دور الجزائر في حرب أكتوبر 1973: دعم غير مشروط ومعركة ضمن معركة
مقدمة
مثّلت حرب أكتوبر 1973 لحظةً فارقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ليس فقط لأنها أعادت للعرب شيئًا من الكرامة بعد نكسة 1967، بل لأنها كشفت أيضًا عن عمق التضامن العربي الحقيقي في بعض مراحله. ومن بين الدول التي شاركت بفعالية في دعم الجبهة المصرية والسورية كانت الجزائر، والتي لعبت دورًا لافتًا سواء على الصعيد العسكري أو السياسي أو الاقتصادي. وقد جاء هذا الدعم ضمن التزام الجزائر الثابت بقضية فلسطين ودعم حركات التحرر، استنادًا إلى تجربتها الثورية الخاصة.
أولاً: الخلفية السياسية والدبلوماسية
منذ استقلالها في عام 1962، تبنت الجزائر سياسة خارجية داعمة لحركات التحرر الوطني، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وكانت من أبرز الدول المناهضة لإسرائيل في المحافل الدولية، وقدمت دعمًا سياسيًا قويًا لمصر وسوريا خلال الاستعداد للحرب، بل وكانت من الدول التي ضغطت لضرورة العمل العسكري العربي ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ثانيًا: المشاركة العسكرية الجزائرية في الحرب
1. القوات الجوية الجزائرية
أرسلت الجزائر سربين من طائرات "ميغ-21" و"سوخوي-7" إلى مصر في نهاية سبتمبر 1973.
شاركت هذه الطائرات في الضربات الجوية ضد المواقع الإسرائيلية، خاصة في سيناء، وكانت تحت القيادة العملياتية المصرية.
استُشهد عدد من الطيارين الجزائريين في مهام قتالية، وقد تم تكريمهم بعد الحرب من قبل القيادة المصرية.
2. القوات البرية والدبابات
أرسلت الجزائر لواء مدرع مجهز بالكامل إلى الجبهة المصرية، لكن تأخر وصوله إلى ما بعد وقف إطلاق النار حال دون مشاركته الفعلية.
كما أرسلت وحدات دعم لوجستي وفني إلى الجبهة السورية لتعزيز القدرات القتالية في مرتفعات الجولان.
3. الإمدادات العسكرية
ثالثًا: الدعم المالي والاقتصادي
قدّرت بعض المصادر أن الجزائر قدّمت دعمًا ماليًا مباشرًا لمصر وسوريا بلغ حوالي 200 مليون دولار خلال وبعد الحرب.
ساهمت الجزائر أيضًا في صندوق دعم الجبهة الذي أُنشئ بمبادرة من بعض الدول العربية لدعم الاقتصادين المصري والسوري خلال الحرب.
رابعًا: الموقف السياسي والدبلوماسي
لعبت الجزائر دورًا مهمًا في دعم الموقف العربي داخل الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز.
طالبت خلال الاجتماعات الطارئة بضرورة انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة عام 1967.
كانت الجزائر من أوائل الدول التي اعترفت بـمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وقدّمت لها مقرًا في الجزائر العاصمة.
خامسًا: تقييم عام للدور الجزائري
1. التزام استراتيجي لا تكتيكي
لم يكن دعم الجزائر لمصر وسوريا نابعًا من لحظة عابرة أو حسابات ظرفية، بل جاء في سياق التزام أيديولوجي ثابت بالصراع ضد الاحتلال الصهيوني، وامتدادًا لتجربتها الثورية في مقاومة الاستعمار الفرنسي.
2. رمزية الحضور الجزائري
رغم أن عدد القوات الجزائرية لم يكن ضخمًا مقارنة بدول المواجهة المباشرة، إلا أن رمزية مشاركتها كانت كبيرة، خاصة أن الشعب الجزائري كان لا يزال يعاني من آثار الاستعمار ويعتبر النضال العربي امتدادًا لنضاله.
3. تثبيت الحضور الإقليمي
عززت الجزائر من خلال هذه المشاركة مكانتها كقوة إقليمية فاعلة في العالم العربي، وعززت علاقاتها مع مصر وسوريا، ومع الشعوب العربية بشكل عام.
خاتمة
جاءت مشاركة الجزائر في حرب أكتوبر 1973 كمظهر من مظاهر التضامن العربي الحقيقي، وهي محطة تاريخية تؤكد عمق انخراط الجزائر في قضايا الأمة، وعلى رأسها فلسطين. لقد قدمت الجزائر دعمًا متعدّد الأبعاد، عسكريًا وسياسيًا وماليًا، يعكس وعيًا استراتيجيًا بدور التكامل العربي في مواجهة الاحتلال. ومن خلال هذا الحضور، أكدت الجزائر أنها ليست فقط "بلد المليون ونصف المليون شهيد"، بل أيضًا "شريك الدم" في كل ساحات النضال العربي.
المراجع
هواري بومدين – خطابات وأرشيف الرئاسة الجزائرية (1973)
محمد حسنين هيكل – "الطريق إلى أكتوبر"
عبد الجبار الشريف – "الجزائر والقضية الفلسطينية"
وزارة الدفاع الجزائرية – أرشيف المشاركة العسكرية في حرب أكتوبر
مؤتمرات حركة عدم الانحياز (أرشيف 1973-1974)