إذا سألتَ عنه العلماء، قالوا: عالِمٌ رباني.
وإذا سألت عنه الطلاب، قالوا: حليم رحيم.
وإذا سألت عنه روَّاد المساجد، قالوا: خطيب مفوَّه.
إنه المفسر والمفكر الكبير الدكتور زكي عثمان رحمه الله، وليسَتْ كل هذه الصفات هي التي تدعو للعجب فحسب، بل الذي يدعو للعجب أنه كان كفيفًا وقعيدًا!
ولد زكي عثمان في أول فبراير عام 1953م، في محافظة قنا في مصر، وعندما بلغ عامينِ ونصفًا أُصيب بحمى شديدة أدَّت إلى إصابته بشلل الأطفال وفَقْد البصر، وأجمع الأطباء على عدمِ وجود علاج لحالته، ولا يُرجى لها الشفاء؛ فظهر رأيٌ في عائلته يدعو إلى إلقائه في طاحونة للتخلص منه، لكن والدَيْه رفضوا، وبعد سنة من هذا الوقت انتقلت أسرته إلى القاهرة؛ لتغيُّر ظروف عمل الأب، ثم أرسلوه إلى أحد الكتاتيب حتى أتم فيه حفظ القرآن الكريم وهو في الحادية عشرة من عمره.
كان الدكتور زكي عثمان يتمتع بالطموح والهمة العالية منذ صغره، فكان يجلس وهو في الخامسة من عمره كلَّ يوم في فناء منزله، ويخطب بصوت عالٍ ويتخيل نفسه كأنه على منبر.
بدأ رحلتَه الدراسية حين بلغ السادسة عشرة من عمره، وبدأ مباشرة من الصف الأول الإعدادي، واستُثني من الابتدائية؛ لأنه كان يحفظ القرآن الكريم، واعترض بعض أفراد عائلته، واقترحوا أن يلحقوه بمركز التأهيل المهني للمكفوفين؛ ليتعلم صناعة السجاد وتكون هذه نهايته، واقترح البعض الآخر بأن يظل في المنزل كما هو، وكان البعض الآخر - كما يقول الدكتور زكي - يتمنى له الموت؛ لأنه ليست هناك فائدة من إنسان كفيف قعيد، ولكنه أصرَّ على الدراسة، وساعَده والده في ذلك، وفي هذه الفترة بدأ بإلقاء الخطب والدروس الدينية في المساجد، وبسبب بلاغته وحسن إلقائه صار له روادٌ كثيرون.
وقد مر الدكتور زكي بمواقف مؤلمة جدًّا في هذه المرحلة؛ منها:
عندما انتشله رجل من على الأرض في الشتاء، وحمله بالرغم مِن تلطخه بالطين، ثم وضعه في أوتوبيس وطلب من السائق أن يهتم به.
وعندما كان في الصف الأول الإعدادي وصرخ في وجهه مدرسُ الفقه وقال له: يا أعمى، يا مكسح، يا بن الـ....
ومع كل ذلك لم ييئس، بل أكمل مسيرته التعليمية، والتحق بمعهد القاهرة الثانوي، ومكث فيه أربع سنوات - كعادة نظام التعليم في الأزهر حينها - وكان يذهب إلى المعهد إما محمولًا على الأكتاف، أو زاحفًا على الأرض! وكان الأمر في منتهى الصعوبة، خاصةً عندما يزحف على الطين في الشتاء من أجل الذهاب إلى المعهد.
وفي الثانوية أبلغوه أنه رسب، فكانت صدمة كبيرة له! وكانت المفاجأة أنه نجح، ولكن كشف المكفوفين كان في مكان آخر غير مكان كشف المبصرين، ثم التحق بكلية أصول الدين، وحصل منها على ليسانسين اثنين: الأول في الدعوة والثقافة الإسلامية عام 1979م، والثاني: في التفسير عام 1983م، وعُيِّن إمامًا وخطيبًا في وزارة الاوقاف لمدة سبع سنوات، ولم يكتفِ بكل ذلك، بل حصل على الماجستير عام 1986م، وكان موضوع الرسالة هو "منهج الإسلام في التنمية الاقتصادية"، وعُيِّن بعدها مدرسًا مساعدًا في كلية الدعوة الإسلامية، ولم يكتفِ بهذا القدر، بل سجَّل الدكتوراه، وحصل عليها بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف عام 1989م، وكان موضوع الرسالة هو "الدعوة الإسلامية في القرن السادس الهجري"، وتدرج وظيفيًّا حتى صار رئيس قسم الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة الإسلامية، وألَّف أربعًا وعشرين مؤلَّفًا في التفسير، والدعوة، والثقافة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع...، وأشرف على عشرات الرسائل من الماجستير والدكتوراه.
رحل الدكتور رحمه الله عن دنيانا في الثلاثين من يناير 2015م عن عمر يناهز 62 عامًا، رحل وقد ترك لنا رسالة مهمة، وهي أن العجز الحقيقي ليس عجز البدن، بل عجز الإرادة.
المراجع:
كتاب الدكتور إبراهيم الفقي: أيقظ قدراتك واصنع مستقبلك، بتصرف واختصار كبير.
حلقة للدكتور زكي على قناة الحافظ يحكي فيها قصة حياته.
حلقة للدكتور زكي عثمان مع الدكتور إبراهيم الفقي على قناة art عين.
alukah