لقد رسخ النظام المباد مجموعة من التقاليد التي أراد من خلالها أن يوحي للمواطن بأنه يقدم له "هدية" أو مكرمة، ومن تلك التقاليد هي الكتب والمطبوعات المجانية التي يبث من خلالها سمومه الفكرية، وكذلك العروض الفنية المجانية وخاصة المسرحية منها، وكان الهدف الأساسي هو ترويج أفكاره وسياساته في تلك الحقبة السوداء! وخاصة في المناسبات الخاصة مثل احتفالات يوم المسرح العالمي. بينما في العالم المتقدم، إن كان أوربيا او عربيا، تقدم تخفيضات مغرية في سعر تذاكر المسارح أو صالات العروض من أجل كسب أكبر عدد من المتفرجين! واستمرت آنذاك المؤسسة الرسمية على هذا المنوال ردحا من الزمن، بينما كانت الفرق الأهلية حينها ومنها فرقة المسرح الفني الحديث وفرقتا اليوم والمسرح الشعبي، تعتمد شباك التذاكر في عروضها اليومية خاصة وأنها لم تكن تحصل على معونات او مساعدات من الدولة! اليوم وللأسف تستمر المؤسسة الفنية في تقديم العروض المسرحية مجاناً ولكن لا تحمل نفس الأهداف التي كانت جلية في النظام السابق، وقد حاولنا طيلة السنوات السابقة أن نقنع الجهات المعنية وبالذات في دائرة السينما والمسرح بأن يكون دخول العرض مدفوع الثمن أسوة بحفلات الفرقة السمفونية مثلا ولكن لم نجد لهذا الطلب آذانا صاغية وحتى لو كان سعر التذكرة رمزيا، فما ذنب الكادر المسرحي وبقية الفنيين الذين يعملون على مدى أسابيع عديدة او أشهر ليقدموا بعدها عرضهم مجاناً! هذا يشبه، إلى حد ما، بين أن تحصل على كتاب مجاناً وبين أن تبحث عنه لتشتريه. المسرح هو عملية إنتاجية معقدة يشترك فيها أكثر من طرف والطرف الأهم هو الجمهور، وأنا على يقين بأن هذا الجمهور سوف لن يتردد بشراء التذكرة وإن كانت رمزية، شرط أن تكون العروض المسرحية قريبة منه وتعالج قضاياه الرئيسية المعاصرة، الروحية والمادية والفكرية. وأخيراً اقول بأن ازدهار المسرح يأتي من خلال دعمه من قبل الجمهور والمؤسسات الفنية الرسمية وهو الازدهار الذي يشكل المعيار الحقيقي لتطور الحركة الفنية والمجتمعية في هذا البلد أو ذاك.
|