السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة مباركة لأعضاء هذا المنتدى الكريم، أسأل الله أن يبارك في جهودكم ويجعلها في ميزان حسناتكم، وأتوجه بالشكر الجزيل لإدارة الموقع الموقرة وللأخ الكريم الذي أثرى هذا النقاش بهذه الشخصية الفريدة من نوعها، شخصية كانت ولا تزال منارة علم ودعوة في شبه القارة الهندية، إنه العلامة محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله، حارس الإسلام والعربية في الهند، ورمز النهضة الفكرية والدعوية في زمن التحديات الكبرى.
محمد الرابع الحسني الندوي لم يكن مجرد عالم من علماء الهند، بل كان حصنًا منيعًا في وجه التغريب، وحاملًا لواء الإسلام في أمة عاشت تحت وطأة الاستعمار والتحديات الفكرية والدينية والسياسية. وُلد في بيت اشتهر بالعلم والفضل، ونشأ في بيئة حملت على عاتقها مسؤولية الحفاظ على هوية المسلمين في شبه القارة الهندية، فكان امتدادًا طبيعيًا لمدرسة دار العلوم ندوة العلماء، تلك القلعة العلمية التي حملت مشعل العلم والدعوة في ظل رياح الحداثة التي أرادت أن تقتلع جذور الإسلام من قلوب أبناء الأمة. لقد كان فارسًا في ميادين الفكر والدعوة، عالمًا موسوعيًا جمع بين رسوخ القدم في علوم الشريعة وبين الإدراك العميق لمتطلبات العصر، فحمل هموم الأمة الإسلامية بقلب مؤمن وعقل مفكر ولسان بليغ، يذب عن الإسلام شبهات المغرضين، ويرسخ العقيدة في القلوب، ويدافع عن اللغة العربية في أرضٍ أراد الاستعمار لها أن تنسلخ عن هويتها الدينية والثقافية.
كان محمد الرابع الحسني الندوي نموذجًا للعالم الرباني الذي لم يتخذ العلم مجرد تخصص أكاديمي أو أداة لكسب المكانة الاجتماعية، بل كان علمه رسالة وحياة، دعوة وجهادًا، فكرًا وحركة. لم يكن منفصلًا عن واقع الأمة، بل كان جزءًا فاعلًا فيها، يؤمن بأن العالم الحقيقي لا يعيش في أبراج عاجية، بل يكون في قلب المجتمع، يُصلح ما فسد، ويجدد ما اندثر، ويعيد الأمة إلى أصالتها في مواجهة طوفان التغريب والتشكيك الذي اكتسح العقول والقلوب. كان حاملًا لهمّ الهوية الإسلامية في الهند، مدافعًا عن عقيدة التوحيد، ناصرًا للغة القرآن، فحمل في كلماته وكتبه وخطاباته روحًا إيمانية صافية، تعيد إلى النفوس يقينها، وإلى العقول رشدها، وإلى القلوب طمأنينتها.
في عصرٍ كان فيه المسلمون في الهند يواجهون محاولات طمس هويتهم وإضعاف وجودهم، كان محمد الرابع الندوي سدًّا منيعًا أمام تلك التحديات، مجددًا لدور العلماء في قيادة الأمة، مؤكدًا أن الإسلام ليس مجرد شعائر، بل نظام حياة متكامل، روحًا وفكرًا، عقيدة وسلوكًا، شريعة وأخلاقًا. كان يدرك أن التحدي ليس في قوة الأعداء فحسب، بل في ضعف الأمة وتفرقها، فكانت رسالته تقوم على بعث الروح الإسلامية الحقيقية في نفوس المسلمين، وربطهم بهويتهم، وإحياء فكر الإصلاح والتجديد على هدي الكتاب والسنة.
لم يكن الدفاع عن الإسلام والعربية في الهند أمرًا سهلًا في ظل التغيرات السياسية والثقافية الجارفة، لكن محمد الرابع الحسني الندوي لم يكن رجلًا تقليديًا يقف عند حدود التمني أو التنظير، بل كان رجل ميدان، يحمل على عاتقه مسؤولية التصدي لكل مشروع يراد به إقصاء الإسلام عن حياة المسلمين. أدرك مبكرًا أن اللغة العربية ليست مجرد وسيلة تعبير، بل هي الوعاء الذي حفظ الإسلام ونشره في أصقاع الأرض، فكانت معركته دفاعًا عن العربية دفاعًا عن القرآن ذاته، عن الهوية التي تربط المسلمين بدينهم، وعن الجذور التي أرادت أيادٍ خبيثة أن تقتلعها من تربة الهند المسلمة.
رحل محمد الرابع الحسني الندوي، لكن أثره باقٍ في قلوب من عرفوه، في كتبه، في تلاميذه، في المعاهد التي أسسها، وفي كل مسلم وجد في كلماته نورًا يضيء له طريق الحق في عالم تموج فيه الفتن. سيظل اسمه خالدًا في سجل العلماء الذين حملوا الإسلام في قلوبهم وعقولهم، وجعلوا من حياتهم وقفًا في سبيل الله، وسيبقى نموذجًا للعالم الرباني الذي جمع بين البصيرة النافذة والعلم العميق والحكمة البالغة، فحفظ الله به الإسلام في أرض الهند، وحفظ به العربية لغةً وهويةً.
رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجعل ما قدمه في ميزان حسناته. والشكر موصول لإدارة الموقع الكريمة وللأخ الكريم على إتاحة هذه الفرصة للحديث عن هذه الشخصية الفذة، التي تحتاج أمتنا إلى استلهام سيرتها والاستفادة من إرثها العظيم.
🔹🔸 #محمد_الرابع_الحسني_الندوي | #الإسلام_في_الهند | #العربية_لغة_القرآن | #علماء_الأمة 🔸🔹