السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة لأعضاء هذا المنتدى المبارك، أسأل الله أن تكونوا جميعًا في خير حال، وأن يغمر قلوبكم بنور الطاعة والإيمان.
إن قيام الليل هو شرف المؤمن وعلامة صدقه مع ربه، فهو في ظاهره صلاة تُقام في وقت السكون، لكنه في حقيقته سرٌّ بين العبد وربّه، لا يطّلع عليه أحد، ولا يشهده سوى الله جل جلاله والملائكة الكرام. إنه محراب الخلوة بالله، وميدان الصفاء، ومصدر القرب من الخالق، حيث تتجلّى فيه أسرار الطاعة الحقيقية، بعيدًا عن أعين الخلق وضجيج الدنيا.
لقد جعل الله لقيام الليل منزلة رفيعة لا يدركها إلا من ذاق لذته، واستشعر حلاوته، وسَمح لنور القرآن أن يخترق ظلمات الليل وسكونه. كيف لا يكون قيام الليل شرفًا، وهو الذي وصفه الله في كتابه العزيز بقوله: "إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا"؟ فقيام الليل لا يُشبه بقية الصلوات، فهو اختبار حقيقي للإخلاص، حيث لا رياء ولا سمعة، وإنما يقف العبد وحده، يبكي بين يدي ربه، يشكو إليه بثّه وأحزانه، ويطلب منه المغفرة والهداية والرحمة.
إن الذين تعلّقت قلوبهم بقيام الليل لا يرونه تكليفًا، بل يرونه هدية ربانية تُقدَّم لأهل الإيمان الذين اشتاقت أرواحهم إلى لقاء الله في وقت يغفل فيه الناس. في ظلام الليل، حيث تهدأ الأصوات، ويخلد البشر إلى النوم، هناك قلوب تنتفض شوقًا إلى الله، وعيون تبكي حبًا وخشية، وألسنة تلهج بذكره ودعائه. في ذلك السكون العجيب، يشعر العبد بطمأنينة لا يجدها في أي موضع آخر، وكأن أبواب السماء قد فُتحت، وتجمّلت بصوت تلاوة القرآن، وأنين المستغفرين، ودعوات السائلين.
أي شرف أعظم من أن يكون العبد قريبًا من الله في ساعة يغفل فيها معظم الخلق؟ أيّ فخر للمؤمن أن يكون في ذلك الموقف العظيم، حيث يقترب من ربه، ويشعر بأن كل ما في الدنيا من هموم قد تلاشى تحت سجادة السجود؟ ليس العجيب أن ينام الناس في الليل، ولكن العجيب أن يترك العبد فراشه الوثير، ويتوضأ بماء بارد، ثم يقف بين يدي ربه، متبتلًا خاشعًا، كأنما يراه، وكأن الدنيا قد ضاقت ولم يبقَ إلا لقاء الله.
إن قيام الليل علامة على قوة العزيمة، وصفاء القلب، ونقاء السريرة، وهو سرُّ أولياء الله، وراحة العارفين، ومتعة المحبّين. فمن وجد حلاوة هذه العبادة، استصغر كل مشقة فيها، ومن ذاق لذتها لم يستطع أن يتركها. ولذا، كان الصالحون يفرحون بها فرح العاشق بلقاء محبوبه، وكانوا يرون فيها مفتاحًا لكل خير، وبوابةً لكل نور، وطريقًا إلى الجنة التي وعد الله بها عباده الصالحين.
إن كان شرف الملوك في التيجان والمناصب، فإن شرف المؤمن في سجوده بين يدي خالقه. وإن كانت الدنيا مليئة بالصراعات والمنافسات، فإن أعظم صراع هو صراع المؤمن مع نفسه عندما يدعوه فراشه للنوم، ويدعوه قلبه للقيام، فينتصر الإيمان، ويقف العبد متضرعًا بين يدي الله، فلا يسمعه أحد، لكن الله يسمعه ويراه، ويثيبه أجرًا لا يعلمه إلا هو.
وفي الختام، لا يسعني إلا أن أتوجّه بالشكر العميق لإدارة هذا المنتدى المبارك، التي تُتيح لنا هذه المساحات النورانية لنناقش فيها ما يقرّبنا من الله ويذكّرنا بطاعته. كما أشكر الأخ الكريم على طرحه هذا الموضوع القيم الذي يحرك القلوب نحو عبادة عظيمة، لعلها تكون سببًا في رفع الدرجات ومحو السيئات وزيادة القرب من الله جل وعلا. أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل قيام الليل، وأن يمنحنا القوة والعزيمة لمناجاته في الأسحار، وأن يجعل لنا في كل ليلة سهمًا من هذه العبادة المباركة.
🔹🔸 #شرف_المؤمن | #قيام_الليل | #نور_القلوب | #مناجاة_السحر 🔸🔹