السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير ومحبة، أيها الإخوة والأخوات الكرام، أعضاء هذا المنتدى المميز. أحييكم بتحية الإسلام، وأبعث إليكم بأطيب الأمنيات وأصدق الدعوات بالتوفيق والسداد في كل مساعيكم، وأشكر إدارة المنتدى الكريمة على إتاحة الفرصة لطرح هذا الموضوع الثرّ، الذي يمسّ صميم لغتنا الجميلة وتراثنا الثقافي العريق، والذي يتناول خطأً شائعًا طالما تكرر في كتاباتنا اليومية، وهو: خطأ كتابة ياء المخاطبة في غير مواضعها.
إن ياء المخاطبة، أيها الكرام، هي واحدة من تلك اللآلئ التي تتربع على عرش لغتنا العربية، فهي تنبض بالحياة في نهاية الفعل المضارع عندما نخاطب المؤنث، وتعكس روح المخاطبة التي تجمع بين الدقة والبلاغة، لكنّ هذا البريق اللغوي سرعان ما يبهت حين نخلط بين مواضعها ومواضع غيرها، فنسكب ياء المخاطبة في غير مكانها، فيختل الوزن ويضيع الجمال، وتصبح الجملة غريبة عن الذوق العربي السليم. فهل تأملنا حقًا في السبب الذي يجعلنا نقع في هذا الخطأ رغم بساطته الظاهرية؟ أليس غياب التركيز أثناء الكتابة، أو عدم تمييز الفروق الدقيقة بين ياء المخاطبة وياء المتكلم، أو تأثرنا بلهجاتنا المحكية التي لا تلتزم في أحيان كثيرة بقواعد اللغة الفصيحة، هو ما يفتح الباب على مصراعيه لهذا الخطأ اللغوي الفادح؟
أيها الأحبة، إن ياء المخاطبة تأتي مع الفعل المضارع المسند إلى المؤنث، فحين نقول: "تكتبي"، أو "تدرسي"، أو "تجتهدي"، فإننا نخاطب أنثى واحدة في زمن المضارع، وهذه الياء إنما هي حرف يدل على المخاطبة، فلا يجوز أن نستعملها مع غير المؤنث، ولا أن نستعملها في زمن الماضي أو الأمر أو مع صيغة المتكلم. لكنّ العجلة أحيانًا أو العادة اللغوية الخاطئة تجعلنا نقحم هذه الياء في غير مكانها، فنراها تتسلل إلى صيغ لا تليق بها، كأن نكتب: "كتبي"، بدلاً من "اكتبي"، أو "درسي"، بدلاً من "ادرسي"، أو ربما يذهب البعض إلى ما هو أبعد فيخلط بينها وبين ياء الملكية، فيكتب: "كتابي"، بدلاً من "كتابِيَ"، أو "دفتري"، بدلاً من "دفترِيَ"، فتضيع الحدود بين المضاف والمخاطب، ويختلط الإعراب بالنطق، ويفقد النص نضارته ورونقه وبلاغته.
وهنا، تتجلّى خطورة هذا الخطأ، إذ يتسلل إلى النصوص الكتابية ويشوّه البناء اللغوي، فيجعل القارئ يقف عند الكلمة متسائلًا: أهذا خطأ مطبعي، أم نقص في المعرفة اللغوية، أم ضعف في الاهتمام؟ ولا يخفى علينا أن هذا الخطأ يضعف ثقة الكاتب بنفسه أمام قارئه، ويجعل النص عرضةً للانتقاد والتصحيح، وربما يسيء إلى سمعة الكاتب العلمية والأدبية. فكيف لنا أن نتفادى هذا المطب، وأن نحمي لغتنا من هذا الانزلاق الذي يسيء إليها وإلينا معًا؟
أيها الإخوة والأخوات، إن تصحيح هذا الخطأ يبدأ أولًا من الوعي، وعلينا أن ندرك أن لكل حرف في لغتنا موضعًا ووظيفة، فلا نضعه في غير موضعه ولا نحمله ما لا يطيق. فمن المهم أن نتوقف لحظةً عند كل فعل نكتبه، ونسأل أنفسنا: هل هذا الفعل مخاطَب أم متكلم؟ هل هو موجه لمذكر أم لمؤنث؟ في المضارع أم في الماضي؟ وهل الياء التي أضيفت هي ياء المخاطبة أم ياء المتكلم أم ياء الملكية؟ هذه الأسئلة هي التي تحفظ لنا جمال لغتنا وسلامة نصوصنا.
كما أن القراءة المستمرة للنصوص الفصيحة، والاطلاع على نماذج الكتابة الصحيحة، والرجوع إلى المصادر الموثوقة في النحو والصرف، كل ذلك يغذي ذائقتنا اللغوية، ويجعلنا قادرين على تمييز الصحيح من السقيم. فاللغة ليست ترفًا، وإنما هي كائن حي، إذا أحسنا رعايته نطق بالحياة والبهاء، وإن أهملناه ذبل وذاب وتلاشى.
إن ياء المخاطبة هي رمز للتواصل بين الكاتب والقارئ، بين المعلم والمتعلم، بين الأم وابنتها، بين الإنسان وأخيه الإنسان. إنها جسر من الحروف يعبر به المعنى من قلب الكاتب إلى قلب القارئ، فكيف نقبل أن نعبر هذا الجسر مشوّهًا؟ إن احترامنا لهذه الياء الصغيرة يعني احترامنا للغة، واحترامنا للغة يعني احترامنا لأنفسنا وهويتنا وتاريخنا.
وما أجمل أن نربط هذا الخطأ الشائع بالتنمية البشرية، فالدقة في الكتابة هي صورة من صور الدقة في التفكير والتنظيم في الحياة، فمن تعود على الانتباه إلى أدق التفاصيل في لغته، صار أقدر على الانتباه لأدق التفاصيل في عمله، وفي قراراته، وفي علاقاته الاجتماعية والمهنية. وهكذا تتحول اللغة من مجرد وسيلة للتعبير، إلى وسيلة للتنمية الذاتية وبناء الشخصية القوية المتوازنة.
وفي الختام، أشكر إدارة الموقع الموقرة، والأعضاء الكرام، والأخ الذي منحنا فرصة مناقشة هذا الموضوع، وأدعوكم جميعًا إلى العناية بلغتنا، والانتباه إلى ياء المخاطبة كي تبقى زاهية في موضعها، متلألئة في كتاباتنا، شاهدةً على فصاحتنا وبلاغتنا ووعينا.
تحياتي / إحساس غالي
#اللغة_العربية #يا_المخاطبة #أخطاء_لغوية #إملاء_صحيح
#بلاغة_الكتابة #تنمية_لغوية #هوية_لغوية #الإبداع_الكتابي
#الثقافة_العربية #التميز_اللغوي