أهلا و مرحبا بك عبد الله و شكرا لك على تواجدك و حضورك الكريم،صدق عبد الله قرأت كتاب في السابق عن الذكاء العاطفي و مؤلفه أمريكي و انظر للكم و الاهتمام الذي يوليه لهذا الأمر عندما يدلل عليه و يذكر حالات الخلاف سواء في العمل أو بين الأزواج و أساسا هذا المصطلح نبع من عندهم و ثقافتهم،أيضا في كتاب الكورس الذي يعلم اللغة الألمانية الذي قرأته سابقا عندما كنت أتعلمها كان فصل كامل عن العلاقات و ما يهم الرجل و المرأة و لا تصدق كم التركيز على فكرة العاطفة و الاهتمام و الاحترام الذي يطلبه كل طرف في الطرف الآخر بشكل فاجأني خاصة أنني كنت أظن أن الشعب الألماني شعب بارد و جلف كما أخبرني بعض من عاش في ألمانيا،و لم أتوقع التركيز على جانب الحنان و العاطفة و الاهتمام لهذه الدرجة و الاهتمام به ليس عند المرأة فقط بل حتى عند الرجل أيضا فحالات طلاق و انفصال تحدث بسبب نقص هذا الجانب حتى لو كان الطرف الآخر مثالي من الناحية الجمالية و المالية،و في صفحات التعارف يصرح من يضع التعريف عن نفسه و بماذا يرغب أنه يرغب في شريك يعطيه العاطفة و الاهتمام و أن الناحية الشكلية و المالية لا تعنيه و يقول بصراحة أنه يرفض من لا يملك العاطفة و الاهتمام،فاكتشفت أنني ألماني أكثر من الألمان أنفسهم!فالأوروبيين بشر عاديين مثلهم مثل باقي البشر فيهم العاطفي الحباب و الجلف و بين ذلك أشكال ألوان
و مع ذلك أظن أن الأوروبيين و الأمريكان أكثر عملية و اتزانا من العرب و أن عقلانيتهم تطغى على عاطفيتهم سواء سلبا أم إيجابا و ليس لديهم الدفء و الحرص على العلاقات الاجتماعية كالتي لدينا و مما يساهم في ذلك ثقافة الفردانية التي لديهم،أحد الأطباء الذين دخلوا الحقل السياسي و الشرعي كنت أسمع له ذات مرة شرح لكلام عمرو بن العاص رضي الله عنه عن وصفه للروم و أنهم أحلم الناس عند مصيبة فقد كان هذا الطبيب يختص ببريطانيا و يقول فعلا الإنجليز لديهم تماسك في التعامل مع خبر الإصابة بالأمراض أكثر من العرب،و أنه عندما يخبر الطبيب المريض بأنه مصاب بالسرطان أو أن أيامه معدودة و سيموت بعدها فتجد المريض يتأثر لكنه في نفس الوقت يتقبل الخبر و يتماسك تماسك عجيب لا يبكي و لا ينهار و لا يرتجف و لا يبدو عليه أي تأثر مبالغ فيه و هناك الطبيب يخبر المريض نفسه بشكل مباشر،بينما لدينا لف و دوران و لا يخبر الطبيب المريض نفسه بل يخبر أقارب المريض بعدما يأخذهم على جنب و يعمل لهم ألف تمهيد و مقدمة و تلطيف و بعد ذلك كله يخفون الخبر عن قريبهم و لا يخبرونه و ربما يموت المريض نفسه و هو لا يعرف أنه مصاب بالسرطان!أتذكر جدتي رحمها الله عندما ماتت بالسرطان كيف كانت تتحايل أمي و خالاتي كي لا يخبروها أنها مصابة بسرطان لا أمل في شفائه و كيف كانت تجري بينهن المداولات و النقاشات من أجل أن يؤملوها و لا يقولون لها شيء و كيف كن يتفقن مع الأطباء عندما كانت تتلقى العلاج في إخفاء الخبر عنها و أن معها بوليبات و ليس سرطان!و كيف كانت أمي تنبهنا ألا تأتي سيرة السرطان أمام جدتي على لساننا و أن نتعامل معها بشكل طبيعي جدا!مع أنها كانت تتلقى علاج و أدوية السرطان و كل ما تعانيه من أعراض هي أعراض السرطان و الأمر واضح وضوح الشمس،و مع ذلك فلا هي ترغب في السؤال و الاستقصاء بجدية و ترغب في أن يبقى أمل أنها ليست مصابة به حتى لو كان كاذب و غير حقيقي رغم أنها تعرف أن معها أعراض السرطان فهي لا تخفى عليها هذه الأمور،و أمي و خالاتي يتحاشين إخبارها لكي لا تتدمر نفسيتها و لا تتأذى مشاعرها و كي لا تفقد الأمل،و في النهاية كتبت وصيتها أثناء دخولها في حالات الإغماء قبل موتها بعدة أيام و لا أعرف هل أخبروها في النهاية أنها مصابة بالسرطان في هذه الفترة أم لا
و لدي أحد أقربائي عمل في شركة هولندية و قال لي أن مديره هولندي و أنه حباب جدا عندما يجلس معه على الطاولة أثناء الغداء و تعامله لطيف و ودي،لكنه أثناء العمل ينقلب لشخص آخر تماما و كأنه لم يعرفه في حياته و كأنه لا شيء ودي حصل بينهما أبدا فهو صارم و شديد جدا لحد القسوة في الجدية في تنفيذ العمل و الضغط على الموظفين و المحاسبة على الأخطاء و شديد العصبية و يصل الأمر معه لحد الصراخ و توجيه الإهانات
أتذكر أحد أساتذة اللغة الإنجليزية الذين درسوني لخص الأمر كله و قال الفرق بيننا و بين الأجانب أنهم عندهم الجد جد و اللعب لعب،فهم يلعبون و يلهون و يسكرون و يخبصون لكن في الوقت المخصص لذلك و لا يخلطون اللعب و المزح بالجد عندهم وقت الدراسة دراسة و وقت العمل عمل و وقت الكازينو رقص و شرب و سكر،بينما نحن عندنا كل الحياة ضحك و لعب و مزح و نخلط الأوقات التي يجب أن نكون جادين فيها باللهو و اللعب
شكرا عبد الله على إبدائك لرأيك و مرورك الجميل و دعمك و تشجيعك المتواصل نورت و شرفت الموضوع و تحياتي لك