إقتباس لمشاركة: @العقل الحدسي 01:53 - 2025/05/31
كمثال : الفقير المريض العاجز عن العمل الذي يسرق فقط حتى يأكل و لا يموت جوعا أو ربما ينقذ أرواحا من الجوع هل يجوز أن تقطع يده ؟
تخيل الظلم الذي كان يمارسه الحكام و المسيطرون قديما في حق الفقراء الضعفاء تجدهم يتحدثون بالأخلاق و ضرورة إعطاء الصدقات للفقراء و مع ذلك يتركونهم للجوع و التشرد و الموت دون أدنى اهتمام بهم و بدل أن يساعدوهم ماليا أو في منحهم وظائف هم يركزون على بناء السجون لهم فقط و ينتظرونهم لكي يسرقون حتى يحكموا عليهم.
سؤالك أخي الكريم رغم أني أشمّ في صياغته نوعا من "الاستنكار”، لكنني من باب حسن الظن سوف أجيب عنه بما يتطلبه من تفصيل.
يجب أن نعلم أن عقوبة حد السرقة ليست مطلقة تنفّذ في كل حال .. بل وُضِعت لها شروط دقيقة جدا يجب أن تتحقق كلها قبل إقامة الحد :
🔴 الشرط الأول : أن تكون السرقة من مال محفوظ (أي في حِرْز مثل خزانة أو مغلق عليه).
🔴 الشرط الثاني : أن يبلغ المسروق النصاب الشرعي (حوالي ربع دينار ذهب أو ما يعادله).
🔴 الشرط الثالث : أن لا تكون هناك شبهة تدفع للتأويل أو تمنع من إقامة الحد.
🔴 الشرط الرابع: أن يكون السارق بالغا، عاقلا، مختارا غير مكره.
🔴 الشرط الخامس : أن لا يكون السارق مضطرا اضطرارا حقيقيا، كمن سرق ليأكل لأنه جائع ولا يجد سبيلا للطعام.
وهذا الشرط الأخير هو محل السؤال، ويُعرف في الفقه بـ "دفع الحد بالشبهة"، وهي قاعدة فقهية عظيمة تقول: "الحدود تُدرأ بالشبهات".
الآن ..إذا كان الإنسان فقيرا معدَما لا يجد قوت يومه ولا عمل له وليس له من يعوله، واضطر أن يسرق فقط ليأكل أو ليطعم غيره من الجياع، فإن هذا يعتبر اضطرارا حقيقيا يدرأ عنه الحد .. وبناء عليه فلا تُقطع يده، بل يُنظر في أمره ويُعان ويُقدَّم له الدعم لا العقوبة.
قال الإمام ابن قدامة:
"ومتى اضطر إلى الطعام فلم يجد إلا طعام الغير، وامتنع صاحبه من بيعه له بثمنه، فله أخذه قهرًا، وعليه قيمته، ولا قطع عليه."
(المغني، ج10)
ولا يخفى عليك أخي الكريم أنه في زمن المجاعة أو الشدة لا تُقام حدود السرقة أصلا .. لأن حفظ النفس في الشريعة أولى من حفظ المال. وما سيرة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنا ببعيد .. فقد أوقف رضي الله عنه إقامة حد السرقة عام الرمادة حين أصاب المسلمين قحط ومجاعة، وقال قولته المشهورة: "لا قطع في مجاعة” ولم يُنكِر عليه أحد من الصحابة، بل عدّوا ذلك من فقهه العظيم في فهم مقاصد الشريعة.
أرجو أن تكون الصورة قد اتضحت أخي الكريم، ولا بأس إذا أراد المرء أن يتناول في موضوعه مسألة دينية أن يبحث في الأمر أولا و أن يرجع إلى كلام أهل العلم والاختصاص فيها.
بارك الله فيك وأحسن إليك.