أيام الزمن الجميل
..
نطلق دائما" على الايام الماضية وما فيها بأيام الزمن الجميل . لذلك سأروى حكايتى عن هذا الزمن الجميل
فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى (الزمن الجميل) إنتشرت أمراض البلهارسيا والإنكلستوما والإسكارس وهذه أنواع من الديدان تستطيع القضاء على الإنسان بعد
فترة وجيزة . أصابت هذه الأمراض فئة ليست بالقليلة لدرجة أن المصاب بهذه الأمرض لا يعتبر نفسه مريضا" . بل هو شيئ عادى وهذا ما يفعله الإنتشار والعمومية . فقد
كانت هذه الديدان لا تفرق بين قرى ومدن وإن كان إنتشارها الأوسع فى القرى
تنبهت الدولة بكافة أجهزتها الصحية والمعنية لهذا الوباء . فأنشأت مستشفيات ميدانية فى جميع المراكز والمحافظات وقامت بإعمال الدعاية والإعلان اللازم لتلقى العلاج
وكان العلاج كالاتى
يتم إجراء التحليلات اللازمة . فإن وجدت ديدان الإنكلستوما أو الإسكارس يكون العلاج شربة ملح إنجليزى . وإن كان بلهارسيا يكون العلاج حقن إسمها طرطير . بعد إجراء
التحليل تكون النتيجة النهائية
إما شربة ملح وإما حقن وإما شربة وحقن . ولا يوجد شخص على الإطلاق كانت تحاليله سلبية يعنى يا يشرب شربة يا ياخد حقن
نأتى للشربة . التى هى عبارة عن برميل كبير يوضع فيه كمية كبيرة من الملح الإنجليزى ويقف على رأس هذا البرميل تومرجى ضخم الجثة مهاب الهيئة كأنه قصاب ويمسك فى يده
كوز يسع نصف لتر وربما أكثر . ثم يصطف المرضى طابور خلف بعضهم ويتقدموا للتامورجى فردا" فرد .
فيملأ الكوب الذى كان يطلق عليه كوز بالملح الإنجليزى المخلوط بالماء ثم يمسك فم المريض ويفتحه ويصب فيه الشربة ويبتلعها المريض رغم أنفه
وقد يقول قائل : وماذا فى هذا ؟ - أقول له : لأنك لم تشرب شربة الملح الإنجليزى . الذى يشربها يخرج من الطابور وهى شربة شديدة المرارة فيجد الدنيا تلف من حوله
ثم يجد الأرض ترتفع وكأنها ستسقطه على ظهره فيحاول جاهدا"أن يضرب الأرض من أمامه فينكفى على وجهه
هذه الشربه تغسل المعدة والأمعاء والقولون غسيلا" تاما" . فلا تستطيع أبله نظيفة أن تنظف الأمعاء مثل شربه الملح الإنجليزى التى تقضى وتنهى على ديدان الإنكلستوما تمام
التمام ويشفى المريض تماما"
أما من كان عنده بلهارسيا
هذه تعالج بحقن الطرطير . وكل مريض يخصص له ملف ومن خطورة هذه الحقن كان لا يعطيها إلا دكتور طبيب . فى هذا التوقيت لم تكن تعرف السرنجات البلاستيكية ..
هى سرنجة زجاجية عشرة سنتيمتر وتملأ عن اخرها . ثم يقف المرضى فى طابور ويتقدموا فردا" فرد فتغرز الإبرة فى يده ويعطى واحد سنتيمتر ثم يأتى غيره فتوضع نفس إبرة
السرنجه فى يده ويأخذ السنتيمتر . يعنى السرنجة تعطى عشرة أشخاص ونفس السن ثم تملأ لتعطى عشرة اخرين وهكذا
بقى أن نعرف بأن حقنة الطرطير كانت تعطى فى الوريد - يعنى لابد من سحب بعض الدماء للتأكد بأنها دخلت الوريد
المريض يذهب للمستشفى يوم بعد يوم ليحصل على إثنى عشر حقنه ثم يعيد التحليل . فلو كان سلبى يحصل على إثنى عشر حقنة أخرى - كانت هذه الحقن تؤخذ على الريق
يخرج المريض من الطابور ويظل يتقيأ العصارة الصفراء من معدته ثم يلقى على الأرض من شدة الإنهاك الذى تسببه هذه الحقنة
لذلك كان المريض الذى يكمل إثنى عشر حقنة يصنف من الأبطال . وكان يفضل الموت على أن يأخذ إثنى عشر حقنة تالية . ومع كل هذا كانت نسبة الشفاء من هذه الحقنة لا تساوى
أكثر من عشرة فى المائة
وقد سقطت الدولة فى خطأ كبير بهذه الحقنة وكيفية حقنها إذا نقلت للبعض كافة الأمراض المتوطنة الأخرى وعلى رأسها فيرس سى الذى يدمر الكبد والذى إنشر إنشارا" كبير جدا"
نتيجة تلقى العلاج بالحقن بهذه الحقن
فى الثمانينات ظهر للبلهارسيا علاج جديد عبارة عن أربعة برشامات أو حبوب تبلع مرة واحدة وإنتهى الأمر . لكن ظل فيرس سى ينتشر وينتشر وقضى على الكثير حتى تم علاجه
بفضل الله
هذه نبذة بسيطة جدا" عما يطلق عليه الزمن الجميل وقد ذكرت حالة واحدة من ألاف الأشياء وإذا أردت الاسترسال سيطول الحديث .الذى أكاد أجزم لكم أنه ما كان جميل وتستطيعون أن تسألوا أباءكم أو أجدادكم
.