تفسير الآيات التي تتحدث عن السلام في القرآن الكريم والسنّة النبوية: قيم راسخة وأسس ثابتة
بقلم:
مقدمة:
السلام في الإسلام ليس مجرد تحية تُقال، ولا شعار يُرفع، بل هو جوهر الرسالة، وروح الشريعة، وغاية من غايات الاستخلاف في الأرض. جاء الإسلام من جذر الكلمة "سلم"، التي تدل على الأمان والاستقرار والطمأنينة، فكان السلام شعار المؤمنين، ودعوة الأنبياء، وعهدًا إلهيًا للمجتمعات.
وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تُمجّد السلام، وتجعله قيمة عليا من قيم الإيمان، وكذلك تزخر السنة النبوية الشريفة بأحاديث تجعل السلام سلوكًا يوميًا، ومنهجًا إنسانيًا، وطريقًا نحو الجنة.
أولًا: السلام في القرآن الكريم
- السلام اسم من أسماء الله وصفة من صفاته
قال تعالى:
﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ﴾
(الحشر: 23)
في هذه الآية يُظهر الله عز وجل نفسه بصفة "السلام"، أي مصدر السلام، ومنبع الأمان، وسيد الطمأنينة. فمن اتصل بالله، عاش في كنف السلام، ومن سار على هداه، استقرّت نفسه في الطمأنينة.
- دعوة أهل الجنة بالسلام
قال تعالى:
﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
(الأنعام: 127)
دار السلام هي الجنة، حيث الأمن التام، والطمأنينة الكاملة، والسكينة الأبدية. إنها وعد الله للذين اختاروا السلام في الدنيا طريقًا، فساروا بقلوب سليمة، وأيدٍ لا تؤذي، وألسن لا تفتري.
- التحية بين المؤمنين شعار سلام
قال تعالى:
﴿فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾
(النور: 61)
السلام تحية المؤمنين، ومفتاح العلاقات الطيبة، وشعار التواصل الحضاري. وقد أمر الله بها كوسيلة نشر الأمان بين الناس، ووصفها بأنها "تحية من عند الله".
- السلام موقفٌ من الاختلاف
قال تعالى:
﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾
(الأنفال: 61)
هذه الآية تُظهر موقف الإسلام من النزاعات والعداوات، فحين يُبدي العدو رغبة في السلام، يجب على المؤمن أن يستجيب، ويُغلب منطق الرحمة على منطق الانتقام. إنه مبدأ راقٍ ينطلق من السعي إلى بناء مجتمع متصالح، لا حروب فيه إلا للدفاع لا للعدوان.
- السلام دعاء الملائكة للمؤمنين
قال تعالى:
﴿سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾
(الرعد: 24)
الملائكة تُخاطب المؤمنين بهذا الدعاء حين يدخلون الجنة، دلالة على أن الصبر والسلام هما طريق الفوز الأبدي، وأن السلام هو أول ما يُقال لأهل الجنة.
ثانيًا: السلام في السنّة النبوية الشريفة
- السلام سبب لدخول الجنة
عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
«يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام»
(رواه الترمذي، وصححه الألباني)
هذا الحديث يُبيّن أن السلام ليس كلمة فحسب، بل مفتاح لطمأنينة المجتمع، وبوابة للجنة، وأحد أركان السلوك الإسلامي السليم.
- السلام من حق المسلم على أخيه
قال رسول الله ﷺ:
«حقّ المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيته فسلِّم عليه...»
(رواه مسلم)
السلام أول الحقوق، وأبسطها، لكنه أعظمها أثرًا. فبه تبدأ العلاقة الطيبة، وبه تُرفع الكراهية، وبه تُصان النفس.
- السلام يُذهب الشحناء
قال النبي ﷺ:
«ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»
(رواه مسلم)
كم من نفوس متنافرة، تقاربت بسلام صادق، وكم من قلوب حاقدة، لانَتْ بتحية نابعة من نية نقية. إن السلام وسيلة بناء لا مجرد عادة اجتماعية.
ثالثًا: السلام كمنهج حياة
من خلال القرآن والسنة، يتضح أن السلام ليس مجرد فعل لحظي، بل فلسفة وجودية في الإسلام، يُطلب من المسلم أن يعيشها في:
- قلبه: فلا يحمل بغضًا أو حقدًا.
- لسانه: فلا ينطق بما يؤذي.
- يده: فلا يبطش أو يفسد.
- حياته اليومية: في بيته، وعمله، وطريقه، وتعامله مع الناس، حتى مع من يختلف معهم.
وكلما تعمق هذا المفهوم، كلما زادت جودة العلاقات، وساد الوئام، وزال التوتر المجتمعي، واتسعت دائرة الأمن النفسي والاجتماعي.
خاتمة:
السلام ليس مجرد قيمة إيمانية، بل هو قاعدة متينة تبني عليها المجتمعات أمنها، وتُقيم به حضارتها. الإسلام جاء ليزرع السلام في الأرض، ويُخرج الناس من الصراع إلى التعاون، ومن العداوة إلى الرحمة، ومن الخوف إلى الطمأنينة.
ولذلك، فإن التفسير الحقيقي للآيات والأحاديث التي تتحدث عن السلام لا يكون فقط في شرح المعنى، بل في أن نُترجمها إلى سلوك يومي يفيض بالرحمة، ويعكس جوهر الإسلام في أرقى صوره.
فطوبى لمن جعل السلام مبدأه، لا ردّة فعله، ومنهج حياته، لا مجرد تحيّته.
المصادر:
- القرآن الكريم – تفسير ابن كثير.
- صحيح مسلم – كتاب الإيمان.
- سنن الترمذي – أبواب البر والصلة.
- "التحية في الإسلام وأثرها في السلم الاجتماعي" – بحث منشور في مجلة الدراسات الإسلامية.
- رياض الصالحين – الإمام النووي.