لام شمسية.. قضية جدلية وانتصار للعدالة

ياسمين باشات

لام شمسية ولام قمرية، واحدة نقولها وواحدة خفية، زي السر وزي الذنب، والقمرية لام منطوقة". من خلال هذا النشيد المدرسي، لخصت الكاتبة مريم نعوموالمخرج كريم الشناوي معنى مسلسل لام شمسية، ولو استرجعنا ذاكرتنا منذ أيام المرحلة الابتدائية، لوجدنا أن اللام الشمسية هي لام غير منطوقة، من الممكن الاستغناء عنها في الكلام، بما معناه كل ما هو مسكوت عنه أو مخفى في الأعماق، مثلما اختار المخرج أمير رمسيس اسم فيلمه حظر تجول، الذي تناول قضية مشابهة وهي زنا المحارم. من خلال مسلسل لام شمسية، اقتحم صناع العمل مناطق محظورة في غاية الحساسية، مثل مشرط الجراح، ما يُعتبر بمثابة صرخة أو صفعة على وجه المجتمع، سواء من الأهالي أو الأصدقاء، حيث تناول قضية التحرش بالأطفال، وذلك من خلال شخصية محمد شاهين المصاب بمرض يُطلق عليه بيدوفيليا أو اضطراب اشتهاء الأطفال، والذي يعد واحدا من أخطر الأمراض التي تلحق ضررا بالغا بنفسية الأطفال، والسؤال هنا: نحن كمجتمع ينظر للأمور بمعايير مزدوجة، هل نغلق أعيينا وندفن رؤوسنا في الرمال مثل النعام أم نصرخ بأعلى ما لدينا من صوت مستنجدين بمن حولنا؟ وبالفعل تم الإجابة عن هذا السؤال من خلال مشهد محوري في غاية الأهمية بين أمينة خليل والطفل الصغير، عندما شبهت ما حدث له بالوقوع بداخل بالوعة، وأن كل ما يستطيع فعله هو الاستغاثة بأعلى صوت طالبا النجدة. بدأت أول رسالة مباشرة من صناع العمل من الحلقة الأولى، وهي أن الخطر من الممكن أن يكون أقرب مما نتصور، حيث إن محمد شاهين أستاذ جامعي وشخصية مرموقة ومحبوبة في المجتمع بين الطلاب والتلاميذ، ومن المحال أن تثار الشبهات نحوه، وبدأت الأحداث ملتهبة منذ نهاية الحلقة الأولى بمشهد محاولة محمد شاهين التحرش بالطفل، مما تم تنفيذه بحرفية شديدة دون خدش الحياء أو مشاعر مبتذلة، ثم بدأت الأحداث تتصاعد بشكل تدريجي منضبط، والتي تتمثل في اختلال سلوكيات الطفل، سواء في نظرات عينيه أو ميوله العدوانية التي بدأت تظهر في جميع تصرفاته، وتوالت أحداث العمل من خلال الطفل وتطوُّر حالته وتصرفات أسرته الحائرة بين قبول ورفض تصديق الحدث، حتى تأكدت أمينة خليل وأحمد السعدني من ثبوت واقعة التحرش، فقررت أمينة خليل إعلان ما حدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فتحول الأمر إلى مباراة بين مؤيدي ومعارضي طرح الموضوع، ثم رفع دعوى قضائية ضد محمد شاهين. اهتم جميع صناع العمل وعلى رأسهم المخرج كريم الشناوي بأدق تفاصيل العمل، وعلى رأس هذه التفاصيل الإضاءة الخافتة، والتي كانت المحرك الرئيسي المساهم في بث الأجواء القاتمة للعمل، والتي تم إنارتها في الحلقة الأخيرة بعد تفجير القضية وإيصال الرسالة إلى النور، ولذلك تم اختيار اسم لام قمرية عنوانًا للحلقة الأخيرة، والمقصود بها اللام المنطوقة، التي لن يتم السكوت عنها بعد ذلك. تميزت الحلقة الأخيرة بعدة مميزات، على رأسها الأداء التمثيلي للجميع، وعلى رأسهم القاضي كمال أبو رية، الذي أثبت أن أهمية الدور ليست في حجمه أو مساحته، فقد استطاع بحكمته وخبرة سنواته في العمل أن يمثل دور القاضي العادل بحكمته ووقاره ونصائحه التي وجهها إلى الأهالي في ساحة المحكمة، بالاستماع إلى أبنائهم واحتوائهم، بعد استماعه إلى شهادة الطفل التي اهتزت لها المشاعر، والتي أداها ببساطة وبراءة الأطفال، بين الصمت والحديث، مما ينقلنا إلى مشهد آخر، وهو احتضان أسرة الطفل له عقب الإدلاء بشهادته، بالإضافة إلى نظرات محمد شاهين بعد الحكم عليه، والتي جاءت معبرة دون التفوه بأي كلمة، وأما عن نشيد اسلمي يا مصر في نهاية الحلقة، والذي اختلفت عليه الآراء، فهو في النهاية انتصار للعدالة والحق.