اكتئاب المسنين بين توهم المرض والآلام العضوية
هناك عوامل أخرى كالعوامل الوراثية الفسيولوجية كالعجز وانخفاض في القدرة المعرفية، أو العلاقات الاجتماعية المحيطة بهم،
مثل وفاة شخص كالشريك أو الابن أو أحد الأصدقاء المقربين، أو فقدان الاستقلالية، أومشاكل مالية واجتماعية، أدت بكبار السن إلى
الانتقال لدار رعاية المسنين.
وربما تعتبر المهمة التي توكل لبعض الجدات، وهي العناية بأحفادهن بشكل دائم بحيث تصبح هي مهمتهن الوحيدة لا يقمن بعمل
غيرها سببا مهما من أسباب الاكتئاب لا تلتفت إليها الكثير من الدراسات، إذ إن مسؤولية الاعتناء بالأحفاد وخاصة الرضع والأطفال
الصغار السن، تعتبر مسؤولية ثقيلة لدى معظم كبار السن.
ذلك لأن النساء عندما يتقدمن في العمر فإنهن بأمسّ الحاجة إلى من يرعاهن ويكرمهن ويعتني بهن، ويتحمل عنهن الكثير من
المسؤوليات والالتزامات ويخفف عنهن الكثير من الأعباء، لذلك فإن إسناد هذه المسؤولية بشكل دائم ومستمر إليهن يعتبر عبئاً يثقل
كاهلهن، بالإضافة إلى أن الأطفال في أمسّ الحاجة إلى من ينزل إلى مستواهم ويلبي حاجاتهم الأساسية، ويتحمل ما يصدر منهم من
تصرفات طفولية أو صبيانية لا يحسبون لها ولنتائجها حسابا.
إن كبار السن كذلك معرضون لإيذاء يسمى إيذاء المسنين، ويشمل
اكتئاب المسنين بين توهم المرض والآلام العضويةهلإيذاء الجسدي والجنسي والنفسي والعاطفي والمالي والمادي، والهجر،
والإهمال وفقدان الكرامة والاحترام بشكل كبير، وهذا لا تتعدد
الأسباب المؤدية إلى الاكتئاب عند كبار السن، لكن أغلبها ترتبط بمرض جسدي، وذلك لما تسببه الأمراض من آلام، أو لما للأمراض
من تأثيرات في الحالة النفسية، كما أن هناك بعض الظروف المعروف عنها بأنها تساعد على الإصابة به، كالدخول في فترة التقاعد
التي تحمل معها الكثير من المشاعر المتداخلة، والتي تجعل الكثير من كبار السن يجدون صعوبة في قبول التغييرات والتكيف معها
فتؤدي بهم إلى الإصابة بالاكتئاب يؤدي إلى مجرد إصابات جسدية فحسب، بل إلى عواقب نفسية خطيرة أيضاً، وأحياناً طويلة الأمد
بما في ذلك الاكتئاب والقلق.
ولعل تعامل المسن مع فكرة الموت، وتفكيره المستمر بها، وخوفه الدائم بحيث يربط كل حالة مرضية يمر بها بالموت، وانتشار هذا
الوهم بين كبار السن يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب، تعززه عوامل وراثية وأمراض جسدية أخرى.
إضافة إلى كل ما ذكرنا، فإن الاكتئاب يعد عرضا جانبيا لاستخدام أدوية معينة أو لتعارض أدوية عديدة تستخدم معا، وعلى الرغم من
أن الأعراض الجانبية للأدوية وتعارض بعض منها مع بعض قد يسبب الاكتئآب لجميع الفئات العمرية، إلا أن كبار السن يعدون أكثر
عرضة لذلك، لكون الجسم يصبح أقل قدرة على أيض الأدوية والتعامل معها مع تقدم السن.
وبالنسبة لأعراض الاكتئاب التي يشعر بها كبار السن، فإنها لا تختلف عن الاكتئاب الذي يصيب الفئات العمرية الأخرى، لكنها تتضمن
بعض الاختلافات الواضحة مثل التركيز على الموت والانشغال المستمر به، وتمنيه وازياد الرغبة فيه.
ومن الجدير بالذكر أن بعض الآلام الجسدية التي يشعر بها بعض المسنين كالصداع ووجع المفاصل تعتبر عارضا من أعراض
الاكتئاب، بالاضافة إلى الأعراض العامة كالشعور بالحزن والقلق، وفقدان الوزن، وقلة النوم، وفقدان الحماس والطاقة لممارسة
النشاطات والواجبات، وإهمال العناية الشخصية، وكثرة الشكوى من أوجاع لا تفسير طبي لها.
استخدام الأدوية أو العلاج النفسي أو الخلط بينهما هو واحد من أساليب علاج الاكتئاب، لكن يجب على الطبيب أخذ الحذر عند إعطاء
المصاب الأدوية، كون كبار السن، يعدون أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالأعراض الجانبية الناجمة عن الأدوية.
وتعد ممارسة التمارين الرياضية، من أهم أساليب المعالجة، وذلك لما يفرزه الجسم من هرمون يساعد المرضى على تحسين
نفسيتهم، وتحسين نظرتهم إلى الحياة، ومن الضروري استشارة الطبيب المختص بنوع ومقدار النشاطات التي يستطيع المسن
ممارستها، خوفا من التعرض للكسر أو الخلع، وتجنب الحركات التي قد تحدث مشاكل بدنية جديدة.
ويلعب التواصل مع الآخرين دورا مهما في مساعدة المسن في التخلص من بعض أعراض الاكتئاب كالقلق والحزن، والتفكير بالموت
بالإضافة إلى أن الانخراط مع الآخرين بأعمال تطوعية، يحسن نفسية المسن، ويخلق عنده شعورا مهما بأنه ما يزال ثمة من يحتاج
إليه وإلى اهتمامه.
وإذا كان بالإمكان مساعدة كبار السن في تعلم مهارات جديدة، فإن من شأنها تعزيز ثقتهم بأنفسهم، وإثبات أن الإنسان يستطيع التعلم
في أي سن، على عكس ما هو سائد بالنسبة لكبار السن.