السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تحية طيبة مملوءة بالإجلال والتقدير لجميع الأعضاء الكرام في هذا الصرح الشامخ، الذي يضم نخبة من العقول النيرة والنفوس الطيبة، التي تجتمع هنا لتبادل المعرفة والخبرات، ولتثري فضاء النقاش بآرائها السديدة وأطروحاتها القيمة. يطيب لي أن أشارككم اليوم حديثًا يلامس شغاف المهنة، وينير دروب النجاح في عالم الأعمال، حديثًا عن فن من الفنون الراقية، ومهارة من المهارات الجوهرية التي لا يستغنى عنها سالك طريق التميز والارتقاء: مهارة تكوين العلاقة المهنية.
إن الحديث عن العلاقات المهنية ليس مجرد سرد لمفاهيم نظرية، بل هو غوص في أعماق النفس البشرية، وفهم لديناميكيات التفاعل الإنساني في سياق العمل. إنه يمثل النبض الحي الذي يسرى في شرايين المؤسسات، والأساس المتين الذي تبنى عليه صروح الإنجازات العظيمة. فالعلاقة المهنية ليست مجرد تبادل للمنافع أو تلاقي للمصالح، بل هي نسق متكامل من الثقة المتبادلة، والاحترام العميق، والتفاهم المشترك، الذي يثمر تعاونًا بنّاءً ونتائج تفوق التوقعات. فكم من فرص عظيمة فُقدت بسبب ضعف في بناء العلاقات، وكم من أبواب مغلقة فُتحت بمفتاح علاقة مهنية متينة!
دعوني أسرد لكم ستة أسس راسخة، بمثابة أركان صلبة، تقوم عليها هذه المهارة السامية، التي إذا أتقنها المرء، فكأنما ملك زمام النجاح في يديه، وأضاء دربه بنور التوفيق والتميز.
أول هذه الأسس، وأجلها قدرًا، هو الصدق والشفافية. فالعلاقات، على اختلاف أنواعها، لا يمكن أن تزدهر وتنمو إلا في بيئة يملؤها الصدق، وتضيئها الشفافية. فكيف لك أن تبني جسرًا من الثقة مع الآخر، إذا كانت أقوالك تختلف عن أفعالك، أو كانت نواياك مبطنة بحجب من الغموض؟ إن الصدق في التعامل، والوضوح في المقصد، يبنيان أساسًا راسخًا من الاطمئنان في نفس الطرف المقابل، ويجعلانه يثق بك وبنواياك، ويفتح قلبه وعقله للتعاون المثمر. فالصدق ليس مجرد فضيلة أخلاقية، بل هو استثمار حقيقي في بناء العلاقات المهنية الطويلة الأمد. عندما تكون صادقًا، فإنك تعكس صورة للموثوقية والنزاهة، وهما صفتان لا تقدران بثمن في عالم الأعمال. تخيل أنك تتعامل مع شخص تشعر أنه يخفي عنك شيئًا، أو أن أقواله لا تتطابق مع تصرفاته، هل ستشعر بالراحة في التعامل معه؟ بالطبع لا. فالصدق يزيل الحواجز ويفتح الأبواب، ويجعل التواصل أكثر سلاسة وفعالية. إنه يقلل من سوء الفهم، ويزيد من الوضوح، ويخلق بيئة عمل صحية ومنتجة.
ويأتي ثاني هذه الأسس، في مرتبة لا تقل أهمية، وهو الاحترام المتبادل. فالعلاقات المهنية ليست علاقات قوة أو تسلط، بل هي شراكات مبنية على تقدير كل طرف لقيمة الآخر، واحترام آرائه ووجهات نظره، وإن اختلفت. الاحترام لا يعني بالضرورة الموافقة على كل شيء، بل يعني تقدير حق الآخر في الاختلاف، والتعامل معه بتقدير ولباقة، حتى وإن كانت هناك خلافات في الرأي. فعندما تُظهر احترامك لزملائك، لمديريك، لمرؤوسيك، ولعملائك، فإنك لا ترفع من قدرهم فحسب، بل ترفع من قدرك أنت أيضًا. الاحترام يولد الاحترام، ويفتح قنوات التواصل الفعال، ويذلل الصعاب التي قد تنشأ عن سوء الفهم أو تباين المصالح. إنه يشكل درعًا واقيًا ضد الخلافات غير البناءة، ويحول التحديات إلى فرص للنمو والتعلم. فكم من علاقات انهارت بسبب غياب الاحترام، وكم من فرص ذهبت أدراج الرياح لأن طرفًا لم يقدر قيمة الطرف الآخر!
أما الأساس الثالث الذي لا غنى عنه، فهو التواصل الفعال. فالعلاقات، كالكائنات الحية، تحتاج إلى غذاء مستمر لتبقى على قيد الحياة وتنمو وتزدهر، وغذاؤها هو التواصل. التواصل الفعال ليس مجرد تبادل للمعلومات، بل هو فن الاستماع بإنصات، والتعبير بوضوح، وفهم ما بين السطور. إنه القدرة على إيصال رسالتك بفعالية، والتأكد من فهم الآخر لها كما قصدت، وفي الوقت نفسه، القدرة على استيعاب رسالة الآخر، وتفهم دوافعه واهتماماته. فكم من سوء فهم حدث بسبب ضعف في التواصل، وكم من فرص ضاعت لأن الرسالة لم تصل بالشكل الصحيح! التواصل الفعال يتطلب منك أن تكون حاضرًا بذهنك، وأن تولي اهتمامًا حقيقيًا لما يقال، وأن تطرح الأسئلة المناسبة لتوضيح الصورة. كما يتطلب منك أن تكون صريحًا وواضحًا في تعبيرك، وأن تتجنب الغموض والالتباس. إن التواصل الفعال يزيل الحواجز، ويبني الجسور، ويجعل التعاون أكثر سلاسة وفعالية.
وينبثق الأساس الرابع من عمق التفاعل الإنساني، وهو تقديم القيمة المضافة. فالعلاقات المهنية ليست علاقات أحادية الجانب، بل هي تفاعل مستمر يقوم على مبدأ الأخذ والعطاء. عندما تسعى إلى بناء علاقة مهنية قوية، يجب أن تفكر دائمًا فيما يمكنك أن تقدمه للطرف الآخر، وما القيمة التي يمكن أن تضيفها إلى عمله أو حياته المهنية. قد تكون هذه القيمة في تقديم المساعدة، أو في مشاركة المعرفة، أو في تقديم المشورة، أو حتى في مجرد الاستماع والدعم. عندما تكون مصدرًا للقيمة، فإنك تصبح شخصًا لا غنى عنه، وتصبح علاقتك بالآخر مبنية على أساس قوي من المنفعة المتبادلة. فالناس ينجذبون إلى من يضيف قيمة لحياتهم، ومن يجعلهم يشعرون بالتحسن أو بالتطور. فكر دائمًا: كيف يمكنني أن أساعد هذا الشخص؟ كيف يمكنني أن أجعله ينجح؟ هذا التفكير سيقودك إلى بناء علاقات قوية ودائمة، مبنية على العطاء والمنفعة المشتركة.
أما الأساس الخامس، فهو جوهر الاستمرارية، وهو المرونة والقدرة على التكيف. فالعالم يتغير باستمرار، والبيئة المهنية ليست استثناءً. فما كان فعالًا بالأمس قد لا يكون كذلك اليوم. العلاقات المهنية، كأي شيء حي، تحتاج إلى المرونة والتكيف مع المتغيرات. هذا يعني أن تكون مستعدًا لتغيير نهجك، ولتعديل استراتيجياتك، وللتكيف مع الظروف الجديدة. يعني أيضًا أن تكون متفهمًا للضغوط التي يواجهها الآخرون، وللظروف التي قد تؤثر على أدائهم أو تصرفاتهم. المرونة تتيح لك تجاوز العقبات، وتحويل التحديات إلى فرص، وتجنب الجمود الذي قد يؤدي إلى تدهور العلاقات. فكم من علاقات انهارت لأن أحد الأطراف أو كليهما تمسك بجمود لم يتناسب مع الواقع المتغير! أن تكون مرنًا يعني أن تكون قادرًا على رؤية الأمور من منظورات مختلفة، وأن تكون مستعدًا للتنازلات البناءة، وأن تكون قادرًا على إيجاد الحلول الوسطى التي ترضي جميع الأطراف.
ويأتي الأساس السادس والأخير، لكنه ليس الأقل أهمية، وهو بناء الثقة والموثوقية. إن الثقة هي العملة الذهبية للعلاقات المهنية، وبدونها تنهار كل الأركان الأخرى. الثقة لا تبنى في يوم وليلة، بل هي نتاج تراكمي للأفعال المتسقة، والوعود التي يتم الوفاء بها، والالتزامات التي تنجز في موعدها. عندما تكون موثوقًا، فإن الناس يعلمون أنهم يمكنهم الاعتماد عليك، وأنك ستقوم بما تقول أنك ستقوم به. هذا يبني شعورًا عميقًا بالاطمئنان، ويجعل الآخرين يشعرون بالراحة في التعامل معك ومشاركتك المعلومات والأفكار. الموثوقية لا تقتصر على الوفاء بالمواعيد والالتزامات فحسب، بل تشمل أيضًا الحفاظ على السرية، والتعامل بنزاهة في جميع الأوقات، والصدق في التعبير عن الرأي حتى لو كان صعبًا. فكم من علاقات انهارت بسبب فقدان الثقة، وكم من فرص تبددت لأن الموثوقية كانت غائبة!
في الختام، أود أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان لإدارة هذا الموقع الموقر، التي لا تدخر جهدًا في توفير هذه المنصة الرائعة لنا، وفي إثراء المحتوى بمعلومات قيمة، وفي إدارة هذا الصرح بكفاءة واقتدار. كما أخص بالشكر أخي الأستاذ/الأخ الفاضل [اسم الأخ الفاضل أو الإشارة له بكلمة عامة مثل "مشرفنا الكريم" إذا لم يكن هناك اسم محدد]، على جهوده المقدرة ودعمه المتواصل لكل ما فيه خير وصلاح المنتدى وأعضائه.
تحياتي / إحساس غالي
#مهارات_مهنية #تواصل_فعال #بناء_علاقات #نجاح_مهني
#تطوير_ذاتي #قيادة_الأعمال #اخلاقيات_العمل
#نمو_شخصي #شراكات_استراتيجية