بســـــــــم الله الرحمــــــن الرحيـــــم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومـن سيئـات أعمـالنـا مـن يهـده الله فـلا مضل له ومن يضلل فلا هـادي لـه
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسولـه
أما بعد .....
● أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
سورة البقرة
▪ قوله تعالى : ( الطلاق مرتان ) ج11
من الغريب أن يسلم منصف إمكان النسخ في إحداهما ، ويدعي استحالته في الأخرى ، مع أن كلا منهما روى مسلم فيها عن صحابي جليل : أن ذلك الأمر كان يفعل في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر ، في مسألة تتعلق بالفروج ثم غيره عمر .
ومن أجاز نسخ نكاح المتعة ، وأحال نسخ جعل الثلاث واحدة ، يقال له : ما لبائك تجر وبائي لا تجر ؟ فإن قيل : نكاح المتعة صح النص بنسخه قلنا : قد رأيت الروايات المتقدمة بنسخ المراجعة بعد الثلاث ، وممن جزم بنسخ جعل الثلاث واحدة ، الإمام أبو داود - رحمه الله تعالى - ورأى أن جعلها واحدة إنما هو في الزمن الذي كان يرتجع فيه بعد ثلاث تطليقات وأكثر ، قال في " سننه " : " باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث " ثم ساق بسنده حديث ابن عباس قال : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن الآية [ 2 \ 228 ] وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك ، وقال : الطلاق مرتان الآية . وأخرج نحوه النسائي وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد ، قال فيه ابن حجر في " التقريب " : صدوق يهم ، وروى مالك في " الموطأ " عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه قال : كان الرجل إذا طلق امرأته ، ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له ، وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا أشرفت على انقضاء عدتها راجعها ، ثم قال : لا آويك ولا أطلقك ، فأنزل الله : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ ، من كان طلق منهم أو لم يطلق .
ويؤيد هذا أن عمر لم ينكر عليه أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إيقاع الثلاث دفعة مع كثرتهم وعلمهم ، وورعهم ، ويؤيده : أن كثيرا جدا من الصحابة الأجلاء العلماء صح عنهم القول بذلك ، كابن عباس ، وعمر ، وابن عمر ، وخلق لا يحصى .
والناسخ الذي نسخ المراجعة بعد الثلاث ، قال بعض العلماء : إنه قوله تعالى : الطلاق مرتان كما جاء مبينا في الروايات المتقدمة ، ولا مانع عقلا ولا عادة من أن يجهل مثل هذا الناسخ كثير من الناس إلى خلافة عمر ، مع أنه صلى الله عليه وسلم صرح بنسخها وتحريمها إلى يوم القيامة في غزوة الفتح ، وفي حجة الوداع أيضا ، كما جاء في رواية عند مسلم .
ومع أن القرآن دل على تحريم غير الزوجة والسرية بقوله : ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ) [ 23 \ 5 ، 6 ] ومعلوم أن المرأة المتمتع بها ليست بزوجة ولا سرية كما يأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في سورة " النساء " في الكلام على قوله تعالى : فما استمتعتم به منهن الآية [ 4 \ 24 ] والذين قالوا : بالنسخ قالوا : في معنى قول عمر : إن الناس استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، أن المراد بالأناة أنهم كانوا يتأنون في الطلاق فلا يوقعون الثلاث في وقت واحد . ومعنى استعجالهم أنهم صاروا يوقعونها بلفظ واحد ، على القول بأن ذلك هو معنى الحديث ، وقد قدمنا أنه لا يتعين كونه هو معناه ، وإمضاؤه له عليهم إذن هو اللازم ، ولا ينافيه قوله فلو أمضيناه عليهم ، يعني ألزمناهم بمقتضى ما قالوا ، ونظيره : قول جابر عند مسلم في نكاح المتعة : فنهانا عنها عمر . فظاهر كل منهما أنه اجتهاد من عمر ، والنسخ ثابت فيهما معا كما رأيت ، وليست الأناة في المنسوخ ، وإنما هي في عدم الاستعجال بإيقاع الثلاث دفعة . وعلى القول الأول : إن المراد بالثلاث التي كانت تجعل واحدة ، أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق . فالظاهر في إمضائه لها عليهم أنه من حيث تغير قصدهم من التأكيد إلى التأسيس كما تقدم ، ولا إشكال في ذلك .
أما كون عمر كان يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجعل الثلاث بلفظ واحد واحدة ، فتعمد مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعلها ثلاثا ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، فلا يخفى بعده، والعلم عند الله تعالى.
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن