الحمد لله.. ثناء ودعاءآخر
الصفحة
ممدوح عطا الله

  • المشاركات:
    133209
مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف مميز بالمنتدى الإسلامي العام
ممدوح عطا الله

مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف مميز بالمنتدى الإسلامي العام
المشاركات: 133209
معدل المشاركات يوميا: 22.5
الأيام منذ الإنضمام: 5917
  • 13:57 - 2025/05/26

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يتوفر وصف للصورة.

0📊0👍0👏0👌
ممدوح عطا الله

  • المشاركات:
    133209
مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف مميز بالمنتدى الإسلامي العام
ممدوح عطا الله

مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف مميز بالمنتدى الإسلامي العام
  • 13:58 - 2025/05/26

الحمد لله.. ثناء ودعاء

الحمد لله، كلمةُ مباركة، وهي ثناء في دعاء، ودعاء في ثناء. تجري على الألسنة بسهولة ويسر، وهذا من فضل الله على عباده. الكلمة التي اختارها الله فاتحةً لكتابه العزيز، لأن أسرارها وكنوزها لا تنفد. يقول سيّد قطب رحمه الله: (والحمد لله، هو الشعور الذي يفيض به قلب المؤمن بمجرد ذكره لله، فإن وجوده ابتداء ليس إلا فيضاً من فيوضات النعمة الإلهية التي تستجيش الحمد والثناء، وفي كلّ لمحة، وفي كل لحظة، وفي كل خطوةٍ تتوالى آلاء الله وتتواكب وتتجمع، وتغمر خلائقه كلّها، وبخاصة هذا الإنسان، ومن ثم كان الحمد لله ابتداء، وكان الحمد لله ختاماً قاعدة من قواعد التصور الإسلامي).

فما معنى هذه الكلمة؟ وما دلالاتها مما هو موقفها في حياة الإنسان؟
يقول ابن القيم رحمه الله: الحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه.
الرب الإله المحمود في الدنيا والآخرة.. المحمود قبل أن يخلق وبعد ما يخلق، وبعد إفناء الخلق وبعد بعثهم (وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص:70).
محاسنه تعم الكائنات جميعاً، محاسنه في ذاته، وفي أسمائه الحسنى، وفي صفاته العليا، يخبرنا بها فضلاً منه ورحمة، ويعرفنا بجلاله وجماله وكماله.. محاسنه في لطفه وعلمه وعزّه وقدرته وحكمته.. محاسنه في بره وجوده وفضله.. محاسنه في إحسان خَلقه (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ )(السجدة:7)، (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)(التين:4). محاسنه في إرسال رسله وإنزال كتبه لهداية عباده، محاسنه التي لا يأتي عليها عدٌ ولا حصر، كل هذا وغيره كثير متضمن كلمة الحمد لله، يجري بها لسان العبد، ويتجاوب الله مع عبده وهو يلفظها، (فإذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين، قال الله: حمدني عبدي) (رواه مسلم).
حب وإجلال وتعظيم
قد تذكر محاسن إنسان، لكنك لا تحبه، ولا تجد في قلبك ميلاً إليه ولا إجلالاً ولا تعظيماً.. بيد أنك عندما تذكر محاسن ربك اللامتناهية، لا يسعك إلا أن تحبه أشد الحب، (والذين آمنوا أشدّ حباً لله) وتجد في نفسك فيوضات جلاله، ويمتلئ فؤادك بتعظيمه، وتعمر أوقاتك بحمده وشكره وشهود منته، والرضا عن أفعاله. كل هذا وغيره تتملاه عندما تنطق بـ "الحمد لله"، فتتذوق حلاوتها وطلاوتها ولذتها، وتسيطر على جوانحك السكينة والطمأنينة والفرح والسرور.
أفضل الدعاء
والحمد لله هي أفضل الدعاء.. وسرّ ذلك أنها متضمنةٌ للثناء على الله عزّ وجل، روى الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله)، أخرجه الترمذي: وحسَنه ابن حجر والألباني والأرنؤوط.
وهذا فيضٌ آخر من فيوضات الرب عز وجل، قال المناوي:لأن الدعاء عبارة عن ذكر الله، وأن تطلب منه الحاجة، والحمد يشملهما، فإن الحامد لله إنما يحمده على نعمه، والحمد على النعم طلب المزيد، وهو رأس الشكر، قال تعالى: "لئن شكرتم لأزيدنّكم"
قال بكر بن عبد الله المزني: رأيت حمالاً عليه حمله وهو يقول: الحمد لله، أستغفر الله، فانتظرته حتى وضع ما على ظهره، وقلت له: ما تحسن غير ذلك؟ قال: بلى أحسن خيراً كثيراً، أقرأ كتاب الله، غير أن العبد بين نعمةٍ وذنب، فأحمد الله على نعمه السابغة، وأستغفره لذنوبي، فقلت: الحمال أفقه من بكر.
وقال الطيبي: لعلّه جُعل أفضل الدعاء من حيث إنه سؤال لطيف يدق مسلكه.
ملء الميزان
الأعمال لها تأثير كبير في تقريب العبد من ربه أو إبعاده عنه، وبعض الأعمال أشد تأثيراً من البعض الآخر، ففي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض).
ما أعظم هذا الفيض، وما أجزل هذا العطاء والكرم الذي لا يمكن مجرد تصوّره. كلمةٌ واحدة تملأ الميزان بالثواب والعطاء، تجده موفراً يوم توزن الأعمال. كم بين السموات والأرض من مسافات هائلة لا يعلم مداها إلا الله؟ مسافاتٌ ليست بالأمتار، بل بمئات الملايين من السنين الضوئية. سبحان الله والحمد لله تملآن هذه المسافات. إن هذا العطاء لا يقدر عليه إلا من يعطي بغير حساب.
بيت الحمد
استحقاق عن جدارة في مقام الصبر على فقدان الولد عند الصدمة الأولى، والحمد وإرجاع الأمور إلى الله برضا وتسليم، بيتٌ لا تقوم له كلّ بيوتات الدنيا، روى الترمذي عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِه؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ" قال أبُو عِيسَى: حَسَنٌ غَرِيبٌ وحسنه ابن حجر والسيوطي والألباني.
ما ألذّ الجزاء، وما أحلى حلية بيت الحمد، فحقيق لمن فقد ثمرة فؤاده، ولم يعدّ ذلك مصيبة من كل وجه، بل مصيبةُ من وجه فاسترجع، ونعمةٌ من وجه فحمد الله، أن يقابل بالحمد في تسمية محله به، فيكون محموداً حتى في المكان الذي سمي به، بيت يليق بصبره على المصيبة العظيمة.
وفي السرّاء والضرّاء حمد
لا ينفكّ العبد المؤمن عن حمد ربه في كل أحواله وتقلباته، فلا تسكره نشوة الفرح عن حمد ربه، ولا يذهل عن الحمد في المدلهمات والخطوب.. روى ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يحب قال: الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات، وإذا رأى ما يكره قال: الحمد لله على كل حال. صححه السيوطي، وحسنه الألباني.
حمد النزع
حق الله لا يُقدّر بزمنٍ ولا بعمل، والعبد المؤمن ينضح الخير منه حتى في أواخر لحظات حياته، يحمد الله في كل حال، وعلى كل حال، سواء في السراء والضراء، فالخير يتمثّل فيه، وهو مستسلمٌ لأمر الله وقضائه، ولا يرى من مولاه إلا كل خير، ولا يفتر عن ذكره حتى في الرمق الأخير، في أشق الأهوال عند نزع روحه، (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)(الحجر:99)، ولم أجد حالاً أجمل من حال المؤمن الذي يبقى أشدّ تعلقاً بربه، يحمده حتى في مثل هذه الحالة. روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ عَبْدِي الْمُؤْمِنَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ كُلِّ خَيْر، يَحْمَدُنِي وَأَنَا أَنْزِعُ نَفسَه مِن بَينِ جَنبَيهِ). حسنه ابن حجر.
كان الجنيد يقرأ وقت خروج روحه، فقيل له: في هذا الوقت! قال: أبادر طي صحيفتي.. ما هذا الحب الفريد النادر لله؟ إن العبارات لتعجز عن تصوير هذه الحالة مهما كانت دقة المصوِّر.
نسيان الذات ابتغاء حمد الله
العالم القدوة الموفق يسعى في تعليم الخلق كيف يحمدون الله.. ففي طبقات الشافعية عن القاضي حسين قال:كنت عند القفال (عبدالله بن أحمد القفال)، فأتاه رجل قرويٌ وشكى إليه أن حماره أخذه بعض أصحاب السلطان، فقال له القفال: "اذهب فاغتسل، وصلّ ركعتين، واسأل الله أن يرد عليك حمارك"، فأعاد عليه القروي كلامه، فأعاد عليه القفال، فذهب القروي فاغتسل، ودخل المسجد وصلى، وكان القفال قد بعث من يرد حماره، فلما فرغ من صلاته ردّ الحمار، فلما رآه على باب المسجد خرج وقال: الحمد لله الذي ردّ علي حماري، فلما سُئل القفال عن ذلك قال: أردت أن أحفظ عليه دينه كي يحمد الله تعالى.
وعند زوال الظالمين حمد
مكافحة الظالمين والطواغيت من أوجب الواجبات، لأن هؤلاء من أكبر العقبات التي تحول بين الناس وعبادة ربهم، والله خلق الجن والإنس لعبادته، وبعد معارك مريرة، وتضحيات هائلة تتطهر الأرض من رجسهم وإفسادهم وصدّهم عن سبيل الله.. الأمر الذي يستوجب الحمد، (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(المؤمنون:28). (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:45).
حمد لا يفتر
وهكذا يظلّ العبد حامداً لله، ديمةً عند استيقاظه وعند منامه. في خلوته وفي جلوته، بعد إطفاء نار عطشه، وبعد سدّ جوعة بطنه، في حال سقمه أو بعد ما يأذن الله له بشفائه، عندما يواري عورته باللباس والزينة، أو يأوي إلى بيته وفراشه في كل شؤونه وتصريفاته إلى وقت نزع روحه من بين جنبيه، ثم هو حمدٌ لا يفتر في الجنة كما روى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه (.... يُلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النفس).. حمد لله على ذهاب الحزن والكروب, (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ. وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ)(فاطر:33-34). وحمدٌ على منة الهداية التي خولتهم دخول الجنة. (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(الأعراف:42-43)
وإن أقصى ما يشغل أهل الجنة تسبيح الله أولاً وحمده آخراً، يتخللهما تحيات السلام، (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(يونس:10).
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ: عبدالعظيم عرنوس
0📊0👍0👏0👌
الراجي رضا الله

  • المشاركات: 8223
    نقاط التميز: 1603
أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
أفضل عضو بمنتدى القرآن الكريم
الراجي رضا الله

أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
أفضل عضو بمنتدى القرآن الكريم
المشاركات: 8223
نقاط التميز: 1603
معدل المشاركات يوميا: 37.4
الأيام منذ الإنضمام: 220
  • 13:58 - 2025/05/26
جزاك الله خيرا

وجعله في موازين حسناتك

ونفعك به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم

0📊0👍0👏0👌
المسافر إلى الله

  • المشاركات:
    237523
مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف الحديث والسيرة النبوية
أفضل عضو بمنتدى القرآن الكريم
أفضل عضو بالشهر الماضي بمنتدى الأمل لأصحاب الهمم
أفضل عضو بمنتدى سير الأنبياء وأعلام الامة
المسافر إلى الله

مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف الحديث والسيرة النبوية
أفضل عضو بمنتدى القرآن الكريم
أفضل عضو بالشهر الماضي بمنتدى الأمل لأصحاب الهمم
أفضل عضو بمنتدى سير الأنبياء وأعلام الامة
المشاركات: 237523
معدل المشاركات يوميا: 37.2
الأيام منذ الإنضمام: 6385
  • 18:53 - 2025/05/26
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اعزك الله واكرمك ورضى الله عنك وارضاك
جهد رائع وقيم ربنا يتقبل منك اخي الكريم والفاضل
0📊0👍0👏0👌
أحساس غالي

  • المشاركات:
    10303
مشرف التنمية البشرية
مشرف العلوم الهندسية
أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
أحساس غالي

مشرف التنمية البشرية
مشرف العلوم الهندسية
أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
المشاركات: 10303
معدل المشاركات يوميا: 32.9
الأيام منذ الإنضمام: 313
  • 00:41 - 2025/05/27

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتحية طيبة مملوءة بالتقدير والاحترام لكل الأعضاء الكرام، ولإدارة الموقع المباركة، وللأخ الكريم الذي أتاح لنا هذه المساحة لنشارك في رحاب الفكر والوجدان...

ما أعظمها من كلمات حين تنطلق من القلب بلا تكلّف ولا تصنّع، تسبقها الروح وتُعبّر عنها الجوارح: "الحمد لله"... هذه العبارة التي تحمل في حروفها القليلة معنى الحياة كلّها، وتفتح أبواب الرضا، وتسكب على القلوب نور الطمأنينة، وتُعيد إلى الروح توازنها حين تختلّ بفعل الكروب أو تغترّ بسطوة النعم.

إنّ "الحمد لله" ليست جملة تُقال وتُنسى، ولا شعارًا يُردَّد في المناسبات، بل هي حالة من الوعي الكامل بنعمة الوجود، وعمق الإدراك لفيض العطاء الإلهي المتجدد في كل لحظة. هي جملة تجمع بين الثناء على الله سبحانه وتعالى على ما كان، والدعاء بما نرجوه مما سيكون. وإذا كان الشكر يُقال على المعروف، فإنّ الحمد أوسع، فهو يشمل الشكر والثناء معًا، حتى وإن لم يظهر وجه النعمة ظاهرًا، فإنّ الحمد يعلو كل الأحداث، ويُزيّن كل اللحظات، ويُعلن أنّ الإنسان الذي يحمد قد فقه سرّ الحكمة، وفهم معنى الابتلاء، وأدرك الغاية من الوجود.

الحمد لله... تبدأ بها كل سورة من سور القرآن الكريم تقريبًا، وكأنّها المفتاح الذي تفتتح به الحياة والعبادة والفهم، فهي لحن الوجود الذي يتكرر في قلوب المؤمنين، ويرتقي بهم من ضيق الدنيا إلى سعة الإيمان، ومن ضجيج الغفلة إلى سكون التسليم.

وما أروع أن يكون الحمد مِلء الفؤاد، قبل أن يكون على اللسان، حين يصبح عادة قلبية تلقائية، لا تحتاج إلى محفّز خارجي ولا حدث استثنائي. حين تحمد ربك وأنت في أوج عطائك، ثم تحمده إذا ما ضاقت عليك السبل، وترددها في الشدة والرخاء، وتكتب بها ختام يومك، وتستفتح بها صباحك، فأنت إنما تضع روحك في مقام العبودية الرفيعة التي تليق بالمؤمنين الصادقين.

الحمد لله في السقم والصحة، في الخوف والأمن، في الكفاف والغنى، في الحزن والفرح، في الغيب والظهور، في السر والعلانية، في الضعف والقوة، في كل لحظة تمر من العمر تحمل في طيّاتها معنى من معاني الألوهية، ورمزًا من رموز العطاء الإلهي. فما من لحظة في حياة العبد إلا ولله فيها فضل ظاهر أو خفي، يُوجب الحمد مهما كان حال العبد، ومهما بدا له من تقلبات الحياة.

وإنّ العجيب أن كثيرًا من الناس يغفلون عن أن الحمد ليس فقط شكرًا لما مضى، بل هو استبشارٌ بما هو آتٍ. فمن يقول "الحمد لله" في أول الطريق، فإنه يفتح بوابة النور نحو آخره، ويرسل رسالة إلى السماء بأنه مؤمن بأن الخير قادم، وبأن الفرج قريب، وبأن الله لا يُضيع عباده ما داموا يحمدونه ويذكرونه ويخشونه.

إنّ القلب الحامد لا يذبل، والروح الحامدة لا تضعف، لأن الحمد يحمل في داخله طاقة نورانية تحمي من الانهيار، وتصون من الشك، وتقي من الجحود. ولهذا، كان الحمد أول كلمة علّمها الله للخلق، وبه بدأ كتابه، وبه تُختم الصلاة، وهو مفتاح الدعاء، وبه تُختم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما قاله في أحرج لحظات الدعوة وأصعب محطاتها: "الحمد لله على كل حال".

وإذا كان الثناء هو امتداد الحمد في سجلات القلب، فإن الدعاء هو امتداده في السماء. وما أجمل أن يجمع المؤمن بين الثناء والدعاء في كل لفظ: أن تحمد ربك على ما أعطى، وتدعوه ليُكمل فضله، ويزيدك من عطاءه، ويحفظك من الزلل بعد النعمة، أو يُثبتك بالصبر في وجه البلاء.

ولذلك، فإنّ "الحمد لله" ليست كلمة محايدة، بل هي قرار روحي، واختيار وعي، وإعلان ولاء لله وحده، في عالمٍ تتجاذبك فيه القوى وتُشتّتك فيه الغايات. هي ملجأك حين تخذلك الأبواب، ومرفأك حين تتقاذفك أمواج الحياة، وسندك حين تفتقر إلى ما يُعينك من الناس.

وما أكرم من يحيا بالحمد، ويتنفس به، ويتعامل مع الآخرين انطلاقًا منه. فإنّ الإنسان الحامد لا يعرف الحقد، لأنه مشغول بعدّ النعم، ولا يعرف الجشع، لأنه راضٍ بما كتب الله له، ولا يعرف اليأس، لأنه يثق أن كل حالٍ يحمد عليه له حكمة، وأن وراء كل ألم لطفًا لا يُدركه إلا من اختار الحمد طريقة حياة.

الحمد لله... كلمة خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان، لا يعرف قيمتها إلا من جرّب ألم الفقد، ومرارة الانتظار، وساعات الضيق، واختار وسط ذلك كله أن يقول: "الحمد لله"، لا عن ضعفٍ، بل عن يقين، لا عن جهلٍ، بل عن علم، لا عن استسلام، بل عن إيمانٍ بأن الأمور كلها بيد من لا يُخطئ التدبير، ولا تغيب عنه تفاصيل المصائر.

في لحظات الحياة الفاصلة، حين تتهاوى التوقعات، وتتبدد الأحلام، وتُغلق الأبواب، لا يثبت إلا من عمّق في قلبه "الحمد لله". لأن الحمد يُعيد ترتيب الفوضى، ويُرمم ما تهدّم في النفس، ويمنح القلب سكينة تشبه المعجزة.

وفي الختام، لا يسعني إلا أن أقول:
الحمد لله دائمًا وأبدًا، حمدًا يُليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، حمدًا يبلغ نعمته ويكافئ مزيده، حمدًا لا يُحصيه قلم، ولا يُحدّه لسان، ولا يملّه القلب مهما تكرّر.

أشكر كل من مرّ من هنا، وكل من خصّنا بدعوة طيبة، أو كلمة مشجعة، أو قراءة متأملة.
والشكر موصول لإدارة الموقع الموقرة، وللأخ الكريم، ولقلوبكم النقية التي تحتضن الكلمات بحب وصدق.

تحياتي / إحساس غالي

#الحمد_لله #الثناء_على_الله #نعمة_الرضا #سر_السكينة

#الدعاء_والتسليم #الإيمان_بالقدر #الحمد_في_البلاء

#الطمأنينة_الداخلية #الوعي_الروحاني

0📊0👍0👏0👌
dolasar

  • المشاركات:
    107046
مشرف عالم المسرح
أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
أفضل عضو لشهر الماضي بمنتدى الشبكات الترفيهية
dolasar

مشرف عالم المسرح
أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
أفضل عضو لشهر الماضي بمنتدى الشبكات الترفيهية
المشاركات: 107046
معدل المشاركات يوميا: 17.3
الأيام منذ الإنضمام: 6177
  • 11:13 - 2025/05/27
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
جزاك الله خيرا اخى الكريم
.............
0📊0👍0👏0👌
اخدم شغلك صديقي

  • المشاركات: 523197
    نقاط التميز: 847362
مشرف سابق
أفضل عضو بمنتدى سير الأنبياء وأعلام الامة
اخدم شغلك صديقي

مشرف سابق
أفضل عضو بمنتدى سير الأنبياء وأعلام الامة
المشاركات: 523197
نقاط التميز: 847362
معدل المشاركات يوميا: 139.4
الأيام منذ الإنضمام: 3753
  • 17:36 - 2025/05/27
بٌأًرًڳّ أِلٌلُهً فَيٌڳّ عِلٌى أَلِمًوُضِوًعَ أٌلّقِيُمّ ۇۈۉأٌلُمِمّيِزُ

وُفّيُ أٌنِتُظٌأًرِ جّدًيًدّڳّ أِلّأَرّوّعٌ وِأًلِمًمًيِزَ

لًڳَ مِنٌيّ أٌجَمًلٌ أِلًتَحِيُأٌتِ

وُڳِلً أِلٌتَوَفّيُقٌ لُڳِ يّأِ رٌبِ
الزير
0📊0👍0👏0👌

الرد على المواضيع متوفر للأعضاء فقط.

الرجاء الدخول بعضويتك أو التسجيل بعضوية جديدة.

  • إسم العضوية: 
  • الكلمة السرية: 

 الحمد لله.. ثناء ودعاءبداية
الصفحة