بســـــــــم الله الرحمــــــن الرحيـــــم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومـن سيئـات أعمـالنـا مـن يهـده الله فـلا مضل له ومن يضلل فلا هـادي لـه
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسولـه
أما بعد .....
● أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
سورة البقرة
▪ قوله تعالى : ( الطلاق مرتان ) ج14
أخرج البخاري حديث عمرو بن تغلب النمري ، ويقال العبدي ولم يرو عنه غير الحسن البصري هذا مراده . وقد ذكر ابن أبي حاتم أن عمرو بن تغلب روى عنه أيضا الحكم بن الأعرج ، قاله ابن حجر ، وابن عبد البر وغيرهما .
والحاصل أن حديث طاوس ثابت في " صحيح مسلم " بسند صحيح ، وما كان كذلك لا يمكن تضعيفه إلا بأمر واضح ، نعم لقائل أن يقول : إن خبر الآحاد إذا كانت الدواعي متوفرة إلى نقله ولم ينقله إلا واحد ونحوه ، أن ذلك يدل على عدم صحته . ووجهه أن توفر الدواعي يلزم منه أن النقل تواترا والاشتهار ، فإن لم يشتهر دل على أنه لم يقع ; لأن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم ، وهذه قاعدة مقررة في الأصول ، أشار إليها في " مراقي السعود " بقوله عاطفا على ما يحكم فيه بعدم صحة الخبر :
وخبر الآحاد في السني حيث دواعي نقله تواترا
نرى لها لو قاله تقررا
وجزم بها غير واحد من الأصوليين ، وقال صاحب " جمع الجوامع " عاطفا على ما يجزم فيه بعدم صحة الخبر . والمنقول آحادا فيما تتوفر الدواعي إلى نقله خلافا للرافضة . اهـ منه بلفظه .
ومراده أن مما يجزم بعدم صحته الخبر المنقول آحادا مع توفر الدواعي إلى نقله .
وقال ابن الحاجب في " مختصره الأصولي " مسألة : إذا انفرد واحد فيما يتوفر الدواعي إلى نقله ، وقد شاركه خلق كثير . كما لو انفرد واحد بقتل خطيب على المنبر في مدينة فهو كاذب قطعا خلافا للشيعة . اهـ محل الغرض منه بلفظه . وفي المسألة مناقشات وأجوبة عنها معروفة في الأصول .
قال مقيده عفا الله عنه : ولا شك أنه على القول بأن معنى حديث طاوس المذكور أن الثلاث بلفظ واحد كانت تجعل واحدة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وصدرا من خلافة عمر ، ثم إن عمر غير ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون في زمن أبي بكر ، وعامة الصحابة أو جلهم يعلمون ذلك . فالدواعي إلى نقل ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون من بعده ، متوفرة توفرا لا يمكن إنكاره ، لأن يرد بذلك التغيير الذي أحدثه عمر فسكوت جميع الصحابة عنه وكون ذلك لم ينقل منه حرف عن غير ابن عباس ، يدل دلالة واضحة على أحد أمرين : أحدهما : أن حديث طاوس الذي رواه عن ابن عباس ليس معناه أنها بلفظ واحد ، بل بثلاثة ألفاظ في وقت واحد كما قدمنا ، وكما جزم به النسائي ، وصححه النووي والقرطبي وابن سريج . وعليه فلا إشكال ; لأن تغيير عمر للحكم مبني على تغيير قصدهم ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " فمن قال أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ، ونوى التأكيد فواحدة ، وإن نوى الاستئناف بكل واحدة فثلاث . واختلاف محامل اللفظ الواحد لاختلاف نيات اللافظين به لا إشكال فيه ; لقوله صلى الله عليه وسلم: " وإنما لكل امرئ ما نوى " .
والثاني : أن يكون الحديث غير محكوم بصحته لنقله آحادا مع توفر الدواعي إلى نقله ، والأول أولى وأخف من الثاني ، وقال القرطبي في المفهم في الكلام على حديث طاوس المذكور : وظاهر سياقه يقتضي عن جميعهم أن معظمهم كانوا يرون ذلك ، والعادة في مثل هذا أن يفشو الحكم وينتشر فكيف ينفرد به واحد عن واحد ؟ قال : فهذا الوجه يقتضي التوقف عن العمل بظاهره ، إن لم يقتض القطع ببطلانه . اهـ منه بواسطة نقل ابن حجر في " فتح الباري " عنه ، وهو قوي جدا بحسب المقرر في الأصول كما ترى.
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن