السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أعطر التحايا وأزكاها أزجيها إلى هذا الجمع الكريم من الأعضاء الأوفياء، الذين اعتادوا أن يُضيئوا جنبات هذا المنبر بالفكر النيّر، والرأي العميق، والطرح الناضج. واسمحوا لي أن أتناول اليوم موضوعًا يمسّ جوهر العمل، ويفتح نافذةً على ما يدور خلف الكواليس في قلوب أرباب الأعمال وعقولهم. موضوعنا هو: "مهارات يبحث عنها أصحاب العمل في الموظفين"، وهو ليس مجرد عنوان يُطرح، بل سؤال جوهري يتكرر في صمت كل يوم داخل أروقة التوظيف ودوائر الموارد البشرية: "من هو الموظف الذي نبحث عنه؟"
إن أصحاب العمل لا يبحثون فقط عن الشهادات الجامعية، ولا يكتفون بمجرد الخبرات السابقة، فهم يُدركون أن عالم اليوم لا تُسيّره المعلومات فقط، بل تُحرّكه المهارات، وتُبنى عليه القرارات. وفي زمن تتسارع فيه التغيرات، أصبحت المهارات أشبه بالبوصلة التي تُرشد المؤسسات نحو الموظفين القادرين على الإبحار في خضم التحديات.
فالمهارة الأولى التي تتصدر قائمة التفضيلات هي "المرونة"، تلك القدرة العجيبة على التكيّف مع التحولات، وتحمّل الضغوط، والتعامل مع الأزمات دون انهيار أو ارتباك. الموظف المرن هو الذي يتحرك بإيجابية وسط المتغيرات، لا يشتكي كثيرًا، ولا يهرب من المهام الجديدة، بل يتعامل مع كل ظرف كفرصة للتعلّم والنمو. هذه المهارة لا تُدرّس في الكتب، بل تُكتسب من التجربة وتُصقل بالمواقف.
ثم تأتي "مهارة التواصل"، وهي اللبنة الأساس في أي بيئة عمل ناجحة. الموظف القادر على إيصال فكرته بوضوح، والاستماع بتفهّم، وبناء علاقات مهنية قائمة على الاحترام والتعاون، هو موظف لا غنى عنه في أي مؤسسة. التواصل ليس مجرّد كلام، بل هو فنّ التعامل، وذكاء اللغة، وحكمة التعبير، وصدق النوايا.
ولا يمكن إغفال "روح المبادرة"، تلك الشرارة التي تضيء عقل الموظف فتدفعه لتقديم المقترحات، وتحسين الأداء، والسعي إلى تطوير العمل، دون أن ينتظر من يوجّهه أو يدفعه. أصحاب العمل يعشقون الموظف الذي لا يكتفي بأداء الواجبات، بل يبحث عن إضافة، ويصنع فرقًا، ويؤمن أن له دورًا أعظم من مجرّد تنفيذ الأوامر.
كما أن المهارات التقنية لم تعد ترفًا، بل ضرورة. فكل تخصص، مهما بدا بسيطًا، يحتاج إلى دراية بالتكنولوجيا المرتبطة به. والموظف المطلع على الأدوات الرقمية، والمتقن للبرامج المتخصصة، يختصر الوقت ويزيد الإنتاجية. أما من يرفض التعلم أو يتثاقل عن مواكبة التحديثات، فهو يختار –دون أن يدري– طريق العزلة المهنية.
ولا ننسى "مهارة العمل الجماعي"، وهي التي تحوّل مجموعة موظفين إلى فريق موحد، ينهض معًا، ويواجه التحديات بروح واحدة. هذه المهارة لا تتجلّى في الأحاديث فقط، بل تُقاس في المواقف، عندما يُظهر الموظف قدرته على التعاون، وتقبل الآراء، وتقاسم المسؤوليات دون تذمر أو أنانية.
إن أصحاب العمل يبحثون عن موظف لا يملك مهارة واحدة فقط، بل مجموعة متكاملة من المهارات التي تجعله أصلًا لا عبئًا، ودعامة لا ثغرة، وإضافة لا تكرارًا. وإنّ على كل من يسعى إلى عملٍ أن يسعى أوّلًا إلى اكتساب هذه المهارات، لا من أجل نيل الوظيفة فحسب، بل من أجل أن يكون جديرًا بها بعد أن ينالها.
وفي الختام، أقدّم جزيل الشكر لإدارة هذا الموقع الموقّر، التي أفسحت المجال لطرح هذه المواضيع الجوهرية، كما أعبّر عن تقديري لكل من يقرأ ويُشارك ويُثري النقاش بكلمة هادفة أو رأي بنّاء. فإن الحديث عن المهارات ليس حديثًا عابرًا، بل هو خريطة طريق لكل من يريد أن يصنع لنفسه مستقبلًا مشرقًا في عالم يتغيّر كل يوم.
#مهارات_العمل
#تطوير_الموظفين
#المهارات_الوظيفية