السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة للأعضاء الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يا إخوتي وأخواتي في هذه الديار المباركة، يطيب لي أن أشارككم اليوم في هذه الصفحة الكريمة رحلتي الفكرية حول موضوع السعي سبيل النجاح، ذلك الطريق المليء بالتحديات والإنجازات، الذي لا يسلكه إلا من صدق مع نفسه وحرص على تحقيق مراده الحقيقي. إنّ السعي نحو النجاح ليس مجرد كلمةٍ تُطلَق على لسانٍ عابر، بل هو روحٌ تتجسّد في أفئدة الرجال والأبطال، وتنبض في قلوب الطامحين والعازمين، وهو الشمعة التي تضيء مدارج العمر، والجرس الذي ينبه العقول لأن تستيقظ من كسلها وترتقي بأفعالها إلى أعلى المراتب. إنّ النجاح الذي نصبوا إليه ليس وجهةً نبلغها في لحظةٍ عابرة، بل هو ضوءٌ مستمر، وحالةٌ دائمةٌ تتجدّد معها الآمال، وتُحرك معها الأكف إلى عمل الخير والبناء.
في أولى خطواتنا معاً، يجب أن نؤمن بأنّ السعي سبيل النجاح يتطلب منّا أن نزرع في أنفسنا حكمة الانطلاق وصدق الجهد. إنّ الإنسان يحيا ليحقق هدفاً، والهدف لا يُدرك بغير عملٍ جاد، ولا يُبلّغ بغير عزيمةٍ راسخةٍ. فلننظر إلى صفحات التاريخ المقدّسة، فتجدون قصص الأنبياء والرسل والصحابة رضي الله عنهم الذين اجتهدوا بكل ما أوتوا من قوةٍ في سبيل إحقاق الحقّ، وفي سبيل تحقيق رسالةٍ أسمى من الزمان. فهل نُقدّر نحن اليوم قيمة الرحلة التي بدأها المفكرون والعلماء والأدباء عبر العصور، فاتخذوا من العقل سراجاً يُنير العقول، ومن الإصرار جواز مرور نحو المعالي؟ إنّ الساعي إلى النجاح لا يرضى بالقشور ولا يكتفي بالسطحيّات، بل ينقب في أعماق الذات، ويُحلّق في فضاء الطموح لكي يتعلّم كيف يصنع غده بيده، ويرسم بخياله خارطةَ الطريق نحو المستقبل.
ولن نتطرّق إلى حديث الساعات الطويلة التي تمضي علينا ونحن نتفوّه بالشعارات، بل لنتحدّث عن تلك الساعات التي نملؤها بالصبر والعمل، فهي دليلٌ على صدق النوايا ورسوخ العزائم. إنّ الساعي سبيل النجاح يدرك أنّ الخطوة الأولى مهما علت بساطتها فهي ثورةٌ ضدّ الجمود، وهي السماء التي نفتحها لنرى نجومنا طريقاً للانطلاق. فأيُّ مشروعٍ نفكّر فيه اليوم، سواء كان عالماً في ميدان الهندسة والقيادة والتخطيط، أم كاتباً يرنو إلى نشر أفكاره، أم طالباً يسعى إلى بلوغ قمم العلم والمعرفة، لا بدّ أن يضع نصب عينيه أنّ قيمة جهده تقاس بمدى إتقانه المطلوب. ليس المهمّ فقط أن تقوم بعملٍ ما، بل المهمّ أن تبذل فيه جهداً يرتقي إلى مستوى طموحاتك ويليق بحجم الآمال التي تعلقها عليه.
إنّ العزيمة القوية هي الأساس الذي يُبنى عليه السعي إلى النجاح، فهي الحصن الحصين الذي يصدّ هجمات الشكّ واليأس. ليس عيباً أن نشعر بالتعب أو بالقلق حيال المستقبل، فهذه مخاوف بشرية طبعية، ولكن العيب كل العيب أن نستسلم لهوايةِ الكسل ونسمح للشكّ أن يُقنعنا بأنّنا لا نستطيع أن نحقّق ما نريد. إنّ الذي يسعى سبيل النجاح يرفض بحزم أن يذعن أمام أيّ عائق، ويعتبر كلّ تحدٍّ فرصةً لتعزيز إيمانه بنفسه، وكلّ صعوبةٍ منبراً لاختبار مدى جاهزيته لبذل المزيد. ولذلك، فإننا عندما نتحدّث عن السعي نتحدّث عن إبداع الإرادة وتفجّر الطاقات، ونتحدّث عن ذلك الالتزام الأخلاقي الذي يجعل المرء ملتزماً بواجباته ومسؤولياته في الوقت ذاته.
ولعلّ من أهم طرق تدعيم السعي سبيل النجاح دراسةُ تجارب السابقين واستلهام الدروس من رحلاتهم المفعمة بالحكمة والعرفان. فمن تأمّل في قصص العلماء والمهندسين والأدباء والروّاد الاجتماعيين يجد أنّ مشوار الساعي كان محفوفاً بالظروف الصعبة، والآلام أحياناً، ولكنه تغلّب على كل ذلك بعزيمته الفولاذية، وبإيمانه العميق بأنّ الرزق يأتي مع السعي، وأنّ النور لا يشرق إلا بعد ظلمة الليل. إنّنا اليوم أمام تقنيات متطوّرة وتسهيلات متعدّدة تجعل من السعي سبيل النجاح أقل وطأةً من السابق، ولكنّ ذلك يشترط وجود العقل المُدبِّر والقلب المُحبّ للخير والعمل الصالح. فلا يظنّنّ أحدٌ أن الإنجاز سيأتي دون تخلّصه من سلبياته القائمة، أو دون أن يترك وراءه الكسل والمحافظة على منطقة الراحة الآمنة.
وكم نحتاج اليوم في مجتمعاتنا إلى ذلك الساعي الذي يكون قدوةً بواقعه قبل أن يكون قدوةً بكلامه. فشلٌ وراء فشلٍ، ونصرٌ وراء نصرٍ، يُنسج منها نسيجٌ بديعٌ نستلهم منه دروساً وأمثلةً تلهب فينا الحماس. وأبطالٌ مغمورونٌ أو معروبون بأسمائهم، لم يُعطهم التاريخ حقّهم في البوح بقصص نضالهم، لكنّ آثار أفعالهم متجلّيةٌ في النجاحات التي نراها اليوم حولنا. ولولا هذا الجهدُ المتواصل والتضحيةُ التي جاد بها أجدادنا وأباؤنا لما كنّا نتمتّع بالتقدم الذي نشهده في مجالات الصناعة والتعليم والطبّ والفنون. إنّ السعي سبيل النجاح لا يقتصر على فردٍ واحد، بل هو جدليةٌ اجتماعيةٌ تُصنع فيها الأيدي الفاعلة وتُبرز فيها المواهب التي تنتظر فقط من يزوّدها بالدعم والاهتمام.
إنّ من يبتغي التفوّق والارتقاء لا بدّ أن يستثمر الوقت ويُصبحه بالسهر على مدارك العلم، ويستيقظه بابتكار الأفكار، ويعمل بلا كللٍ ولا مللٍ على تحويل تلك الأفكار إلى مشاريعٍ ملموسة. ولئن كانت للكلام جاذبية، فللعمل سحرٌ خاصٌّ لا تكرهه العظام التي تحترق بالسعي، أو القلوب التي تغمرها الصدق مع النفس. واعلموا أنّ الكمال لله وحده، وأنّ الطريق الى التميّز ليس ممهَّداً دائماً، بل قد تمتلئ عقباته بالأشواك التي تؤلم، غير أنّ هذه الأشواك لا تنال إلاّ من يطعَنُّونَ فوقها بقدميهم ويستمرّون في المسير. والعبرة ليست بعدد العقبات التي تطرح نفسها في وجهنا، بل بمدى رغبتنا في اجتيازها وتجاوزها، وبمدى الاستمرارية في السعي دون تيأس.
فما أجمل أن يستيقظ الإنسان في الصباح وهو يحمل في صدره أمنيةً جديدة، وطريقاً مسلوكاً للسعي إلى مقصدٍ أعلى! إنّنا بحاجةٍ اليوم، في زمن التقنية والسرعة والانصهار الثقافي، إلى أن نتمسّك بخيوط الإرادة الراسخة، ونحتضن أحلامنا بحنانٍ وحزمٍ معاً. فالساعي سبيل النجاح لا يضع أحداً في خانة عدم القدرة، بل يسعى دائماً إلى إيجاد الحلول والبدائل، ويعوّل على القناعة والتوحيد بالله سبحانه وتعالى، فيبثّ في نفسه طاقاتٍ لا تنضب، ويقينٍ لا يتزعزع. وأيٌّ كان تخصصك أو عملك، فليكن همّك أن تُضيف إلى هذا العالم عملاً صالحاً يعود على نفسك وعلى غيرك بالنفع، وعندما ترى ثمرة تعبك وفكرك جليةً أمام عينيك، ستعلم أنّ السعي سبيل النجاح ليس مجرد شعارٍ يلوكه الألسنة، بل هو منهج لحياةٍ كريمةٍ تفيض بالعطاء والخير.
وأودّ هنا أن أؤكّد على أهمية أن يكون السعي سبيل النجاح مقروناً بفضيلة الصدق مع النفس والراحة النفسية التي تنبع من إيمانٍ عميق أن ما علينا إلاّ بذل الأسباب، وأنّ النجاح بيد الله سبحانه، فهو الرازق المحيي المميت. فكلّما أحسست بأنّك سلبت عمق روحك بتصرفٍ لا يليق، أو أنك لم تستغلّ الوقت كما ينبغي، عد إلى الله تائباً واستغفره، ثم قم بعدل العدل وأعرض عن كل ما يلهيك عن غدك الجميل. فالذي يسعى سبيل النجاح يستعيذ بالله من البطالة والضعف، ويتفاءل بأنّه سائرٌ على طريقٍ لا يخلو من النوازل، لكنّه موقنٌ أنّ بركة الله أوسع وأرحب من تعب الداعي الساعي في كل وقتٍ وحين.
كما ينبغي أن يدرك الساعي سبيل النجاح أنّ الخطأ ليس نهاية المطاف، بل هو دربٌ من دروب التعلم والتطوير. فمن لم يخطئ لم يخطُ قدماً إلى الأمام، ومن لم يتعرض للانتكاسات لم يشعر بحلاوة النصر عند التغلب على المحن. فإنّ الأخطاء وإن كانت تُبكِّرُنا أحياناً، فإنها تضعنا أمام صفحٍ جديدٍ نكتب عليه قصص العزيمة التي تهزم الشرود والكسل. وهنا يلزم الانتباه لضرورة أن نتعلم ممن سبقونا كيف كانوا يتلقون الهزائم ويحولونها إلى انتصارات، وكيف كان خوفهم من الرجوع بخُطاهم إلى الوراء وسيلةً لإشعال نار الجهد في نفوسهم. إنّ هذا العالم الواسع لا يحتمل أن نقف على الهامش خوفاً من المحاولة، بل يحتاج إلى من يجهر بصوته معلناً عزمه على صناعة التغيير وتحقيق الأثر.
وإذا تجلّى عند القارئ أنّ موضوع السعي سبيل النجاح يشمل الجانب الروحي والمعنوي بقدر ما يشمل الجانب العملي والمهني، فهذا ما أريده تماماً. فعندما ننظر إلى عالمنا اليوم، نرى نتائج من سبقونا واضحةً في التقدّم العلمي والابتكار الهندسي والإنجازات الثقافية والفنية. وكلّ ذلك لم يأتِ من فراغ، بل نتاج ساعاتٍ طويلة يقظة، وأوقاتٍ كثيرةٍ كانوا فيها يضحّون بالراحة في سبيل بناء إنجازٍ يقيّمونه بالشغل الشريف والعمل المفيد. فلا يغرّنّ أحدٌ نفسه بالراحة التامّة، فهي عدوّة الساعي سبيل النجاح، فكما قال الشاعر:
"قل للذي يعدّ أيّام الصباُم ردّها ولا يتعب في المنية إذا تـجاوب"
ومن لم يتعب في المنية، فلن يعرف قيمة الحياة الحقيقية، التي لا تُدرك إلاّ بما تدفعه من جهودٍ وعرقٍ في طاعة الله سبحانه وتعالى والعمل الصالح الذي يُنفع غداً وظهراً. فليكن همّ الساعي سبيل النجاح أن يحقق لنفسه وللناس ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم، وأن يجتهد في عمله ويخلص فيه النية لله تعالى، فيرتبط جهده ارتباطاً وثيقاً بالطاعة والقرب من الرحمن الرحيم.
وفي ختام هذه الرحلة الفكرية، التي لم تقتصر على شيْءٍ ماديٍّ وحسب، بل تناولت بُعداً معنوياً وإنسانياً شاملاً، أرفع أسمى آيات شكر وتقدير إلى إدارة هذا الصرح المبارك، والجهود الكريمة التي تبذلها في سبيل نشر الخير والمعرفة. أما الموقع الذي يجمعنا اليوم فلولا هدايته وتسهيله لتواصلنا وتبادلنا الأفكار ما اجتمعنا على خيرٍ ينفع الأمة. وأخصّ بالشكر أخي الكريم الذي لا يبخل بنصيحةٍ أو دعمٍ، فقد كان لكونه أخاً مرشداً ومشجعاً أبلغ الأثر في دفعنا إلى تحقيق الأهداف وبلوغ المقاصد. فبارك الله في جهودكم وجزاكم خير الجزاء، وأسأل تعالى أن يجمعنا دائماً على فعل الخير ومواصلة السعي في مسالك الحق والفضيلة.
تحياتي / إحساس غالي
#السعي #النجاح #الإصرار #التحدي
#التخطيط #العزيمة #الإيمان
#التفاؤل #الإبداع