الإضراب ومبدأ استمرارية المرفق العام: توازن دقيق بين الحقوق والواجبات في الدولة الحديثة
يُعتبر الإضراب وسيلة احتجاج شرعية تمكّن الشغيلة من الدفاع عن مصالحهم المادية والمعنوية، في حين يُمثل مبدأ استمرارية المرفق العام قاعدة دستورية أساسية تضمن انتظام الخدمات العمومية دون انقطاع. ويظهر التوتر بين الحق في الإضراب والالتزام باستمرارية المرافق العامة كإحدى الإشكاليات المحورية في الفقه والقضاء الإداري، نظرًا لما يتطلبه الوضع من تحقيق توازن دقيق بين الحقوق الفردية والاعتبارات العامة.
✅ أولًا: تعريف الإضراب ومكانته القانونية
🔹 تعريف الإضراب:
الإضراب هو التوقف الجماعي والمرتب للعمال أو الموظفين عن العمل، تعبيرًا عن رفضهم لواقع مهني معين، أو مطالبة بتحسين شروط العمل، كالأجور أو ظروف الشغل أو السياسات الإدارية.
🔹 الإطار القانوني:
-
في معظم دساتير الدول، يُعتبر الإضراب حقًا دستوريًا، لكنه غالبًا ما يُمارَس ضمن ضوابط قانونية لضمان عدم الإخلال بمصالح المواطنين.
-
مثال: ينص الفصل 29 من الدستور المغربي على أن "حق الإضراب مضمون"، إلا أن تنظيمه يبقى رهينًا بإصدار قانون تنظيمي.
✅ ثانيًا: مفهوم مبدأ استمرارية المرفق العام
🔹 تعريفه:
هو مبدأ أساسي في القانون الإداري، يُلزم السلطات العمومية بضمان استمرار تقديم الخدمات العامة دون انقطاع، سواء في مجالات حساسة كالصحة، الأمن، النقل، أو القضاء.
🔹 مرتكزاته:
✅ ثالثًا: التعارض الظاهري بين الحق في الإضراب واستمرارية المرافق العامة
يُطرح الإشكال عندما يؤدي الإضراب إلى شل مرفق عام حيوي، مما يهدد حقوق المواطنين، وهنا تتجلى ثنائية الصراع:
-
من جهة أولى: الموظفون لهم الحق في الدفاع عن حقوقهم عبر وسائل مشروعة.
-
من جهة ثانية: الدولة مسؤولة عن ضمان السير العادي للمرافق التي لا يمكن أن تتوقف كليًا.
وهنا يتدخل القانون لتحديد الحالات التي يمكن فيها تقييد حق الإضراب من أجل المصلحة العامة، دون المساس بجوهر الحق.
✅ رابعًا: كيف توفّق الأنظمة القانونية بين الحقين؟
-
وضع قيود على ممارسة الإضراب في بعض القطاعات الحساسة:
-
فرض الحد الأدنى من الخدمات الأساسية أثناء الإضراب:
-
الوساطة والتحكيم قبل اللجوء إلى الإضراب:
-
إشعار الإدارة بالإضراب مسبقًا:
✅ خامسًا: دور القضاء في التوفيق بين المبدأين
🔹 أمثلة قضائية:
✅ سادسًا: الضمانات التي تحمي الحقين معًا
-
سن قانون تنظيمي واضح للإضراب يحدد الشروط والمجالات المسموح فيها به.
-
تشجيع الحوار الاجتماعي بين الدولة والنقابات لتفادي التصعيد.
-
اعتماد آليات الإنذار المبكر والوساطة في النزاعات المهنية.
-
تقوية الرقابة القضائية على قرارات الإدارة والنقابات في هذا المجال.
✅ خاتمة:
إن التقاطع بين الحق في الإضراب ومبدأ استمرارية المرفق العام يُمثل صورة من صور التوازن الديمقراطي في الدولة الحديثة. فالأول يُكرّس حرية التعبير والعدالة الاجتماعية، والثاني يُجسد مسؤولية الدولة في ضمان الحقوق العامة. ولا سبيل إلى حل هذا الإشكال إلا عبر مقاربة قانونية حكيمة تُراعي المصالح المشتركة، وتُؤطر الحقوق بحدود المسؤولية.
#الحق_في_الإضراب
#استمرارية_المرفق_العام
#Koora_Madrid