العبادة في الهَرْج كهجرة إليّآخر
الصفحة
حامل الشهد
  • المشاركات: 1824
    نقاط التميز: 720
أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
أفضل عضو بمنتدى القرآن الكريم
حامل الشهد
أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
أفضل عضو بمنتدى القرآن الكريم
المشاركات: 1824
نقاط التميز: 720
معدل المشاركات يوميا: 3.1
الأيام منذ الإنضمام: 586
  • 12:58 - 2025/03/06

العبادة في الهَرْج كهجرة إليّ

تتأسّى النفوس بما تشاهده من أحوال من حولها، فإذا كثرت يقظةُ الناس وطاعاتهم كثُر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهُلت الطاعات، وإذا كثُرت الغفلات وأهلها تأسّى بهم عموم الناس، فيشقُّ على نفوس المستيقظين طاعاتهم، لقلة من يقتدون بهم فيها، ولذا كان للعبادة في زمن الغفلة أجر عظيم، وثواب جزيلٌ، بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث مَعْقِل بن يَسَار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العِبَادة في الهَرْج كهجرة إليَّ) رواه مسلم، وعند الإمام أحمد بلفظ: (العمل في الهَرْج كهجرةٍ إليَّ)، وعند الإمام الطبراني في المُعجم الكبير بلفظ: (العبادة في الفتنة كهجرة إليَّ).

المقصود بالهَرْج

الهَرْج: الاختلاط؛ هرج الناس يَهْرِجون -بالكسر- هَرْجًا من الاختلاط؛ أي اختلطوا، وأصل الهَرْج: الكثرة في المشي والاتساع، والهَرْج: الفتنة في آخر الزمان، والهَرْج: شدة القتل وكثرته؛ وفي الحديث الصحيح: (بين يَدَيِ الساعة هَرْج)؛ أي: قتال واختلاط.

شرح الحديث

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم أن العبادة في زمن الهَرْج والفتنة والغفلة تعدِل أجر وثواب الهجرة، والهجرة -كما هو معلوم- أعلى الطاعات منزلة عند الله عز وجل، وازدياد الفتن وشيوعها دليلٌ على قُرب الساعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بين يَدَيِ الساعةِ أيامًا، يُرفَعُ فيها العلمُ، وينزلُ فيها الجهلُ، ويَكثُرُ فيها الهَرْجُ -والهَرْجُ القتلُ-) متفق عليه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يتقارب الزمان، ويُقْبَضُ العِلمُ، وتظهر الفتنُ، ويُلْقَى الشُّحُّ، ويَكثُرُ الهَرْجُ)، قالوا: وما الهَرْجُ؟ قال: (القتل) متفق عليه.

يقول المُنَاوِي في فيض القدير: "قوله صلى الله عليه وسلم: (العبادة في الهَرْج) أي: وقت الفتن واختلاط الأمور، (كهجرة إلي): في كثرة الثواب، أو يقال: المهاجر في الأول كان قليلاً؛ لعدم تمكُّن أكثر الناس من ذلك، فهكذا العابد في الهَرْج قليل. قال ابن العربي: وجْه تمثيله بالهجرة أن الزمن الأول كان الناس يفرِّون فيه من دار الكفر وأهله، إلى دار الإيمان وأهله، فإذا وقَعَت الفتن تعيَّن على المرء أن يفرَّ بدينِه من الفتنة إلى العبادة، ويَهْجُر أولئك القوم وتلك الحالة، وهو أحد أقسام الهجرة".

في رحاب التوجيه النبوي

- ارتقت العبادة في زمن الغفلة والفتنة إلى المنزلة الرفيعة للهجرة لأسباب متعددة؛ ذكرها الأئمة في شروحهم للحديث، نورد منها ما يلي:

السبب الأول: أن الناس يَغْفُلون عنها ويَشْتَغلون عنها، ولا يتفرَّغ لها إلا أفراد، كما ذكر ذلك الإمام النووي رحمه الله.
السبب الثاني: أن الناس في زمن الفتن يتَّبعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دين؛ فيكون حالهم شبيهًا بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم مَن يتمسَّك بدينِه ويعبد ربَّه، ويتَّبع مراضيه، ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة مَن هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، متبعًا لأوامره، مجتنبًا لنواهيه، كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله.
السبب الثالث: أن المتمسك في ذلك الوقت، والمنقطع إلى العبادة، المنعزل عن الناس، أجرُه كأجر المهاجر إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لأنه ناسبه من حيث إن المهاجر فرَّ بدينه ممن يصده عنه للاعتصام بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكذا هذا المنقطع للعبادة فرَّ من الناس بدينه إلى الاعتصام بعبادة ربه، فهو في الحقيقة قد هاجر إلى ربه، وفرَّ من جميع خلقه، كما ذكر ذلك الإمام القرطبي رحمه الله.
السبب الرابع: إذا عَمَّت الفتن اشتغلت القلوب، وإذا تعبَّد حينئذٍ متعبِّدٌ، دلَّ على قُوَّة اشتغال قلبه بالله عز وَجل فيَكْثُر أجره، كما ذكر ذلك الإمام ابن الجوزي رحمه الله.

- كيفية العبادة التي يريدها ويحبُّها الله عز وجل منا: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "العبودية": العبادة هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم، والمسكين، وابن السبيل، والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة.

وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله، والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك، هي من العبادة لله.

وذلك أن العبادة لله هي: الغاية المحبوبة له والمرضية له التي خَلَق الخلق لها، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56)، وَبهَا أرسل جَمِيع الرُّسُل، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء:25).

فمهمَّتنا في هذه الدنيا، ورسالتنا العظمى: أن نحقِّق العبودية لله وحده؛ من توحيده، وعبادته بما افترضه علينا من الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر... إلخ.

والعبادة أصل معناها الذل أيضًا، يقال: طريق معبَّد، إذا كان مذلَّلاً، قد وَطِئته الأقدام، لكنَّ العبادة المأمور بها: تتضمَّن معنى الذل، ومعنى الحب؛ فهي تتضمَّن غاية الذل لله، بِغَاية المحبَّة له، نسأل الله عز وجل أن يثبتنا على طاعته وعبادته ومحبته، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.

مصدر

0📊0👍0👏0👌
ممدوح عطا الله

  • المشاركات:
    127691
مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف مميز بالمنتدى الإسلامي العام
ممدوح عطا الله

مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف مميز بالمنتدى الإسلامي العام
المشاركات: 127691
معدل المشاركات يوميا: 22.2
الأيام منذ الإنضمام: 5749
  • 13:01 - 2025/03/06
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا
0📊0👍0👏0👌
المسافر إلى الله

  • المشاركات:
    194070
مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف الحديث والسيرة النبوية
أفضل عضو بمنتدى القرآن الكريم
أفضل عضو لهذا الشهر بمنتدى الدردشة
المسافر إلى الله

مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف الحديث والسيرة النبوية
أفضل عضو بمنتدى القرآن الكريم
أفضل عضو لهذا الشهر بمنتدى الدردشة
المشاركات: 194070
معدل المشاركات يوميا: 31.2
الأيام منذ الإنضمام: 6217
  • 18:55 - 2025/03/07
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
طرح مميز و قيم
لاحرمك الله الاجر
مشاركة قيمة فعلاً
بارك الله فيكم و بجهودكم
وفقكم الله لكل خير
0📊0👍0👏0👌
الزير اسطورة العرب
- عضوية مقفولة -
الزير اسطورة العرب
- عضوية مقفولة -
  • 21:14 - 2025/03/07
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسلــم الأيــــادي على الإنتقـــاء المميز والقيـــم
وبارك الله فيك على الطرح الرائـع وجزاك الله خيرا
لمـــا تقدمــــه من مجهــــودات طيبـــة .
واصل تميــــزك وتألقـــك ، في إنتظــــار جديـــدك
تحيـــــــاتي.
0📊0👍0👏0👌

الرد على المواضيع متوفر للأعضاء فقط.

الرجاء الدخول بعضويتك أو التسجيل بعضوية جديدة.

  • إسم العضوية: 
  • الكلمة السرية: 

 العبادة في الهَرْج كهجرة إليّبداية
الصفحة