- "كانت الحياة جميلة وبسيطة. تمر ببطء بحيث تبقى الذكريات عالقة في الأذهان مدة طويلة.. أما في وقتنا الحاضر، عصر السرعة والتكنولوجيا، أصبح الزمن متقارباً جداً فلا وقت ولا ذكريات ولا قيمة أو متعة لأي شيء."اقتباس من أحد المتابعين لهذا الانمي.
هذا الانمي القديم ليس محض رسوم متحركة يُقدم في التلفزيون في فقرة الأطفال. إنه تحفة فنية. كيف لا وهو يقدم قيمة العائلة النواة: الأب الطبيب، الرجل المحب، الزوج المتفهم، والأب الحامي لأبنائه. الأم العطوف الحازمة، الزوجة التي تحترم زوجها، والأم الرقيقة التي تخرج من مألوف طبعها الهادئ كحمل السلاح لحماية أطفالها. الابن المطيع الذي يعاون ويساعد، الأخ المحب. البنت التي تفتخر بأبيها وتسمع كلمة أمها، الأخت المحبة لأخيها، والتي تنشر في البيت أجواء السعادة والمرح.
تتبدى أمامي أول ملاحظة قيمة لي وهي الأب الطبيب الذي يضع مهنة الطب في قلبه وبين جناحي ضميره. يترك موطنه سويسرا (المرضى الأغنياء الذين يعانون من السمنة وداء السكري من كثرة أكل الحلويات) ويسافر إلى بلد لا يعرفه (أستراليا آنذاك كانت دولة نامية)؛ لرعاية المرضى الفقراء هناك. اليوم أصبح حتى الطب تجارة ومظهر اجتماعي. شتان بين القيمة التي يقدمها هذا الانمي من خلال شخصية الأب وبين ما نراه اليوم في الأطباء اللاهثين خلف جمع المال، إلا من رحم ربي.
في البحر تهب عاصفة تُغرق السفينة، وتنجو عائلة الطبيب وليس أحد سواها. وينتقلون إلى جزيرة نائية. يكافحون للتكيف مع الظروف الجديدة ولا يرفعون الراية البيضاء طالما كانوا ذاهبين بملء إرادتهم إلى أستراليا من أجل الهدف النبيل؛ فعليهم تحمل عواقب قرارهم. إنهم لم يقولوا: لو لم نسافر لما حدث ما حدث! إنه الايمان بالنصيب والتسليم للقدر.
اكتشفوا بيئتهم الجديدة (الجزيرة) عرفوا كنوزها وأخطارها، فاستغلوا كنوزها وتجنبوا مخاطرها. بنوا بيتهم فوق شجرة. كان الأب والأم بدافع من الإحساس بالمسؤولية أصرا على ضرورة مواظبة الأطفال على التعلم (القراءة والكتابة) لأهمية التعليم حتى ولو كانوا يعيشون في جزيرة معزولة مع احتمال بقائهم إلى نهاية عمرهم وموتهم فيها. لكن لا يأس مع العلم، ولا علم معه يأس.
الأم لأنها فلاحة تبني حقلا يأكلون منه. الأرض هي الطعام. يعلمون الصغار أهمية انبات الأرض والعلاقة مع الطعام منذ أن يكون بذوراً ثم ثماراً فحصاداً.
في غضون ذلك يبني الأب ويساعده ابنه الكبير في بناء السفينة. تلك السفينة التي هي هيكل أولي لسفينة صالحة للإبحار بهم بمعية السيد مورتون.
في أوقات الشدة يتعاضد الغرباء بعضهم ببعض، كما حدث مع الطبيب والسيد مورتون. الشدة والمحنة يعلمانك كيف تكسب صديقا من حيث لا تعلم.
وهناك أيضا الولد تومي، وهو مراهق. كان تومي أسمر البشرة من السكان الأصليين لأستراليا. قُتل والداه على يد المستوطنين البيض. من حينها وتومي يكره أصحاب البشرة البيضاء من قارة أوربا. لكن بفضل معاملة السيد مورتون الأبوية له تجاوز كرهه وحقده وبدء يُثمر المعروف في قلبه، وأيقن أن الناس ليس كلهم على ذات الأخلاق؛ فهناك الطيب وهناك السيء. وأصحاب البشرة البيضاء لَيْسوا مستثنيين من هذا القول. اعمل خيراً تجد خيراً، واعمل شراً تجد شراً.
من المعلومات التي تعلمتها من انمي فلونة:
هذا الانمي صالح للصغار والكبار، لا تشعر بالحرج عندما تتابعه وأنت كبير.
الطعام والماء نعمة لا تُقدر بثمن
الصبر والتحمل وعدم اليأس
الحياة في الطبيعة رائعة لكن عليك تحمل ثمنها الباهظ.
وقت الأزمات عليك الاستفادة من مواهبك، ومهاراتك، ومعارفك للنجاة. لذلك كم هو جميل استغلال وقت الأمان لتحصيل ما يمكنك تحصيله.
عرفت كيف يشعلون النار.
عرفت كيف يُستخرج المطاط، وكيف تُصنع الشمعة، وكيف يُصنع الملح، وكيف يُستخرج السكر من قصب السكر.
الحساب مهم للملاحين: عدد الركاب، عدد الغرف، الطول والوزن.
كيف تُستعمل البوصلة، وكيفية التنبؤ بالطقس.
أخيراً أحب أن أختم هذا المقال في القول: رسومات أيام زمان، كان التلفزيون يُنمي عقل الطفل وجعله مثقفاً واعياً. بعكس ما نراه اليوم وما يذاع للطفل.
رغم أنني لم أتابع سلسلة فلونة، فإن مقالك جعلني أشعر وكأني عشت التجربة بكل تفاصيلها وبكل لحظاتها العاطفية وأبعادها الإنسانية ورسائلها التربوية العميقة.
أسلوبكَ في السرد جعل من سلسلة كرتونية، عملا أدبيا يحمل قيما ومبادئ لا تُقدّر بثمن. لقد أحسنتَ في استخلاص كل تلك المعاني التي نحتاجها اليوم بشدة في زمن طغت فيه السطحية وسرعة الاستهلاك على كل شيء.
توقفتُ طويلا عند وصفك لشخصية الأب الطبيب، وشعرتُ وكأنك تسلط الضوء على رمزية الأبوة الحقيقية، والرسالة النبيلة التي كانت تحرك الناس لا الوظيفة فقط.
كذلك حديثكَ عن المسؤولية الجماعية للأسرة وقبولهم للقدَر دون تذمّر، كان درسا عظيما في الصبر والإيمان والعمل.
أما ما كتبتَه عن "تومي"، فقد لمس شيئا عميقا جدّا : كيف يمكن للمعاملة الطيبة أن تهزم الكراهية وللإنسانية أن تتجاوز العِرق واللون والتاريخ المثقل بالجراح. هذا وحده يكفي ليجعل هذا العمل، كما وصفتَه، تحفة فنية لا مجرد رسوم متحركة.
صدقا، لقد شوّقتني لمشاهدة هذا العمل رغم كبر سني ليس بنية التسلية، بل لأتأمل فيه كما تأملتَه أنتَ : كمصدر قيم للمعرفة والحكمة والتربية.
شكرا لك على هذه المشاركة الغنية التي قربَتْنا من "فلونة". ودامت ذاكرتكَ تنبض بما يستحق أن يُستعاد. 🌹
حياكِ الله، ومرحبا بكِ وبمشاركتكِ🌹 الله يحفظ لكِ أمكِ يارب🙏🌹
جميل أن موضوعي نال اعجابكِ، كتبته باخلاص ليعجبكم. أنا متأكد لو أن أحدكم سوف يشاهد الانمي مرة جديدة وبتمعن فسوف يكتب نفس الملاحظات التي كتبتها عنه. انمي لا يُمل🙂
السلام عليكم ورحمة الله
شكرا على هذا الطرح الجميل أخي عبد الله
في الحقيقة، فلونة ربما لم أشاهده، بل عشته معك من خلال موضوعك
الأنمي يعرض لنا قيما رائعة مثل أهمية العائلة والعمل الجاد والصبر، وكيفية التعامل مع التحديات في الحياة
الشخصيات فيه كانت تبرز معاني حقيقية، مثل الأب الذي يضحي من أجل الآخرين والأم التي تعلم أولادها قيمة الأرض والعمل، الأنمي علمنا مهارات حياتية
دمت بخير، تحياتي وتقديري لك :)^^
أنا سعيد أنني عيشتك أجواء الانمي من خلال مقالي. وهذا الانمي مهما وصفته يظل وصفي قليل في حقه: قيم نبيلة، عائلة صحية، مغامرات مسلية، أجواء الجزيرة الباعثة على الراحة والموسيقى المميزة.