قصة مزحة الطلاق .…
إنني أشعر بملل يتسلل خفية الى أوصالي ، و يومي يتكرر باستمرار ، أيامي كلها متشابهة ، أرى نفس الوجـوه ، أقـوم بنفس الأعمال ... حتى أني أسمع نفس الأقوال و أكرر نفس الأحاديث ، رتـابة في كل شيء
كانت زوجتـه تستمع إليه و تشعـر بكلماته ، هي تـحس بما يقول لأنها تعيش نفس الحالـة .
كثيرا ما يخيم الصمت و السكون على أرجاء البيت ، كــأن سكانه أمـوات ، هي منغمسـة في أعمـال منزلية روتينية مملـة و هو مرمي هناك فوق سريره يلهو بتغيير القنوات ، و لا شيء يجمع بينهما الا قولها له اشتري كذا معك ، و ماذا أعـد للغذاء و ماذا تحب على العشاء ، حتى هذا السؤال الوحيد بدأ يضجـره .
=أنا أيضـا أشعـر بملل قاتل ، نحن بالكاد نتحدث
ما رأيك في إحـداث تغيير في حياتنا ؟
= و ما ذاك تقول مستفسرة ؟
= أن نفترق لبعض الوقت ،
= لا أفهمك ماذا تعني بنفترق ؟
= ما رأيك أن تذهبي لبيت أهلك و تخبريهم أنني طلقتك ، و ينتشر هذا الخبر في العائلة ، نرى ردة فعل الناس و ردة فعلنا نحن، نحدث تغييرا بسيطا في علاقتنا ببعضنا و بغيرنا .....
صدمتها كلماته ، لم تكن تنتظر منه أن يطلقها و لو مازحا ،
= و هل هناك مزاح في الطلاق ؟ تسألـه ،
= أنا لن أطلقك، فقط نشيع ذلك بين الناس
= و لما كل هذا ؟ دعنا نسافر و نغير الأجواء ربما يكون أحسن ....
= فكرة الفراق لبعض الوقت تراودني منذ وقت ليس بالقصير ، أريد أن أجربها معك ،
طأطأت رأسها و صمتت ، إنها تخشى عاقبة هكذا مزاح ، خصوصا أنه مضى على زواجها عامين و لم تنجب لحد الساعة ، و كثيرا ما طلبت حماتها من ولدها الزواج عليها في أحسن الأحوال ، أصر الزوج على تطبيق فكرته ، و أكثر من الحديث عن مزاياها ، هو يتكلم و هي صامتة ، تسمع غير منصتـة ، ثم قالت فجأة مقاطعة :
= ما دامت هذه رغبتك ، افعل ما بدا لك ما عاد الأمر يهمني كثيرا .
في صباح اليوم التالي كانت الزوجة قد حزمت حقائبها و اتصلت بأخيها تطلب منه أن يقلها الى البيت
عند وصولها سألتها أمها:
= ما الذي حدث ؟
ردت بحزن :
= لقد طلقني مراد ......
كانت الأم واقفة فجلست و تنهدت أمسكت رأسها و صاحت :
= يا ويلي يا ابنتي كنت أخشى أن يحدث هذا ، تلك العقرب أمه هي السبب ،
تركتها تندب حظ ابنتها و صعدت الى غرفتها التي كانت تتقاسمها مع أختها الصغيرة ، لقد عادت الى نقطة الصفر بعد عامين من مغامرة تبدو أنها فاشلة ، ارتمت على سرير أختها و غطت في نوم عميق ، في داخلها كانت تضحك و تشعر بدغدغة لمشاعرها ، نامت و كأنها لم تنم بهذا العمق و الراحة منذ سنة
بقي مراد في بيته ، في المساء اتصلت به أمه و في صوتها نبرة فرح، هي ليس من عادتها الاتصال به كانت ترفض زوجتـه لا لشيء فقط لأنها لا تحب أمها ،
= مساء الخير حبيبي كيف أحوالك ؟ ....
لم تترك له المجال ليرد التحية .....
= لقد سمعت أنك تخلصت أخيرا من تلك المرأة .......رائع يا بني سأحضر عندك غـدا و سأعطيك قائمة النساء اللواتي أريدك أن تختار منهن واحـدة ، و اذا أنهيت عملك و بقي لك بعض الوقت يمكنك القدوم الينا الليلة ..كل العائلة هنا الا أنت ، إنهم فرحين بقرارك ، أخيرا ستتغير حياتك إلى الأفضل ، الى اللقاء بني و قطعت المكالمة دون أن تعرف حتى إن كان الرقم صحيحا .
كانت مكالمة أمه له بتلك السرعة و بذلك الأسلوب و بذلك الكم من المعلومات المعدة مسبقا و بكل ذلك الحقد الذي كانت تكنه لزوجتـه مؤثـرة عليه أيما تأثير ...ترى من أخبرها ؟ و جاءت الإجابة من إخوته و أخواته ما إن يقطع واحد اتصاله حتى ترن أخرى ، هم يباركون له طلاقه ، غريب أمرهم يقول بينه و بين نفسه ، كل هذا كانوا يخبئونه ؟
قضى أول ليلة وحده ، يتلمس جانبها من الفراش و تحتقن عيناه بالدموع ، ياه لم أكن أعلم أنني أحبها كل هذا الحب ، فقط ليلة واحدة ، ما أطول الليل في غياب الأحباب، كانت صفية هناك ترتب الخزانة ، كانت هنا تنظف السجاد ، كانت صفية تبتسم للمرآة كانت صفية تتمتم كلمات ، صفية تصلي و تدعوني للصلاة و تسألني صفية ماذا تريد للعشاء ؟ و أنا كالملك على عرش سريري أقلب القنوات ، إن طيفها ما يزال هنا و هناك ، كيف يمكن أن أعيش بدون صفيه هيهات ، غلبه النعاس و هو يمسك بوسادتها و يضمها اليها حتى أصبح الصباح
يدق الباب بشدة ، يقوم مراد مفزوعا ، يفتح الباب فيلج أخواها و أباها البيت ، لم يلقوا أية تحية و يتجهون الى الصالون ، أول من تكلم اباها :
- لماذا طلقت صفية يا مراد ما لذي فعلته لك ؟
- هذا أمر بيني و بينها لا دخل لكم فيه ...
- يا جبان أعطيناك امرأة كان يطلب ودها أبناء الأغنياء و أكابر القوم ، ثم تكافئها بهذا..........
أسرها في نفسه و لم يبدي لهم غضبه،
- أنا حر فيما أفعل و يبقى هذا بيني و بينها هي أيضا حرة و تملك زمام أمرها ،
- تفوه عليك و على أمثالك قبحك الله من وجه ، تبا لك و لأفعالك يا وسخ يا قمامة ...
لم يتركوا كلاما قبيحا الا و صفوه به ، و كاد الأخ الأصغر أن يضربه لو لا أن أمسكه أباه .
تعجب مراد في تصرف أنسبائه ، أهذا عمي الطاهر الرجل الحكيم الوقور ؟ و هذان هما الحملان الوديعان إبناه ....ياه كيف يتغير الناس فجأة
انتشر خبر طلاق مراد و صفية انتشار النار في الهشيم و بدأت مكنونات الناس تخرج كل يعبر عن رأيه ، تعجبت صفية و مراد من الكم الهائل من المكالمات و الاتصالات التي كانت تصل اليهما .... بين مبارك و غاضب ، لقد كانت حياتنا بسيطة سهلة ، لم أكن أظن أننا سنحضى بكل هذا الاهتمام يقول مراد في اتصاله بزوجته .
كل مجالس العائلتين الكبيرتين و الجيران القدامى و الجدد تتحدث عن قضية مراد و صفية ، و كثرت التأويلات و انتشرت الاشاعات ، لقد ضربها و رماها في الشارع ، انها لا تنجب و رفضت أن يتزوج عليها ، لقد اكتشفت أنه يخونها ، و أصبح كل يدلي بدلوه في قضية الزوجين ، أصبح موضوعهما على كل لسان .
شعر مراد ببعض الاهتمام الزائد من زميلاته في العمل ، و زارت كذا من أم بيت صفية لتطمئن عليها ، و تهمس في أذن الأم ، في حالة لم يرجعها زوجها فإن إبني مهتم بها .
و هكذا كانت يوميات الزوجين غير المطلقين المطلقين مليئة بالأحداث و الأكاذيب و الاشاعات ، أصبحا كل يوم يسألان عما يقال عنهما و يتفاجئان بما يسمعان ، مجتمع فاسد يقول مـراد في نفسه ، أغلقت صفية عليها باب غرفتها و لم تعد تخرج الا نادرا ، أختها من كانت تأتيها بالأخبار ، كثيرا ما كانت تضحك مما تسمع ، و أختها متعجبة ، تقول ذلك لأمها فترد لا تلوميها مسكينة إنها في حالة صدمـة ...
مضت الأيام و كثر الهمس و تحول الى كلام صريح ، ظهرت أضغان الناس ، و تمنى كل شخص أمنية ، هناك من يريد صفية زوجة ، و غيره يريدها فقط مطلقة و هناك من تريد مراد زوجا لها ، لديه المسكن و العمل و السيارة هو خلوق و لا شيء ينقصـه .
اشتد الضغط من الأقارب خصوصا من الأم ، تتصل به كل يوم و إذا حدث و أن زارها يجد صور البنات و أخبارهن بانتظاره ، اصبح يحن الى أيـام صفية .
من جانبها صفية بـدأت تمل من وجودها في بيت أهلها ، الرتابة هي نفسها و الملل نفسـه ، في حديثها الى أختها العازبة تشعر أنها كانت في جنة ، إن أختها كانت تغبطها على حياتها مستقلة مع زوجها ، و في حديثها مع أخواتها المتزوجات وجدت نفس الوضع ، الملل و الرتابة و الروتين يميز العلاقة الزوجية و هذا أمر عادي يحدث بين كل الأزواج ، أصبحت أكثر استعدادا من ذي قبل لتستعيد حياتها مع زوجها في بيتها ، إنها تشعر بسعادة غامرة ، و تشتاق لاتصال مراد كل ليلة ، إنه يحدثها عن شوقه لها و عن اشتياقه لحياته معها ، أصبحا يعيشان فترة الخطوبة من جديد لكن دون زيف أو كذب أو تحريف ، هي تعرفه و هو يعرفها ، لقد استعادا الكثير من ذكرياتهما معا ، كان يعبر لها عن حبه باستمرار و هو الذي لم يكن يكلمها الا نادرا ، كل هذه العواطف و هذه المشاعر كنت تخفيها تسأله ، و تمضي عليه الأيام طويلة ، أكثر ما كان يحـزنه الليل و وحدته عندما يؤوي كل الى فراشه و سكنه يبقى هو يتقلب يفكر في صفيته ، أحيانا يشعر بالندم على فكرته و أحيانا تعجبه ، لولا ما فعلنا لما كنا اكتشفنا كل ما اكتشفناه ، و يعود الى نفسـه يكلمها و تكلمه ، لا يشعر بالنعمة الا من فقدها ، لقد كنت في نعمة يحسدني عليها غيري ......أما هي فقد كان الشوق الى زوجها يقتلها لم يكفها حنان أبيها و أمها و عطفهما عليها ، لا احد مهما بلغت درجة حبه و قربه يعوض مكان مراد كائنا من كان ..........
مضى شهر و نصف، هـدأت الأمور قليلا و نسي أكثر الناس الموضوع ، الجميل في الناس أنهم ينسون ، و أصبح موضوع الزوجين محل اهتمام العائلتين فقط ، خصوصا أمه و أمها ، موعد نهاية العدة المزعومة تقترب ، و لابد من حل لهذه المشكلة ، اتصل مراد بزوجته و أخبرها بخبر أثار اهتمامها ، طلب منها أن تكتمه .
اتصل مراد بصديقيه و لأول مرة منذ انفصاله عن زوجتـه يخبر أحدا عن الموضوع ، و طلبا منهما أن يعدا له عرسا بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، و طلب منهما أن ينشرا خبر زواجـه ، انتشر الخبر و عاد الموضوع مطروح من جـديد ، مجتمعنا هو من يتحكم بنا مهما فعلنا ، نحن لسنا أبدا أحرارا في تصرفاتنا ، كان الجميع يتساءل عن هوية سعيدة الحظ ، أمه كانت أكثر الناس سعادة ، المهم أن ابنة أسماء لا ترجع الى بيت ابني ، يتزوج من يشاء إلا هي تقول لأختها ، و من تظنينه قد عزم على الزواج منها ؟ ربما واحدة من زميلاته في العمل ، لقد زارتني إثنتان منهما الأسبوع الماضي .
يتجـه مراد الى عيادة التحاليل ليجري تحليلا على امكانية الانجاب ، لقد كان يعتقد فيما مضى أن سبب تأخر الإنجاب يكمن في زوجته ، لكن نتيجة التحليل خيبت ظنه ، امكانية انجابه تنقص كثيرا عن الخمسين بالمئة ، لقد كان هو السبب و ليست زوجتـه ، كبرت صفية في عينه لقد كانت تعلم الحقيقة و تخفيها عنه حتى لا تجـرحه .
في نهاية الاسبوع التالي كان الحضور مكثفا في صالة الافراح لحضور حفل زواج مراد ، الكل كان يجهل من هي العروس ، ينتظرون المفاجأة التي لم يطل انتظارها ، قبل ساعة من ذلك الوقت كانت صفية تخبر عائلتها عن كل شيء ، بكى أبوها ندما على ما فعل ، أما أمها فلم تكن الأرض تسعها من الفرح ، لقد طلبت من أخواتها اعدادها لتكون عروسا من جديد ، و جاء موكب العرس يحمل صفية كالأميرة الى قاعة الحفلات ، قبل وصول الموكب اختلى مراد بأمه و أخبرها ، أمي أتعلمين من هو العاجز عن الانجاب ؟ أنا يا أمي و ليست صفية ، و هي تعلم لأنها أجرت التحاليل و علمت أن لا شيء بها ، أسقط في يدي الأم و قالت : كم ظلمت إبنتي و أسأت الحكم عليها ، كيف طاوعك قلبك و طلقتها ؟ لم أطلقها يا أمي ،إذا فقد تزوجت عليها ؟ لا يا أمي
و قاطعهما صوت مزامير الموكب ، خرجت الأم مسرعة الى البهو و كانت المفـاجأة ...........صفية عروس من جـديد
انتهت ..الى قصة اخرى سلام
عنتر