تقرير شامل: الدين كرسالة سلام – قراءة في المفهوم الجوهري للدين الإسلامي
الأسلوب: ديني – تحليلي – جاد
مقدمة
في زمن كثرت فيه النزاعات، واشتدت فيه الصراعات، وتبددت فيه معاني الأمان، تشتد الحاجة إلى إعادة قراءة الدين الإسلامي من منبعه الصافي، ومنهله الأصيل: القرآن الكريم. إن جوهر رسالة الإسلام لم يكن يومًا دعوة إلى عنف أو كراهية، بل كان – ولا يزال – رسالة رحمة وسلام للعالمين، كما قال الحق سبحانه:
﴿وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين﴾ [الأنبياء: 107].
ومن خلال هذا التقرير، نسعى لتقديم دراسة قرآنية تحليلية تبرز أن السلام ليس فرعًا من فروع الإسلام، بل هو أصل من أصوله، ولب من لُبّ معانيه، وغاية من غايات تشريعاته.
أولًا: السلام في البنية اللغوية والدلالية للإسلام
اشتُق اسم "الإسلام" من مادة (س-ل-م)، وهي تدور في اللغة حول معاني السلامة، والاستسلام، والطمأنينة. وقد جاء في لسان العرب: "الإسلام: الانقياد لله بالطاعة، ومعناه في الأصل: السلامة والانقياد".
فالسلام هو روح الإسلام، وهو طبيعته الذاتية التي تنعكس في تحية المسلمين:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، وهي تحية تُعلن عن هوية الإنسان المسالم، الناشر للطمأنينة، الحريص على الأمن لا الخوف، والهدوء لا الفزع.
ثانيًا: السلام في التصور القرآني العام
القرآن الكريم يؤكد في أكثر من موضع أن غاية الدين هي تحقيق السلام في أبعاده الثلاثة:
- السلام مع النفس
- السلام مع الآخر
- السلام مع الكون والمجتمع
قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة: 208]
والمراد بـ"السِّلْم" هنا هو السلام بمعناه الشامل: الطاعة، والإيمان، والرحمة، والأمان، والدعوة إلى الخير.
ثالثًا: الإسلام والسلام في تعامل النبي ﷺ
كان رسول الله ﷺ نموذجًا واقعيًا لتطبيق السلام بمفهومه الشامل. ومن الأمثلة البارزة:
- صلح الحديبية: عندما قبِل النبي ﷺ شروطًا ظاهريًا غير منصفة من قريش، كل ذلك من أجل حقن الدماء، وإعطاء فرصة للسلام أن ينتصر.
وقد نزلت في هذا السياق الآية:
﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: 1]، معتبرة هذا الصلح "فتحًا" لا "تنازلًا". - في المدينة المنورة: أقام النبي ﷺ "وثيقة المدينة"، التي ضمنت التعايش بين المسلمين واليهود والمشركين، على قاعدة السلام والعدل، وليس الهيمنة أو القسر.
رابعًا: آيات قرآنية تؤكد مركزية السلام في الإسلام
- السلام اسـم من أسماء الجنة:
قال تعالى: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: 127]، فالجنة هي دار السلام التي وعد الله بها عباده الصالحين. - السلام تحية الملائكة للمؤمنين يوم القيامة:
﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ [الرعد: 24]، لتكون الخاتمة سلامًا، كما كان منهج الحياة سلامًا. - دعوة الإسلام إلى السلام حتى في مواجهة العداوة:
﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ [الأنفال: 61]، وهذه دعوة مباشرة إلى تقديم السلام على القتال متى وُجد السبيل. - السلام شعار الأنبياء وأتباعهم:
﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا﴾ [هود: 48]،
﴿سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الصافات: 109]،
﴿سَلَامٌ عَلَىٰ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الصافات: 120]،
وكلها إشارات إلى أن السلام رافق كل رسالة سماوية صادقة.
خامسًا: السلام مع غير المسلمين في المنظور القرآني
الإسلام لا يمنع من إقامة علاقات سلمية مع غير المسلمين، بل يدعو إليها ضمن إطار من الاحترام المتبادل والعدالة:
قال تعالى:
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾ [الممتحنة: 8]،
وهذه الآية وضعت أساسًا راقيًا للتعامل مع الآخر المختلف في الدين: البر، والعدل، والرحمة.
سادسًا: التشريع الإسلامي وبناء السلم الاجتماعي
كل تشريع في الإسلام يهدف إلى تحقيق مصالح العباد، ومن أبرز مقاصد الشريعة:
- حفظ النفس
- حفظ الدين
- حفظ المال
- حفظ العقل
- حفظ العرض
وكل هذه المقاصد تؤدي إلى بناء مجتمع يسوده السلام والاستقرار. فالزكاة تُحقق السلام الاقتصادي، والعدل يُحقق السلام الاجتماعي، والجرائم تُعاقب لضمان سلامة الأفراد.
خاتمة
الدين الإسلامي في جوهره، رسالة سلام لا تُوجه إلى أتباعه فقط، بل إلى البشرية جمعاء. فقد جاء ليُحرر الناس من عبودية الطغيان، ويُرسي قواعد الرحمة والعدل، ويبني الإنسان الصالح، والأسرة المتماسكة، والمجتمع المتكافل.
ومن أراد فهم الإسلام، فعليه أن يبدأ من هذه القاعدة: الإسلام دين السلام، لا كما تصوره بعض المنابر المغرضة، بل كما أنزله الله تعالى، وكما طبّقه نبي الرحمة ﷺ.
المصادر:
- القرآن الكريم
- تفسير ابن كثير
- لسان العرب (ابن منظور)
- صحيح السيرة النبوية (ابن هشام – تحقيقات متعددة)
- مقاصد الشريعة الإسلامية (الشافعي، الغزالي، الشاطبي)
#الإسلام_دين_السلام #قرآننا_منهج_رحمة #السلام_هو_الرسالة