السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تحية طيبة مباركة ملؤها التقدير والاحترام لأعضاء هذا الصرح الموقر، ولكل من ينتمي إلى هذا الفضاء الكريم من إخوة وأخوات، يسعون بالكلمة الصادقة، والفكر النيّر، إلى الارتقاء بمستوى الحوار والوعي. أرفع أسمى عبارات الامتنان لإدارة الموقع المتميزة، وللأخ الفاضل الذي أتاح لنا هذا المنبر النقي، الذي أجد فيه ملاذًا للبوح، ومساحة للتعبير، وحديقة لأزهار الحروف التي تنبت من عمق التجربة وصدق الألم.
أما بعد، فإنني أكتب إليكم اليوم عن صراع لا يُرى، عن معركة لا يُسمع صداها، لكنها تستعر في أعماق النفس، وتشتعل في زوايا القلب والعقل، إنها تلك الحرب اليومية التي أخوضها مع نفسي، صراعي الأبدي بين ما أريده وما أنا عليه، بين ما أحلم به وما أقدر على تحقيقه، بين قسوة الواقع وضعف الإرادة، بين نور الطموح وظلمة الخوف، بين ما يستحقني وما أستحقه، إنها معركة لا تحمل سيوفًا، بل تحمل نظرات حزينة في المرآة، تنهيدة عميقة في منتصف الليل، صمت طويل في لحظة كان يُفترض أن أكون فيها متكلمًا أو شجاعًا أو حاضرًا.
صراعي مع نفسي ليس من نوع الصراعات العابرة، بل هو صراع متجذر، ممتد منذ وعيي الأول، حين بدأت أفهم أن الإنسان لا يُخلق مكتملًا، بل هو مشروع مستمر من البناء والهدم، من التقدم والتراجع، من السقوط والقيام. أدركتُ أن النفس ليست عدوًا دائمًا، لكنها ليست صديقًا دائمًا أيضًا، فهي أحيانًا تدفعني للخير، وأحيانًا تجرّني للكسل، وأحيانًا تسألني لماذا أحاول أصلاً، وأحيانًا تبكي معي حين أفشل. عرفتُ أنني لست ضحية العالم، بل كثيرًا ما كنت ضحية نفسي، اختياراتي، ترددي، خوفي، تسويفي، رضاي بما لا يليق بي، سكوتي حين كان يجب أن أتكلم، واستسلامي حين كان يجب أن أُقاتل.
كل لحظة في هذا الصراع علّمتني درسًا، علّمتني أن أقسى المعارك لا تكون مع الخارج، بل مع الداخل، وأن الانتصار الحقيقي لا يكون على الآخرين، بل على ذلك الصوت الخفي في داخلي الذي يهمس لي أنني لن أستطيع، لن أكون، لن أُكمل. قاومت ذلك الصوت، حاورته، ناقشته، صرخت فيه أحيانًا، وسكتُّ عنه أحيانًا أخرى، لكنني لم أسمح له أن يكون المايسترو الذي يدير حياتي، وإن كان لا يزال يجلس على مقعد خلفي يراقبني ويجرّب أن يوقِفني. لكنني كلما تذكرت أنني ما زلت هنا، أتنفس، أكتب، أحاول، فهذا وحده دليل على أنني أقف، رغم التعب، رغم الانكسار، رغم الليل الطويل.
صراعي مع نفسي لم ينتهِ، وقد لا ينتهي أبدًا، لكنني لم أعد أطلب انتهاءه، بل صرت أطلب فقط أن أخرج منه كل يوم وأنا أكثر صدقًا مع نفسي، أكثر وعيًا بها، أكثر رحمةً تجاهها. لستُ مثاليًا، ولا أريد أن أكون، أريد فقط أن أكون أفضل من أمس، أقرب إلى ما أطمح إليه، أقل قسوة على ذاتي، وأكثر تقديرًا لكل خطوة أتقدم بها، حتى لو كانت صغيرة جدًا. فأنا وحدي من يعرف كم كلّفتني تلك الخطوة من حيرة، ومن تفكير، ومن تردد، ومن دموع.
في الختام، أقول لكل من يمر بصراع داخلي يشبه صراعي: أنت لست وحدك. ولست ضعيفًا لأنك تتألم، ولست مترددًا لأنك تخاف، ولست فاشلًا لأنك لم تصل بعد. المهم أن تبقى تحاول، أن تبقى في ساحة المعركة، أن تبقى تقاوم، لأن الصمت لا يعني النهاية، والضعف لا يعني الاستسلام، والبطء لا يعني العجز. خذ بيد نفسك، لا تتركها، وذكّرها دائمًا أن من ينجو من نفسه، يستطيع النجاة من كل شيء.
أكرر شكري وامتناني لإدارة هذا الموقع الكريم، وللأخ العزيز الذي فتح لنا نافذة الضوء هذه، ولكل من مرَّ من هنا، وقرأ، وتأمل، وشارك أو صمت. لكم مني خالص الاحترام والتقدير، وأسأل الله أن يعيننا جميعًا على نفوسنا، فهي الباب الأول لكل نصر وكل هزيمة.
#صراع_الذات #رحلة_الوعي #قوة_الداخل #معركة_النجاة