يحتفي ربنا ويفرح بإقبالنا ورجعونا إليه واسمع لهذا الحديث العظيم "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ".
أيها المقبلون على ربكم، تقبل الله منكم، وزادكم فضلًا، وزادكم هدًى وتقوى.
من حفاوة الله بعبده المقبل عليه أن الله جل وعلا يقبل عليه ويزيده هدًى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني" واقرؤوا إن شئتم ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، من ذكره الله تولَّاه ورحمه.
ومن حفاوة الله بك أيها المقبل عليه أن الله جل جلاله يباهي بك الملائكة، يا الله، ما أعظمها! وكيف نغفل عنها، فلقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه يذكرون الله، فقال: ما يُجلِسُكم؟ قالوا: جلَسْنا نذكُرُ اللهَ، قال: آللهِ، ما أجلَسكم إلَّا ذلك؟ قالوا: واللهِ ما أجلَسنا إلَّا ذلكَ، قال: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خرَج على حَلقةٍ مِن أصحابِه فقال: "ما يُجلِسُكم؟" قالوا: جلَسْنا نذكُرُ اللهَ ونحمَدُه على ما هدانا للإسلامِ ومنَّ علينا به، قال: "آللهِ، ما أجلَسكم إلَّا ذلكَ؟" قالوا: واللهِ ما أجلَسنا إلَّا ذلكَ، قال: "أمَا إنِّي لَمْ أستحلِفْكم تُهمةً لكم؛ ولكنَّ جِبريلَ أتاني فأخبَرني أنَّ اللهَ يُباهي بكم الملائكةَ"، من نحن حتى يذكرنا نحن الضعاف الفقراء المحاويج المساكين المذنبين المستغفرين إذا جلسنا نذكر الله جل جلاله يباهي العظيم بنا ملائكته، يا رب، لا تحرمنا فضلك، وارزقنا حسن الإقبال عليك.
من حفاوة الله بك أيها المقبل على ربك أن الله جل جلاله رتَّب الأجور العظيمة تحفيزًا لك وتحبيبًا، فما أكرمك على ربك سبحانه "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، وللصائم دعوة لا ترد، من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، في كل ليلة عتقاء من النار.
ومن حفاوة الله بالعبد المقبل عليه أن يمده ربُّه بمدد من عنده فيُعينه على عبادته ويُحبِّب له أخواتها، قال ربي جل جلاله: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 7]، فيعمل ويزداد فيكون أنسهم بطاعة ربهم وهواهم وما تشتهي أنفسهم تبعًا لما جاء به رسولهم صلى الله عليه وسلم، واقرؤوا إن شئتم ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17].
كلما ازداد العبد في الإحسان والعمل الصالح ترقَّى في مراتب ولاية الله تبارك وتعالى، ومن كان وليًّا من أولياء الله أحَبَّه ربُّه ونصره، وكان معه في عُسْره ويُسْره ومنشطه ومكرهه.
عباد الله، من حفاوة الله بك أيها العبد المصلي المستجيب لأمر الله جل وعلا تركت لذيذ النوم والفراش إقبالًا على ربك تبارك وتعالى.
من حفاوة الله بعبده المصلي أن ناداه للصلاة في بيته وما نادى عباده لبيته إلا ليكرمهم، فالكريم إذا نادى أحدًا لبيته أكرمهم، فما حال أكرم الأكرمين جَلَّ جلاله.
من حفاوة الله بعبده المصلي أن ناداه للصلاة في بيته، فمَن استجاب أكرم بالدرجات العالية، واستغفار الملائكة، وتنزل السكينة والرحمة وتكفير الخطيئة والسيئة ورفع الدرجة، ومحو الخطيئة في كل خطوة، وارتفاع الدرجة بكل سجدة، فعن ثوبان رضي الله عنهم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عليك بكثرة السجود؛ فإنك لم تسجد لله سجدةً إلا رفعك الله بها درجةً، وحطَّ عنك بها خطيئة".
من حفاوة الله بك أيها العبد المصلي أن الله قِبْلةُ وجهك في صلاتك، من حفاوة الله بك أيها المصلي أن الله يناديك: "قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفينِ، نصفُها لي، ونصفُها لعبدي، ولعبدي ما سألَ، فإذا قالَ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، قالَ اللهُ: حمِدني عبدي، وإذا قالَ: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3]، قالَ اللهُ: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قالَ: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4] قال اللهُ عز وجل: مجَّدني عبدي، وفي روايةٍ "فوَّضَ إليَّ عبدي"، وإذا قالَ: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، قال: فهذه الآيةُ بيني وبين عبدي نصفينِ، ولعبدي ما سألَ، فإذا قالَ: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]، قال: فهؤلاءِ لعبدي ولعبدي ما سألَ".
من حفاوة الله بك أيها المتصدِّق الذي استجبت لأمر الله جل وعلا وتركت حب الدنيا من قلبك استجابة لأمر الله جل وعلا الله يحتفي بصدقتك ويربيها وينميها، فلقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن تصدَّق بعَدلِ تَمرةٍ، مِن كسْب طيِّبٍ- ولا يَقبَلُ اللهُ إلَّا الطيِّبَ- فإنَّ اللهَ يتقبَّلها بِيَمينِه، ثم يُرَبِّيها لصاحِبِها كما يُرَبِّي أحَدُكُم فَلُوَّه حتى تكونَ مِثلَ الجَبَلِ".
وأما حفاوة الله بكم أيها الصائمون، فلقد احتفى الله بشهركم ففتح أبواب الجنان، وغلق أبواب النيران، وصفد مردة الشياطين، وجعل في القلب إقبالًا على الله جل وعلا، فالناس فيه مقبلون، فيا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، ولنا جميعًا حاجات في الدنيا والآخرة.
من حفاوة الله بك أيها العبد الصالح أن الله جل جلاله أضاف الصوم إليه، وأخفى أجره، فهو جزاء بلا حد، وعمل تحت نظر الرب، واحتفاء بالترك لأجله سبحانه وتعالى، حديث عظيم لمن تأمَّله، يا رب اجعل لنا منه أوفر الحظ والنصيب.
قال عليه الصلاة والسلام، قال الله جل جلاله: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولَخُلُوفُ فَمِ الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك".
يا الله، أرأيت عظيمًا يحتفي بوضيع؟! أم هل رأيت غنيًّا يحتفي بفقير؟! أم دار على مسامعك أن قويًّا يحتفي بضعيف؟! لكنه العبد إذا عظم أمر الله جل وعلا وأمر رسوله ارتفعت منزلته عند ربه، واقرأ قول الله إن شئتم ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
alukah