هواري بومدين: الزعيم، الثورة، والدولة
مقدمة
هواري بومدين، أحد أبرز قادة الثورة الجزائرية ورئيس الجزائر ما بين 1965 و1978، يُعد رمزًا من رموز الكفاح الوطني والتحول الثوري في العالم العربي. جمع بين شخصية القائد العسكري والمنظّر السياسي، وساهم في بناء الدولة الجزائرية الحديثة بعد الاستقلال، مستندًا إلى مبادئ الاشتراكية، والسيادة الوطنية، والدعم الواسع لحركات التحرر العالمية.
أولًا: النشأة والمسار التعليمي
وُلد محمد إبراهيم بوخروبة، المعروف بهواري بومدين، يوم 23 أغسطس 1932 في مدينة قالمة شرق الجزائر، في أسرة ريفية بسيطة. تلقى تعليمه الأولي في المدارس القرآنية، ثم التحق بجامع الزيتونة في تونس، ولاحقًا بجامعة الأزهر في مصر، حيث تبلورت شخصيته القومية والدينية. التحق مبكرًا بصفوف الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.
ثانيًا: دوره في الثورة الجزائرية (1954–1962)
شارك بومدين في ثورة التحرير منذ بدايتها، وانضم إلى جيش التحرير الوطني. برز كقائد عسكري استراتيجي، حيث تولّى قيادة الولاية الخامسة، ثم عُيّن قائدًا للأركان العامة لجيش التحرير. كما لعب دورًا هامًا في تشكيل الرؤية السياسية للثوار، وتوطيد العلاقات مع الدول العربية، خاصة مصر الناصرية.
ثالثًا: الصعود إلى الحكم (1962–1965)
بعد الاستقلال عام 1962، تولّى بومدين منصب وزير الدفاع في أول حكومة جزائرية بقيادة أحمد بن بلة. بسبب خلافات سياسية وإدارية، قاد انقلابًا عسكريًا في 19 يونيو 1965، أطاح فيه بالرئيس بن بلة فيما سُمّي بـ"التصحيح الثوري"، ليصبح رئيسًا لمجلس الثورة، ثم رئيسًا للجمهورية الجزائرية.
رابعًا: بناء الدولة وسياسات بومدين
1. الاقتصاد الاشتراكي
2. التعليم والتعريب
3. السياسة الخارجية
كان من أبرز الداعمين لحركات التحرر في إفريقيا وآسيا.
حافظ على علاقات وثيقة مع الدول العربية، خصوصًا مع مصر وسوريا.
لعب دورًا فاعلًا في حركة عدم الانحياز، ودعم فكرة العالم الثالث.
خامسًا: العلاقة مع القضايا العربية
القضية الفلسطينية: كان من أوائل الداعمين للمقاومة الفلسطينية، وفتح أبواب الجزائر أمام منظمة التحرير.
حرب أكتوبر 1973: ساهم بالدعم المادي والسياسي والعسكري لمصر وسوريا في مواجهة إسرائيل.
الوحدة المغاربية: سعى إلى تقريب وجهات النظر بين المغرب وتونس والجزائر، رغم النزاعات الحدودية.
سادسًا: وفاته وإرثه السياسي
توفي بومدين في 27 ديسمبر 1978 بعد مرض غامض، عن عمر يناهز 46 عامًا. وقد خيّم الحزن على الجزائريين والعرب عند وفاته، لما كان يمثله من رمز للكرامة والعدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية.
ترك بومدين إرثًا متوازنًا:
تحليل نقدي
هواري بومدين ليس مجرد زعيم سياسي، بل هو مشروع دولة. نجح في الانتقال بالجزائر من حالة ما بعد الاستعمار إلى مرحلة البناء الوطني المستقل، ولكن على حساب بعض التعدديات السياسية. تبقى صورته في الذاكرة الوطنية والعربية مثالًا للثوري الحازم والباني الصارم.
خاتمة
هواري بومدين يُعد من القادة التاريخيين الذين امتلكوا رؤية واضحة لبناء الدولة بعد الاستقلال. لقد مزج بين الثورة والسياسة، بين الكفاح والحوكمة، وكان صوته مسموعًا في المنابر الدولية دفاعًا عن الشعوب المظلومة، وهو ما يجعله حاضرًا في الذاكرة الجمعية الجزائرية والعربية.
المراجع
عبد الحميد مهري، ذكريات الثورة الجزائرية.
علي الكنز، السلطة والمجتمع في عهد بومدين.
عبد العزيز رويبح، بومدين: الرجل والدولة.
أرشيف جريدة الشعب الجزائرية.
وثائق الأمم المتحدة بشأن حركة عدم الانحياز.