعضنا البعض، وأن نمنح أحلامنا فرصة للحياة، وأن نكون أسرًا حاضنة لأبنائنا، تغرس فيهم الثقة، وتمنحهم الأمل، وتصنع منهم قادة الغد.
تحياتي / إحساس غالي
#أحلامنا_والأسرة #تحقيق_الذات #التحديات_الشخصية #الحب_والدعم
#التنمية_البشرية #الثقة_بالنفس #أهمية_الأسرة #دعم_الأحلام
#الأسرة_والحياة #الحلم_المستقبل #العطاء