جمال عبد الناصر: الزعيم، الثورة، والدولة
مقدمة
يُعد جمال عبد الناصر (1918–1970) من أكثر الشخصيات تأثيرًا في التاريخ العربي الحديث، وقد شكلت قيادته لمصر وتحركاته السياسية منعطفًا حاسمًا في مسار الأمة العربية. من خلال قيادته لثورة 23 يوليو 1952، وسياسته القومية العربية، وتحديه للاستعمار، أصبح ناصر رمزًا للكرامة الوطنية والنضال ضد الهيمنة الغربية.
أولًا: النشأة والخلفية
وُلد جمال عبد الناصر في 15 يناير 1918 بالإسكندرية، ونشأ في بيئة متوسطة، حيث تأثر منذ صغره بروح الوطنية ومعاناة الشعب المصري تحت الاحتلال البريطاني. التحق بالكلية الحربية، وهناك بدأ يتبلور وعيه السياسي، وأسهم لاحقًا في تأسيس تنظيم "الضباط الأحرار".
ثانيًا: ثورة 23 يوليو 1952
قاد عبد الناصر، رفقة مجموعة من الضباط الأحرار، ثورة ضد الحكم الملكي في مصر، حيث تم خلع الملك فاروق وإنهاء الحكم الملكي. تبنّت الثورة مبادئ العدالة الاجتماعية، وتوزيع الأراضي على الفلاحين، والتخلص من النفوذ الأجنبي، وهي المبادئ التي رسّخت شرعية عبد الناصر الشعبية.
ثالثًا: سياساته الداخلية
الإصلاح الزراعي: قام بتوزيع الأراضي على الفلاحين، ما حدّ من سلطة الإقطاع.
تأميم قناة السويس (1956): أحد أعظم إنجازاته، وسبب رئيسي في العدوان الثلاثي على مصر.
بناء السد العالي: مشروع تنموي ضخم ساهم في تطوير البنية التحتية المصرية.
العدالة الاجتماعية: شجع التعليم المجاني، ورفع من مستوى الخدمات الصحية والإسكان.
رابعًا: السياسات الخارجية والقومية العربية
كان عبد الناصر من أبرز دعاة القومية العربية، وسعى لتوحيد العرب تحت شعار "أمة عربية واحدة":
الوحدة مع سوريا (1958–1961): شكّلت الجمهورية العربية المتحدة، لكنها لم تستمر بسبب التحديات السياسية والإدارية.
الدعم لحركات التحرر: دعم الثورة الجزائرية، والقضية الفلسطينية، والثوار في اليمن.
التصدي للاستعمار: قاوم النفوذ البريطاني والفرنسي والأمريكي في الشرق الأوسط، وتحالف مع الاتحاد السوفيتي في إطار الحرب الباردة.
خامسًا: هزيمة 1967 وأثرها
تعرضت مصر لهزيمة قاسية في حرب يونيو 1967 أمام إسرائيل، مما شكّل نقطة تحول في مسيرة عبد الناصر. ورغم إعلان تنحيه، إلا أن الجماهير خرجت تطالبه بالعدول عن قراره، ما يعكس عمق شعبيته. وقد كرّس السنوات التالية لإعادة بناء الجيش، فيما عرف بـ"حرب الاستنزاف".
سادسًا: وفاته والإرث السياسي
توفي عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970، مخلفًا إرثًا مثيرًا للجدل. فقد جمع بين الكاريزما الثورية والإصلاح الاجتماعي من جهة، والانفراد بالسلطة وتقييد الحريات السياسية من جهة أخرى.
تحليل نقدي
رغم إنجازاته التنموية والوطنية، فقد شابت فترة حكمه بعض السلبيات:
لكن في المقابل، لا تزال صورته محفورة في الوجدان العربي كرمز للكرامة والتحدي والعدالة الاجتماعية.
خاتمة
جمال عبد الناصر شخصية محورية في التاريخ الحديث، تجسدت في شخصه آمال الشعوب العربية في الاستقلال والوحدة. وبالرغم من الإخفاقات، فقد رسخ في ذاكرة الشعوب كزعيم وطني ألهم الأجيال وأعاد للعرب ثقتهم بأنفسهم.
المراجع
عبد العظيم رمضان، فكر عبد الناصر السياسي.
محمد حسنين هيكل، سنوات الغليان، والانفجار.
أنور عبد الملك، نقد الثورة.
BBC Arabic – وثائقيات ناصر.
موقع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية – الأهرام.