في مسرحية "اللّي شبكنا يخلّصنا"، يجد يوسف شنكر، السجين الذي كان محكوماً بالمؤبَّد في "سجن رومية"، نفسَه على خشبة مسرح بيروتي، أمّا زينة دكّاش، المخرجة التي قضت أكثر من خمسة عشر عاماً في علاج المساجين بالدراما، فتنهار من واقع بلد مأزوم، في حين يظهر سام غزال، أو "وحش تمثيل"، كما يُردّد، كصلة بينهما خلال رحلتهما في البحث عن معنى "خارج" أسوار السِّجن. وبهذا نجدنا، نحن المشاهدين، في قلب مسرحية شديدة الواقعية، بدأ عرضها في "مسرح مونو" ببيروت الشهر الماضي، وتستمرّ خلال الشهرين الجاري والمُقبل.
تستكمل زينة دكّاش اشتغالاتها "السِّجنية" السابقة، كأفلامها "12 لبناني غاضب" (2009)، و"شهرزاد في بعبدا" (2012)، و"السجناء الزُّرق" (2021)، ومسرحية "جوهَر.. في مهبّ الريح" (2016)، وغيرها، وتضيف هذه المرّة شيئاً من تجربتها وسيرتها الذاتية.
تبدأ لعبتها بشريط مصوّر يُعيدنا إلى "12 لبناني غاضب"، وتُمرّر من خلاله المخرجة نظرة المجتمع للسجناء، وواقع حالهم المُزري في "سجن رومية"، حيث يظهر يوسف شنكر، وهو يتحدّث عن "الأبد" الذي يعيشه، متسائلاً إن كان سيحظى بفرصة أُخرى يُتيحها له الفنّ وهو في سجنه... ينتهي الشريط. يخرج شنكر فجأةً من بين الجمهور، بعد أن خُفّضت عقوبتُه. استطاع، وبفضل أعمال زينة دكّاش، أن يعثر على المعنى، حين كان في "الداخل"، فكيف يعثر عليه اليوم؟
لعبة مرايا مَبنيّة على تقنيات العلاج النفسي من الصدمات
"تُفضفض" زينة ليوسف، فقد حان دورها في الحكي، بعد أن كسَرت الصمت، وكذلك "الوصمة" التي تلفّ عوالم السجون، وكلّ من يدخلها أو يقترب منها، تستعيد ماضيها وطفولتها وعلاقتها بأُمّها التي رحلت، في لعبة مرايا مَبنيّة على تقنيات العلاج النفسي من الصدمات. "يستمع" يوسف لها، قبل أن يجد نفسه، هو "الآخر"، في قلب هذه الفضفضة التي تستدعي أطياف الطفولة والعائلة وأثرهما في تكوين شخصيتنا. لكن المسرحية في نهاية الأمر عمل فنّي، وليست قضية إنسانية وحسب، بل أداء و"منهج"، كما يتساءل سام غزال مراراً: "ما المنهج الذي بنينا عليه المسرحية؟".
تحضر في العمل (ساعة وعشرون دقيقة) مقاطع الفيديو المُسجّلة أكثر من مرّة، ربّما لـ"التنفيس" عن الثقل الكلاسيكي لحضور الممثّل على الخشبة، في راهن بصري تُهيمن عليه المؤثّرات.
أمّا على مستوى الحبكة فجاءت مُشذّرة لا محوراً جامعاً فيها، مع ذلك تخلّلتها قصصٌ أُخرى فرعية يؤدّيها غزال (القادم من عالم "ستاند أب كوميدي" ووسائل التواصل الاجتماعي)، وأغلبها تُعطي أطرافَ خيوط، أو تقترح إجابات مُمكنة لسؤال المعنى الذي تنطلق منه المسرحية.
وفي غمرة كلّ ما سبق، ورغم إطباق ثالوث "المضطهد - الضحيّة - المنقذ"، على الشخصيات (من دون أن يعني ذلك احتكار شخصية لصفة منها)، تبقى محاولة التشافي هي الكلمة المفتاحية والمحصّلة النهائية التي يطرحها العمل على الجمهور، وبنى نفسه على أساسها.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسلــم الأيــــادي على الإنتقـــاء المميز والقيـــم
وبارك الله فيك على الطرح الرائـع وجزاك الله خيرا
لمـــا تقدمــــه من مجهــــودات طيبـــة .
واصل تميــــزك وتألقـــك ، في إنتظــــار جديـــدك
تحيـــــــاتي.
