السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تحية طيبة ملؤها المحبة والتقدير لكل الإخوة والأخوات الأعضاء الكرام، أولئك الذين نحمل لهم في قلوبنا الودّ والاحترام، ونكنّ لهم التقدير على ما يثرونه في هذا الفضاء الطيّب من نقاشاتٍ سامية وفكرٍ نير. أسعد الله أوقاتكم بكل خير، وبارك الله في خطاكم أينما حللتم، وأكرمكم برزقٍ واسعٍ ورضى لا ينقطع.
أما بعد، فإن حديثنا اليوم يعبق بعبير الإيمان، ويتغذّى من معين التقوى، ويُشرق من نور الآية الكريمة: "إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ". كيف لا؟! وهي كلمات من نور، تتردد في القلب قبل اللسان، وتوقظ في النفس شرفًا لا يُضاهى، بأن من يعمر بيوت الله هو إنسانٌ صدق إيمانه، واستقامت سريرته، وامتلأ قلبه يقينًا بأن هذه الدنيا محطة، وأن الآخرة دار القرار.
إن عمارة المساجد ليست مجرد حجارة تُبنى، أو قبب تُشيّد، أو جدران تُزيَّن، بل هي روح تسكن المكان، ونية تتوجه إلى الله، ويدٌ تفيض بالعطاء، وقلبٌ يتوق إلى الطمأنينة بين يدي خالقه. من يعمر المسجد، يعمره بصلاته، بذكره، بعلمه، بخطاه التي يحملها الشوق لا العادة، وبنفسه التي تجود لا تطلب، وتُعطي لا تأخذ. هو ذاك الذي يجعل من المسجد بيتًا ثانٍ له، لا يُفرّط فيه ولا يغفل عنه، لأن فيه يجد الطمأنينة، ويشعر بقرب السماء.
فمن آمن بالله، كانت للمسجد في حياته مكانة خاصة، لا كغيرها من الأماكن، لأنها صلته بين الأرض والسماء، وهي المرفأ الذي يركن إليه حين تثقل الهموم، وتهجم الفتن، وتضيق الدنيا بما رحبت. هناك، فقط هناك، تنحني الأرواح بخشوع، وتعلو النفوس بصفاء، وتتهذب الطباع بصمت الركوع والسجود. هناك، يذوب الزيف وتعلو الحقيقة، ويُولد الإنسان من جديد كلما وقف بين يدي ربه منيبًا تائبًا.
ما أسمى أن نكون من عُمّار المساجد! ليس لأننا نبتغي مديحًا أو نظرة بشر، بل لأننا نرجو بها وجه الله، ونُحيي بها أنفسنا قبل أن نُعمّر بها الحجارة. فالقلوب العامرة بالإيمان، هي التي تُعمّر المسجد، وهي التي تُعلي رايته في النفوس والطرقات، وهي التي تُبقي فيه حياة لا تموت.
لذلك، لنعاهد أنفسنا أن نكون من الذين تشملهم هذه الآية العظيمة، وأن نكون من الذين يعيشون للإيمان لا من يتحدثون عنه فقط، من الذين يُصلّون بقلوبهم قبل أجسادهم، ويعمرون المسجد بأفعالهم قبل أقوالهم، ويجعلون من كل لحظة فيه محطةً للقرب، لا عادةً فارغة.
وفي الختام، لا يسعني إلا أن أتوجه بجزيل الشكر ووافر الامتنان لإدارة هذا الموقع المبارك، ولجميع الإخوة الأفاضل القائمين عليه، الذين جعلوا من هذا المنبر ملتقى للأرواح الطيبة والكلمات الهادفة، ولك أيها الأخ الكريم على إتاحة الفرصة لنا لننهل من معين الإيمان والتدبّر.
#الإيمان_عمق_الروح #المسجد_نبض_الحياة #عمارة_القلوب #نور_القرآن