السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أسعد الله أوقاتكم بكل خير، إخوتي الكرام وأعضاء هذا الصرح المميز، تحية طيبة ممزوجة بالتقدير والاحترام، أبعثها إليكم جميعًا، وإلى إدارة الموقع الموقرة التي تتيح لنا هذه المساحة الحرة لننثر فيها أفكارنا، ونبث عبرها عمق تجاربنا، كما لا يفوتني أن أخصّ بالشكر الجزيل الأخ الفاضل الذي كان سبّاقًا دائمًا إلى الخير والتفاعل البنّاء، فله منّا خالص الدعاء والتقدير.
حين نتأمل في خفايا النفس الإنسانية ونسبر أغوارها، ندرك أن أحد أكثر الأمور تأثيرًا في مسار الإنسان هو "نظرة المرء إلى ذاته"، هذه النظرة التي لا نراها بأعيننا المجردة، لكنها تعيش معنا في كل لحظة، وتتحكم في قراراتنا، وتنسج ملامح شخصياتنا، وتحدد سقف طموحاتنا، ودرجة قبولنا للذات، بل حتى مدى تقبّلنا للآخرين. إن هذه النظرة ليست أمرًا هامشيًّا أو قابلاً للإهمال، بل هي حجر الزاوية في بناء شخصية متماسكة، وفي تأسيس علاقة سليمة بين الإنسان وواقعه، بل إنها اللبنة الأولى في طريق التغيير والتحول والنمو.
النظرة إلى الذات ليست مجرد تصور ذهني عابر، بل هي منظومة شعورية، إدراكية، وسلوكية تتكون عبر تراكمات التجارب، وأثر الكلمات التي سمعناها في طفولتنا، وتعابير الوجوه التي واجهتنا حين أخطأنا، والإنجازات التي حققناها أو فشلنا في تحقيقها. ومن هنا، فإن من يحمل في قلبه نظرة إيجابية عن نفسه، ويمنح ذاته الاحترام الكافي، سيجد نفسه أكثر توازنًا في مواجهة صعوبات الحياة، وأقدر على اتخاذ قرارات مصيرية بثقة، وأكثر قدرة على إدارة مشاعره، ومواجهة الإحباطات دون أن تفتك به.
إن الخطير في الأمر أن النظرة السلبية للذات قادرة على شل الإرادة، وتدمير كل إمكانات النمو، فمتى ما شعر الإنسان بأنه غير جدير، أو غير كفء، أو غير محبوب، فإنه سيتعامل مع الحياة بمنطق الخسارة، وسيرى الإنجازات صعبة المنال، وسيقنع نفسه بأن الفشل قدر، وأن الطموح حلم لا يناسبه. إنه بذلك لا يعيش الحقيقة، بل يعيش وهمًا تشكّل من خلال تراكمات مؤلمة لم تُعالَج ولم تُراجَع، فتكون له مرآة يرى فيها نفسه مشوهة، بينما الحقيقة في جوهرها تقول: كل إنسان قابل للنمو، وكل ذات تستحق الاحترام، وكل قلب يمكن أن يتغيّر حين يُغذّى بالإيمان بالقدرات.
من هنا، فإن إعادة تشكيل نظرتنا إلى ذواتنا لا تأتي من فراغ، بل تحتاج إلى جرأة صادقة في مواجهة ماضينا، وإلى عقل ناضج يُدرك أن تقييم الذات لا ينبغي أن يكون متأثرًا بأخطاء عابرة، أو أحكام الآخرين الظالمة، أو التجارب المؤلمة. كما يتطلب الأمر أن نُعامل أنفسنا بلطف، وأن نحسن الظن بها، وألّا نحصر قيمتنا في الإنجازات الظاهرة فقط، بل في النوايا الطيبة، والمواقف النبيلة، والسعي الدؤوب نحو الأفضل، ولو تعثّرنا في الطريق.
يا كرام، إننا حين نغيّر نظرتنا إلى ذواتنا، نُغيّر تلقائيًا نظرتنا إلى العالم من حولنا. نكفّ عن جلد الذات، ونتحول إلى أصدقاء حقيقيين لأنفسنا. نتحول من السخط إلى الامتنان، ومن المقارنة القاتلة إلى الثقة العميقة، ومن الخوف إلى الإقدام، ومن العجز إلى التصميم. عندها فقط نستطيع أن نصبح ما نطمح إليه، لا لأننا مثاليون، بل لأننا مؤمنون بأن التغيير ممكن، وأن الداخل إذا تغيّر تغيّرت معه كل التفاصيل الخارجية.
وفي الختام، أجدد شكري لإدارة هذا الموقع المبارك على ما تبذله من جهد في رعاية هذا الفضاء الراقي، ولكل الإخوة الذين يثروننا بأفكارهم وتجاربهم، ولك أيها الأخ الكريم الذي طرحت هذا الموضوع العميق. دمتم جميعًا بخير، وتذكّروا دائمًا أن نظرتكم إلى أنفسكم هي المفتاح لكل أبواب الحياة.
#نظرة_الذات #قوة_الداخل #نحو_تغيير_إيجابي #ابدأ_بنفسك