أخي العزيز فتحي الدين يحلل الظاهرة الإنسانية بنظرة متوازنة و واقعية فقد قال الله تعالى ( و أحضرت الأنفس الشح ) فهذه هي طبيعة النفس البشرية هي نفس ناقصة و طماعة و بخيلة ترغب في الاستئثار و منع الخير عن الآخرين و الاحتفاظ بالخير لها فتحي : البخل سببه شعور بالقلة و بعدم الوفرة حيث يشعر الإنسان بأن ما يعطيه من ماله و رزقه خسارة له و لا يستشعر بأن العوض موجود و أن رزق الله يكفي الجميع .. فلو استشعر الوفرة و العوض حقا و يقينا فإنه سيعطي بلا شروط و هو موقن بأن العوض آت لا محالة لأنه يعلم جيدا بأنه يتاجر مع الله و ليس مع الناس .. و لو أننا وصلنا إلى استشعار هذا الأمر فإننا سنعطي بلا حساب و هناك فروقات بين البخل و الطمع و بين الحرص و الطموح .. فالبخل نابع من فقدان استشعار الوفرة و الطمع نابع من قلة شكر الموجود فهو إعتقاد مشوه يشعر صاحبه بأن الموجود غير كافي و لا يشكر ما عنده بل يركض خلف المفقود و يعيش كذلك طيلة حياته .. أما الحرص فهو شيء طبيعي و مطلوب لحفظ المال و الرزق و صرفه على نجو جيد دون تبذير و نابع من قرار واعي و مسؤول ناحية ضرورة حفظ المال من السرقة و الضياع و التبذير و ليس بخلا و إنما ذكاء إقتصادي .. أما الطموح فهو ليس طمع و لا هو شيء مدفوع بقلة شكر الموجود بل هو شعور بالإستحقاق و شعور بالتأهل للحصول على المزيد .. و هناك مثال جيد أظنه سيوضح الفرق بين الطمع و بين الطموح فالطمع يشبه الأكل الفائض عن حاجة المعدة كأن يأكل الشخص بعد أن يشبع لأنه يظن بأن امتلاء بطنه سيحميه من الجوع لاحقا أو ربما يشعر بأنها فرصة لن تعوض و بأن الأكل لن يتوفر مرة أخرى لذلك يأكل بدافع و بشعور خوف غير مبرر أو اعتقاد بأن المزيد ضروري له فهو لا يحترم شعور الشبع و الإمتلاء ولذلك الأكل الفائض يضره و لن يكون صحيا و مباركا .. أما الطموح يشبه الذي يأكل المزيد بعد شعور بالجوع فعلا فهو يشعر بأنه يحتاج إلى المزيد حتى يسد جوعه فهو جوع طبيعي و الرغبة في المزيد طبيعية نافعة .. الحساب في الآخرة لن يكون على المثالية في السلوك بل على الذي افترضه الله تعالى و هذا حكم الله تعالى نفسه هو الذي يحكم بما يشاء و كون الله تعالى يحاسب العبد على الزكاة هذا لا يناقض أن الدين يأمر بالصدقات و يحث عليها و لا يعني أن الدين حبر على ورق لأنه بالفعل أغلب الأثرياء يقومون بالتبرع فالدين يطبق في الحقيقة هذا أمر،الأمر الآخر ليس عقلاني و لا منطقي و لا واقعي أن أحمل مسؤولية الفقراء و المرضى و المشردين للأغنياء و الشيوخ الذين ليس لهم أي دخل و لا علاقة و لم يتسببوا بكل هذه المشاكل ثم ألومهم و أقرعهم لماذا لم تفعلوا كذا و لم تفعلوا كذا فتحي : دقق في الفهم أخي فأنا لم أقم بتحميل الأغنياء مسؤولية تشرد الفقراء و فقرهم طالما رزقهم من جهدهم الخالص و طالما يزكون حسب ما هو منصوص عليه في الشرع .. فالفقر له أسباب عديدة و ربما الفقراء أنفسهم هم السبب في إفقار أنفسهم و ذريتهم بسبب عدم أهليتهم للأسرة و الإنفاق عليها أو ربما ضحايا جهل و تجهيل أو لأنهم أغرقوا أنفسهم بالديون أو لأسباب أخرى كثيرة .. و لكن ما قصدته هو السعي إلى تفريج الكربة عن هؤلاء الفقراء طالما لدى الأغنياء إمكانية على ذلك و هو امتحان لهم حول ما إذا كانوا يبادرون إلى إنقاذ المبتلين أو لا يبادرون .. و المبادر أحسن من الذي لا يبادر .. و هذا لا يجعل غير المبادر موضع لوم و لا مقصر .. و إنما المبادر هو الذي يحوز شرف إنقاذ الفقراء من الفقر و تحسب له كإن,جاز مشرف و سيجازيه الله على ذلك .. أما الذي لم يبادر فهو سيبقى في وضع عادي طبيعي .. و مع ذلك هناك من يتساءلون عن سبب عدم مبادرته و غياب تضامنه رغم كونه سمع نداء الإستغاثة و هناك أيضا من يتهمونه بالخذلان و بالتقصير و ربما من دون أن يكونوا على فهم بأسبابه و أعذاره .. فالأمر متروك لله المشكلة كلها بالسياسيين اللصوص و الفاسدين الذين ينهبون ثروات الشعوب و هم سبب وجود المشردين و الفقراء و المرضى و لولا سرقاتهم لتوافرت المشافي و الأموال التي تحل كل هذه المشاكل و هم الذين يتحملون المسؤولية أمام الشعب و أمام الله فتحي : لماذا لا يوجد جهاز رقابة و إصلاح يشرف عليهم و يحاسبهم و يتتبع كل تحركاتهم ؟ مو معقول أروح عند الشيخ و لا الغني الذي درس و اشتغل و تعب بشرف و جهد و عرق و خدم المجتمع ثم أسبه و ألعنه و أصب جام غضبي عليه لأنه أراد الاستمتاع بثروته التي هي شقاه و عرقه و أقول له ليش ما تعطي ثروتك للفقراء و الجوعى و أترك السياسيين الحرامية على الكراسي الذين هم سبب كل هذه المعاناة و الأمر الآخر بخصوص طعن الفقراء بالدين كون الأغنياء ينفقون على ما هو ليس أساسي أيضا لو جاء الدين و أجبر الأغنياء على التصدق بفائض أموالهم الغني سيقول لك بلا شغل بلا تعب بلا بطيخ سكر البزنس و خليني أترك مهنتي و أشتغل مهن بسيطة و هذا يؤدي إلى تعطل الحياة و تدهور العلم و العمل الذي يقوم على المنافسة ففي روسيا الشيوعية كان الأطباء يعملون جراسين و كاشيرات لأن العمل ضغطه أقل و لا مسؤولية فيه و الراتب نفسه تماما أيضا على نفس منطق ذلك الفقير فالغني سيطعن في الدين و يقول إيش دين الحرامية هذا أنا أتعب و أعرق و أغامر و الدين يسرق مالي و يعطيه لغيري ممن لم يتعب و يغامر مثلي الله يلعن هكذا دين دين الحرامية و اللصوص و قطاع الطرق و هذا بالضبط ما حصل مع الشيوعية و أدى إلى أن الناس كفرت بها و تهرب من الدول التي تسيطر عليها و حتى الدول التي تأخذ ضرائب باهظة الناس تهرب منها للدول التي تأخذ ضرائب أقل أو ضرائب صفرية لتعمل و تستثمر فيها مما يؤدي إلى تسرب الأسرار العلمية للدول الأخرى و خسارة العقول و التراجع علميا و اقتصاديا و هذا بحد ذاته موضوع كامل و طويل عريض ليس الآن موضع إيراد أمثلة عليه فالدين يوازن بحكمة بين جميع النفوس البشرية و يعطي للفقير و الغني حقهما بالعدل و الحكمة بأفضل نظام و نتيجة ممكنة بشكل إعجازي مبهر و لا يوصف لو انجاز الدين لأحد الطرفين على الآخر و استعمل الإكراه و الإجبار لتعطلت الحياة و لا تنسى أن الغني خصوصا من النوع البخيل الضعيف الإيمان قد يكفر و يعترض على الزكاة و يقول لك لماذا يأخذ الدين مني اثنين و نصف في المئة لشخص لا أعرفه و ليس لي علاقة به و لا يفيدني بشيء و ليس لدي أي مسؤولية عنه ما هذا الظلم و سيعتبر النسبة ضخمة و المبلغ كبير و لو كانت ثروته مئة مليون سيعتبر مليونين و نص مبلغ ضخم و كبير و هو فعلا كذلك فالدين عامل واجبه بزيادة بخصوص فرض الزكاة فبعض الأغنياء لو الأمر و القرار يرجع لهم لرأيتهم أنفقوا أقل من هذه النسبة فنسبة الاثنين و نصف في المئة نسبة إعجازية تجعل الغني يسلم لها برضا حتى لو كان بخيل طالما أنها صادرة بأمر إلهي أما باقي ماله فالله تعالى يرغبه بالثوب العظيم في الجنة و ابحث في أحاديث ثواب الصدقة تثير اللعاب و تجعل الغني حتى لو كان بخيل و فيه وازع ديني يتصدق للحصول على الثواب العظيم في الآخرة نظام الدين في هذا الأمر شيء مبهر و إعجازي ليس له مثيل في أي نظام أرضي فتحي : على أي حال أنا لا ألوم الفقير إذا كان غاضبا و ساخطا على دين أوهمه بأنه سيكون تحت حماية و رعاية و إنفاق الله لأن المسكين قرأ فيه كل ما جعله يطمع في رعاية الأغنياء .. ثم على أرض الواقع انصدم بأنه متروك لوحده صارع الجوع و المرض و الموت .. لذلك لا استغرب منه إذا كان يشكك في تدين الناس أو ربما يشكك في نفعية و جدوى الدين .. فإذا كان هناك شعب يقرأ الدين و بالمقابل لا ينقذ الفقراء فمؤكد سيتركه الكثير من الناس .. و الأمر يشبه قصتك مع كتب التنمية البشرية التي لم تجد فيها نفعا في جعلك ثريا .. فهناك فقراء يعتقدون عن الدين بنفس ما تعتقده أنت عن كتب التنمية البشرية .. و يقولون عن الدين أنه بلا نفع و لم يجدوا له تطبيقا ملموسا واقعيا في إنقاذهم من فقرهم .. و لكن ينبغي التفريق بين ( الدين ) و بين ( الناس و خذلانهم ) .. و هذا التمييز يكاد يكون مستحيلا بالنسبة لفقراء عانوا الكثير من رؤيتهم لمشاكل تناقض الكلام الشرعي مع التطبيق الحقيقي واقعيا .. كلامك صح مليون في المئة و أتفق معك تماما عليه،أكيد الأغنياء الذين يتبعون درب أبو بكر و عمر رضي الله عنهما في زهدهما و إيمانهما بلغوا مراحل إيمانية عالية لكنهم حالة نادرة لا يقاس عليها و لا يمكن إلزام جميع الناس بها فهؤلاء هم صفوة الصفوة و اتباع منهجهم شاق و مرهق على طبيعة النفس البشرية العادية التي يثقلها السير على هذا النهج و الشريعة تراعي هذا التفاوت فالأغنياء بشر لهم نفوس يثقل عليها تقييدها بما لا تطيقه و هذه حكمة الشريعة الإسلامية فالضغط يولد الانفجار و الترك فمن حكمة الدين أنه لم يجبر و يكره فلو أجبر و أكره لتعطلت الحياة لكنه رغب و حث و أثاب و هذه أفضل طريقة ممكنة تجعل الغني ينفق ثروته عن طيب نفس وقناعة فتحي : لا أحد يطالب أغنياء زماننا بالتصدق بأموالهم كلها كأبو بكر رضي الله عنه و لا حتى بنصفه كعمر رضي الله عنه .. بل هم مطالبون حسب استطاعتهم بأن لا يتركوا أي فقير يعيش بجوارهم بلا مأوى و بلا مأكل و بلا علاج و بلا تعليم .. إذا قدموا هذه الأساسيات فقد أن.جزوا الكثير .. و لا تقل لي بأن الأمر صعب و شاق .. لأنه بالإتفاق و التبرع سيكون سهلا .. و إذا امتلك الأغنياء الكماليات في الوقت الذي يصارع فيه الفقراء على الأساسيات فيمكنني أن أسميها نقيصة بحقهم .. كما أنني أحمل الفقير أيضا جزء من مسؤولية وضعه المزري خاصة المتزوجين المتأثرين بمقولة ( يأتي الطفل و رزقه معه ) لأننا رأينا أطفالا مشردين و مرضى لا رزق لهم سوى كرتون و بعض الملابس الرثة و منهم من انصدم و عانى أشد المعاناة نفسيا و جسديا و لم يجد حتى من يواسيه و يخفف من خوفه و هلعه و يعالجه .. لذلك ليس كل الأطفال يجلبون رزقهم معهم .. هناك من يأتون فارغين تماما و فقراء ليبحثوا عن رزقهم عند الناس فلا يجدوه أو يجدوه مشروطا و مصحوبا بالمن و الإبتزاز و الإنتقاص و يجعلهم منفصمين بين حاجتهم للمال و بين رغبتهم في الحفاظ على كرامتهم .. لذلك هناك منهم من يختار كرامته حتى لو كلفته البقاء في فقر مدقع .. و هناك من يستسلم و يقهره الجوع و المرض فيضطر لبيع كرامته ليشتري حياته .. هناك حالات عن نساء فقيرات ابتلين بموت أزواجهن في فترات الحروب و الإنجطاط الأخلاقي لم يجدن سوى بيع شرفهن لكي يجنين الأموال و ينفقن على أنفسهن و ذريتهن و عائلتهن حتى لا يموتون من الجوع .. فأين هي العدالة في شعوب و دول ترضى بأن تبيع الحرائر فيها أجسادهن لنيل رغيف خبز ؟ فالخزي ليس في هؤلاء المضطرات بل في الحيوانات الآدمية التي ترضى بهكذا وضع في حق النساء اللواتي استوصى النبي بهن خيرا .. لذلك لابد من إحداث تغيير جذري في هذا العالم حتى يكون هناك إغناء للفقراء و منحهم فرص خاصة بعد ظهور الأنترنت التي أعطت فرصة تجارة كبيرة بلا حاجة لكراء متاجر باهضة الثمن و بلا دفع مصاريف كثيرة .. يمكن لأي شخص بسيط أن يفتح متجره الإلكتروني و يعرض سلعه و يبيع و يشترى منه أونلاين و تصله سلعته عبر خدمة توصيل حتى باب بيته و لكن ينبغي أن يشتري من عند موثوق بهم لأن هناك المحتالون ..
|