في أحد المكاتب الرمادية حيث الأوراق تتكاثر أسرع من البشر، كان يعمل رجل يُدعى سامي. لم يكن سامي استثنائيًا في شيء، سوى في قدرته الخارقة على قول "حاضر" بسرعة الضوء، والانحناء بزاوية مثالية كلما مر المدير.
سامي كان "الموظف المثالي". يأتي قبل الوقت بنصف ساعة، يرحل بعد الوقت بساعتين، يبتسم للكاميرا الأمنية، ولا يستخدم ورق الطابعة إلا على وجه واحد — حفاظًا على البيئة طبعًا، أو هكذا قال في آخر تقييم سنوي، الذي لم يقرأه أحد.
كان سامي لا يمرض، لا يشتكي، ولا يتحدث في السياسة أو كرة القدم أو حتى الطقس. مرة، قال له زميل:
"سامي، لو يومًا اختفت الشمس، ستقول: ‘لا بأس، أُضيء بنفسي.’"
ضحك سامي بلطف، وسجل الملاحظة في عقله ليستخدمها في الاجتماع القادم كـ "نكتة خفيفة الظل".
مرت السنوات، وكبر سامي… في العمر لا في الرتبة. كان لا يزال على نفس المكتب، بنفس الكرسي الذي يصدر صريرًا خفيفًا كلما جلس، كأن الكرسي يحتج بصوت خافت: "كفى، أرجوك."
في أحد الأيام، قرر المدير العام أن يكرّم الموظف المثالي. اجتمع الفريق بأكمله، وأعلن بفخر:
"يسرّنا اليوم أن نكرّم سامي، الموظف الذي لم نلحظه يومًا يخطئ، ولا حتى يتنفس بصوت عالٍ!"
وصعد سامي إلى المنصة، بابتسامة معتدلة، لا تظهر فيها أسنانه كثيرًا — احترامًا للذوق العام. أخذ شهادة التقدير، والميدالية البلاستيكية المطلية بطبقة خفيفة من الغبار الذهبي، وقال:
"أنا ممتن لهذا التقدير. لم أطلبه، ولم أعمل من أجله، لكنه جميل. تمامًا مثل كرسيي الذي لم يُصلح منذ 8 سنوات: صامت، مُخلص، ويؤلم ظهري قليلًا… لكن لا بأس، نعتاد."
ضحك الجميع. ظنوا أنها مزحة.
وفي المساء، بعد أن طفى الضوء على المكتب، رنّ هاتف المدير.
"سامي؟!" قال بدهشة، "استقالة؟ لكن… لماذا؟"
أجابه سامي بصوت هادئ، مريح كعادته:
"لأني اكتشفت أن المثالية لا تُكافأ إلا عندما تصبح أداة تُستخدم لتُخيف الآخرين من كونهم بشرًا."
ثم أغلق الهاتف، وخرج من المكتب، دون أن ينسى إطفاء النور.
..النهاية..