رمضان فرصة للتزودآخر
الصفحة
حامل الشهد
  • المشاركات: 1824
    نقاط التميز: 720
أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
أفضل عضو بمنتدى القرآن الكريم
حامل الشهد
أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
أفضل عضو بمنتدى القرآن الكريم
المشاركات: 1824
نقاط التميز: 720
معدل المشاركات يوميا: 3.1
الأيام منذ الإنضمام: 584
  • 12:38 - 2025/03/13

اقتباس

انْتَصَفَ الشَّهْرُ وَمَضَى الدَّهْرُ،

وَفِئَامٌ مِنَ النَّاسِ لَمْ يَغْتَنِمْ لَهُ وَقْتًا وَلَمْ يُدْرِكْ لَهُ حَقًّا، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمَغْبُونُونَ حَقًّا، وَالْغَافِلُونَ حَقِيقَةً، وَسَيُدْرِكُ هَذَا الصِّنْفُ قِيمَةَ هَذَا الضَّيْفِ يَوْمَ رَحِيلِهِ، يَوْمَ يَحِينُ مَوْعِدُ الْفِرَاقِ وَيُلَوِّحُ النَّازِلُ بِالْمُغَادَرَةِ، يَرْحَلُ عَنْهُمْ رَحِيلَ الْمُتَأَسِّفِ... 

يُّهَا الْمُسْلِمُونَ: قَدَّرَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- أَنْ تَكُونَ أَعْمَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَصِيرَةً؛ فَجَعَلَهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَقَلِيلٌ مَنْ يَتَجَاوَزُهَا؛ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: "أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ"، وَهَذَا الْعُمْرُ قِيَاسًا بِأَعْمَارِ مَنْ سَبَقَ، وَلِكَوْنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ هِيَ آخِرُ الْأُمَمِ وَخَيْرُهَا، وَلِأَنَّهُ قُدِّرَ عَلَيْهَا هَذِهِ الْأَعْمَارُ الْقَصِيرَةُ؛ فَقَدْ عَوَّضَهَا مَوَاسِمَ خَيْرٍ؛ زَمَانِيَّةً وَمَكَانِيَّةً، وَأَحْوَالًا يُمْكِنُ لِلَّبِيبِ الرَّاشِدِ أَنْ يُدْرِكَ مِنْ خِلَالِهَا مَا لَمْ يُدْرِكْهُ مَنْ عُمِّرَ مَئَاتِ السِّنِينَ مِمَّنْ سَبَقَهُ، وَيُمْكِنُ لِلْحَصِيفِ أَنْ يَبْلُغَ مَنَازِلَ عُلْيَا فِي الْجَنَّةِ لَمْ يَظْفَرْ بِهَا مُعَمَّرُونَ قَبْلَهُ، وَيُمْكِنُ لِصَاحِبِ الْهِمَّةِ الرَّاغِبِ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ أَنْ يَسْتَدْرِكَ فِيهَا مَا فَاتَهُ فِي سِنِي غَفْلَتِهِ وَأَوْقَاتِ انْشِغَالِهِ وَأَيَّامِ أَسْفَارِهِ وَأَمْرَاضِهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَلَا يَزَالُ اللَّهُ -تَعَالَى بِلُطْفِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ- يَمْنَحُهَا مَزِيدًا مِنْ فُرَصِ الْخَيْرِ، وَيَسُوقُ لَهَا كَثِيرًا مِنْ مَوَاطِنِ الْكَسْبِ؛ وَهَا أَنْتُمْ تَرَوْنَ -عِبَادَ اللَّهِ- أَنَّهُ لَا يَنْتَهِي عَلَى النَّاسِ مَوْسِمٌ إِلَّا أَعْقَبَهُ آخَرُ، وَلَا يُوَدِّعُ النَّاسُ مَيْدَانًا إِلَّا دَنَا ثَانٍ، فَكَمْ هِيَ الْهِبَاتُ الرَّبَّانِيَّةُ وَالْعَطَايَا الْإِلَهِيَّةُ! فَكَانَ رَبُّنَا بِنَا رَحِيمًا كَرِيمًا، وَكَانَ بِنَا وَدُودًا لَطِيفًا.

وَالنَّاسُ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- فِي مَوَاسِمِ الْخَيْرِ بَيْنَ مُغْتَنِمٍ وَمُغَتَبِنٍ، وَمُتَفَانٍ وَمَتْوَانٍ، وَمِنْ مُقِلٍّ وَمِنْ مُسْتَكْثِرٍ، وَمِنْ مُعْتِقٍ نَفْسَهُ وَمِنْ مُوبِقِهَا، وَمَوْسِمُ الْخَيْرِ رَمَضَانُ مِنْ أَفْضَلِ هَذِهِ الْمَوَاسِمِ وَأَشْرَفِهَا وَأَكْرَمِهَا وَأَقْدَسِهَا، مَوْسِمٌ هُوَ أَفْضَلُ مِضْمَارٍ لِلطَّاعَاتِ، وَأَعْظَمُ مَيْدَانٍ لِلْقُرُبَاتِ؛ فَيَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ...

نَعَمْ؛ رَمَضَانُ شَهْرُ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَشَهْرُ الْجُودِ وَالْمَرْحَمَةِ، مَحَطَّةٌ رُوحَانِيَّةٌ، وَفُرْصَةٌ ذَهَبِيَّةٌ، وَدَوْحَةٌ إِيمَانِيَّةٌ، يَتَزَوَّدُ الرَّاغِبُونَ مِنْهَا مَا يُبَلِّغُهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ، وَيَحْمِلُونَ مِنْهَا مَا يَقُوتُهُمْ فِي رِحْلَتِهِمْ إِلَى آخِرَتِهِمْ.

مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: فِي رَمَضَانَ هِبَاتٌ رَبَّانِيَّةٌ، وَنَسَمَاتٌ إِلَهِيَّةٌ، حَدَائِقُ غَنَّاءُ، وَبَسَاتِينُ فَيْحَاءُ؛ فَأَيْنَ مَنْ يَسْتَنْشِقُ عَبِيرَهَا؟ وَأَيْنَ مَنْ يَقْطِفُ زُهُورَهَا؟ وَأَيْنَ مَنْ يَجْنِي ثِمَارَهَا، وَهَذَا رَمَضَانُ جَنَّتُكُمْ فَاقْطِفُوا مِنْ كُلِّ بُسْتَانٍ زَهْرَةً، وَمِنْ كُلِّ شَجَرَةٍ ثَمَرَةً.

مَعَاشِرَ الصَّائِمِينَ: أَيْنَ الْمُشَمِّرُونَ الْعَازِمُونَ؟ هَاكُمْ رَمَضَانَ فَاجْتَهِدُوا، وَأَيْنَ الطَّامِعُونَ الطَّامِحُونَ؟ هَاكُمْ رَمَضَانَ فَاغْتَنِمُوا، أَيْنَ مَنْ أَثْقَلَتْهُمْ ذُنُوبُهُمْ؟ دُونَكُمْ رَمَضَانَ فَتَخَفَّفُوا، أَيْنَ مَنْ أَغَمَّتْهُمْ دُيُونُهُمْ، وَشَغَلَتْهُمْ حَوَائِجُهُمْ؟ دُونَكُمْ رَمَضَانَ، فَرَبَّكُمْ فَادْعُوا، وَلَهُ نَاجُوا، أَيْنَ مَنْ شَغَلَتْهُمْ تِجَارَتُهُمْ؟ دُونَكُمْ رَمَضَانَ فَاسْتَثْمِرُوا، أَيْنَ مَنْ صَرَفَتْهُمْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ وَالْمُرَاسَلَاتُ؟ وَأَقْوَى الْعُرُوضِ وَالْخُصُومَاتِ؟ وَمُتَابَعَةُ الْفُنُونِ وَالْمُونْدِيَالَاتِ؟ وَعُلُومُ الْمَشَاهِيرِ وَالْكُومِيدِيِّينَ وَالْمَارْكَاتِ؟ دُونَكُمْ كِتَابَ رَبِّي فَاقْرَأُوا، وَعَلَى آيَاتِهِ فَاعْكُفُوا.

نَعَمْ -أَيُّهَا الصَّائِمُونَ- دُونَكُمُ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ تِلَاوَةً وَتَدَبُّرًا؛ فَهَذَا شَهْرُهُ، وَفِيهِ أُنْزِلَ خَيْرُ كِتَابٍ عَلَى خَيْرِ رَسُولٍ لِخَيْرِ أُمَّةٍ فِي خَيْرِ شَهْرٍ؛ فَالْقُرْآنُ نُورٌ وَبَصِيرَةٌ وَهُدًى وَشَفَاعَةٌ وَشِفَاءٌ وَبَرَكَةٌ، وَهُوَ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ؛ فَهَلْ تُحِبُّ أَنْ يَأْتِيَ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي سَاعَاتِكَ الْحَرِجَةِ وَأَوْقَاتِكَ الصَّعْبَةِ مُنْقِذًا لَكَ وَشَافِعًا؟ وَيَقُولَ: رَبِّ شَفِّعْنِي فِيهِ؛ فَقَدْ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ مِنْ أَجْلِي، أَمْ يَسُرُّكَ -أَيُّهَا الرَّاغِبُ- عَنْهُ أَنْ تَكُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي قَائِمَةِ مَنْ يَشْتَكِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لِرَبِّهِ؛ (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)[الْفُرْقَانِ: 30].

عِبَادَ اللَّهِ: وَفِي رَوْضَاتِ الْجِنَانِ بَيْنَ آيِ الْقُرْآنِ فِي بُيُوتِ الرَّحْمَنِ، وَمَعَ مَلَائِكَةِ الدَّيَّانِ، قَائِمٌ وَرَاكِعٌ وَسَاجِدٌ، تِلْكُمْ هِيَ شَعِيرَةُ التَّرَاوِيحِ وَالْقِيَامِ، وَهِيَ مِنْ خَيْرِ شَعَائِرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الصِّيَامِ، وَصَلَاتُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَعَ أَئِمَّتِكُمْ مَهْمَا كَانَ عَدَدُهَا وَقِصَرُهَا قِيَامُ لَيْلَةٍ؛ فَاحْرِصُوا عَلَيْهَا، فَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَرَاحَةٌ وَطُمَأْنِينَةٌ، وَسَعَادَةٌ وَرِزْقٌ وَقُرْبٌ، وَيَكْفِي أَنَّهَا نُورٌ وَبُرْهَانٌ، وَنَجَاةٌ لِصَاحِبِهَا فِي خُطُوبِ الدُّنْيَا وَكُرُوبِ الْقِيَامَةِ، وَيَكْفِي فِيهَا فَضْلًا مَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَرَأَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطِرِينَ".

وَعَنْ فَضْلِ مَالِكَ -عَبْدَ اللَّهِ- لَا تُمْسِكْ، وَعَنِ الصَّدَقَةِ لَا تَبْخَلْ؛ فَمَالُكَ لَيْسَ لَكَ، وَمَا فِي يَدِكَ هُوَ مِلْكٌ لِرَبِّكَ -سُبْحَانَهُ-، وَأَنْتَ عَلَيْهِ مُؤْتَمَنٌ؛ فَاعْطِ وَلَوْ بِالْقَلِيلِ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ، فَبِيَدِ الْغَنِيِّ الْعِوَضُ، وَاعْلَمْ أَنَّ عَطَاءَكَ قَرْضٌ لِمَوْلَاكَ، وَصَدَقَتَكَ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مَنْ مِنْ فَضْلِهِ أَوْلَاكَ، وَإِمْسَاكُكَ سُوءُ ظَنٍّ بِمَنْ أَعْطَاكَ، وَعَدَمُ ثِقَتِكَ بِوَفَائِهِ وَخَلَفِهِ لَكَ، تَصَدَّقْ فَالْمَرْءُ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، وَكَمْ مَرِيضٍ كَانَ سِرُّ شِفَائِهِ صَدَقَةً! وَكَمْ مَكْرُوبٍ كَانَ سِرُّ تَفْرِيجِهِ صَدَقَةً! وَكَمْ مِنْ هَمٍّ كَانَ سِرُّ كَشْفِهِ صَدَقَةً! وَكَمْ مَصْرَعِ سُوءٍ وَمُنْقَلَبٍ وَخِيمٍ كَانَ سِرُّ سَلَامَتِهِ مِنْهُ بَذْلَ مَعْرُوفٍ وَصَدَقَةٍ!

أَيُّهَا الصَّائِمُ: وَعَنْ قَلْبِكَ فَاقْشَعْ حُجُبَ الْغِلِّ الَّتِي خَيَّمَتْ عَلَيْهِ، وَأَزِلْ سُحُبَ الْقَطِيعَةِ الَّتِي مَنَعَتْهُ الصِّلَةَ، وَاكْشِفْ سَتَائِرَ الْأَحْقَادِ الَّتِي جَثَمَتْ عَلَيْهِ، وَلْتَرْفَعْ رَايَةَ الْعَفْوِ وَالتَّصَافُحِ، وَلَوِّحْ بِإِشَارَةِ الْحُبِّ وَالتَّسَامُحِ؛ فَصِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَزُرْ مَنْ هَجَرَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ؛ فَالْأَحْقَادُ نِيرَانُ الْقُلُوبِ، وَفَسَادُ الْأَذْهَانِ وَالْعُقُولِ، وَمَبْعَثُ الْهُمُومِ وَالْكُرُوبِ، وَفِي الْآخِرَةِ لَا نَجَاةَ إِلَّا لِسَلِيمِ قَلْبٍ، وَقَلْبٍ سَلِيمٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَانُونَ اللَّهِ بَيْنَ خَلْقِهِ: مَنْ يَرْحَمْ يُرْحَمْ، وَمَنْ يَغْفِرْ يُغْفَرْ لَهُ، وَمَنْ يَتَسَامَحْ يُتَسَامَحْ عَنْهُ، وَمَنْ يُعْطِ يُعْطَ.

قُلْتُ مَا قَدْ قُلْتُ، وَلِي وَلَكُمْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ وَأَمِينِهِ عَلَى وَحْيِهِ وَعَلَى صَحْبِهِ، وَبَعْدُ:

مَعَاشِرَ الصَّائِمِينَ: انْتَصَفَ الشَّهْرُ وَمَضَى الدَّهْرُ، وَفِئَامٌ مِنَ النَّاسِ لَمْ يَغْتَنِمْ لَهُ وَقْتًا وَلَمْ يُدْرِكْ لَهُ حَقًّا، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمَغْبُونُونَ حَقًّا، وَالْغَافِلُونَ حَقِيقَةً، وَسَيُدْرِكُ هَذَا الصِّنْفُ قِيمَةَ هَذَا الضَّيْفِ يَوْمَ رَحِيلِهِ، يَوْمَ يَحِينُ مَوْعِدُ الْفِرَاقِ وَيُلَوِّحُ النَّازِلُ بِالْمُغَادَرَةِ، يَرْحَلُ عَنْهُمْ رَحِيلَ الْمُتَأَسِّفِ وَيُوَدِّعُهُمْ وَدَاعَ الْخَائِبِ الْحَزِينِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَدْرَ الْكِرَامِ وَلَا أَهْلًا لِلصِّيَامِ، وَهُنَاكَ أَوَّلُ حَسْرَتِهِمْ وَبِدَايَةُ أَلَمِهِمْ وَوَجَعِهِمْ.

وَأَمَّا الْحَسْرَةُ الْكُبْرَى فَعَنْ حَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا تَسَلْ، يَوْمَ حَسْرَةِ الْمُفَرِّطِينَ وَأَلَمِ الْمُضَيِّعِينَ وَحُزْنِ الْغَافِلِينَ، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ نَدَمٌ وَلَا مَالٌ وَلَا بَنُونَ، وَالْأَشَدُّ أَلَمًا أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلنَّاسِ فِي عَوْدَتِهِمْ لِلدِّينَا لِيَعْمَلُوا، وَلَا فُرْصَةَ أَمَامَهُمْ أُخْرَى لِيَسْتَأْنِفُوا، لَقَدْ سَمِعَ النَّادِمُونَ الْقَوْلَ الْفَصْلَ؛ (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) [فَاطِرٍ: 37].

وَالْأَكْثَرُ وَجَعًا وَالْأَقْسَى عُقُوبَةً هُنَا يَوْمَ؛ "يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ. ثُمَّ قَرَأَ: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ)[مَرْيَمَ: 39]، وَهَؤُلَاءِ فِي غَفْلَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا؛ (وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[مَرْيَمَ: 39].

فَالْهِمَّةَ الْهِمَّةَ -عِبَادَ اللَّهِ- الشَّهْرُ أَيَّامُهُ مَعْدُودَاتٌ، وَسَاعَاتُهُ مَحْسُوبَاتٌ، لَكِنْ كُلُّهُ فَضَائِلُ وَأُعْطِيَاتٌ، وَمِنَحٌ وَهِبَاتٌ، وَقَدْ قَارَبْنَا عَلَى نِصْفِهِ، وَبَعْدَ أَيَّامٍ نَأْتِي عَلَى حَتْفِهِ! فَاسْتَأْنِفُوا الْجِدَّ وَاسْتَعِدُّوا لِغَدٍ؛ فَالْأَعْمَارُ تَنْصَرِمُ، وَالْفُرَصُ قَبْلَ رَحِيلِهَا اغْتَنِمْ، وَرَغْمَ أَنْفِ مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، وَخَابَ مَنْ رَحَلَ عَنْهُ وَلَمْ يُعْتَقْ، وَتِلْكَ -وَاللَّهِ- هِيَ الْخَسَارَةُ.

هَذَا وَصَلُّوا عَلَى نَبِيِّنَا وَرَسُولِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى صَحَابَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ؛ فَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا.

khutabaa

0📊0👍0👏0👌
ممدوح عطا الله

  • المشاركات:
    127671
مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف مميز بالمنتدى الإسلامي العام
ممدوح عطا الله

مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف مميز بالمنتدى الإسلامي العام
المشاركات: 127671
معدل المشاركات يوميا: 22.2
الأيام منذ الإنضمام: 5747
  • 12:40 - 2025/03/13
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزيت خيرا
0📊0👍0👏0👌
البقاء لله

  • المشاركات: 2532
    نقاط التميز: 2460
أفضلَ عضوٍ بمنتدى شبكاتِ التواصلِ الاجتماعيِ
البقاء لله

أفضلَ عضوٍ بمنتدى شبكاتِ التواصلِ الاجتماعيِ
المشاركات: 2532
نقاط التميز: 2460
معدل المشاركات يوميا: 29.4
الأيام منذ الإنضمام: 86
  • 17:59 - 2025/03/13
الســــــلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
سلموا الأيادي على جميل طرحك وحسن
الزوق الرفيع يعطيك ربي ألـف عافيه بإنتظار
جديــــــدك بكل شوق. أمنياتــــي لك بدوام التآلّق
والإبداع تقبلوا وافر تحياتي
0📊0👍0👏0👌
الزير اسطورة العرب
- عضوية مقفولة -
الزير اسطورة العرب
- عضوية مقفولة -
  • 20:43 - 2025/03/14
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسلــم الأيــــادي على الإنتقـــاء المميز والقيـــم
وبارك الله فيك على الطرح الرائـع وجزاك الله خيرا
لمـــا تقدمــــه من مجهــــودات طيبـــة .
واصل تميــــزك وتألقـــك ، في إنتظــــار جديـــدك
تحيـــــــاتي.
0📊0👍0👏0👌

الرد على المواضيع متوفر للأعضاء فقط.

الرجاء الدخول بعضويتك أو التسجيل بعضوية جديدة.

  • إسم العضوية: 
  • الكلمة السرية: 

 رمضان فرصة للتزودبداية
الصفحة