السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة مباركة لجميع الأعضاء الكرام، وأسأل الله أن يجمعنا دائمًا على الخير والعلم النافع، وأن يرزقنا وإياكم الفهم العميق لحديث رسول الله ﷺ وأنوار سنته الشريفة.
حديث النبي ﷺ: "جاهَدَ في سَبيلِ اللَّهِ أوْ جَلَسَ في أرْضِه.." يحمل في طيّاته معاني عظيمة ترتبط بمفهوم الجهاد في الإسلام بمختلف أبعاده، فهو ليس قاصرًا على ميدان القتال وحده، بل يشمل كل سعي خالص لوجه الله، سواء كان في ميادين الدفاع عن الحق، أو في معارك النفس ضد الهوى، أو في مجاهدة العلم والعمل والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. إن الإسلام دين يعترف بقدرات الإنسان المختلفة، ويجعل لكل فرد مجاله في خدمة الدين والأمة، فالجهاد قد يكون في ساحات القتال، لكنه قد يكون أيضًا في ميادين الفكر والتعليم والإصلاح والبناء، فليس كل مجاهد يحمل السيف، بل هناك من يجاهد بقلمه وعلمه، وهناك من يجاهد بأخلاقه وصبره وثباته على الحق، وهناك من يجاهد بإصلاح نفسه وأهل بيته ومجتمعه.
إن هذا الحديث الشريف يعكس بوضوح أن الإسلام لا يفرض على الإنسان أن يخوض معركة لا يقدر عليها، ولكنه يضع أمامه خيارات متعددة، فإما أن يكون في ميدان العطاء والجهاد والتضحية، وإما أن يكون ثابتًا على الحق، قائمًا بواجبه في أرضه، لا يفرّط في دينه، ولا ينحرف عن مبادئه، بل يكون حصنًا منيعًا لدينه وأمته، محافظًا على ثوابته ولو لم يكن في ساحة المعركة. الجلوس في الأرض هنا ليس قعودًا عن الواجب، وإنما هو إشارة إلى الاستقامة والتمسك بالحق في زمن الفتن، حين يكون الثبات نفسه نوعًا من الجهاد، وحين يصبح التمسك بالقيم والمبادئ في وجه المتغيرات والتحديات صراعًا قائمًا بين الحق والباطل.
كم من أناس لم يرفعوا سيفًا ولم يخوضوا حربًا، لكنهم كانوا في جهاد دائم، فجهاد النفس والهوى، وجهاد الصبر على المحن، وجهاد التعلّم والتعليم، وجهاد الدعوة والإصلاح كلها ميادين لا تقل شأنًا عن ميادين القتال، بل ربما كانت بعض صور الجهاد التي لا يلتفت إليها الناس أحيانًا أكثر بقاءً وتأثيرًا في المجتمع من جهاد السلاح، إذ إنها تؤسس للمبادئ وتنشر العلم وتبني الإنسان. ولو تأملنا في سيرة النبي ﷺ لوجدناه قد قاد الجيوش، لكنه في ذات الوقت جاهد في ميادين الصبر على الأذى، والتعليم والتزكية، والتأليف بين القلوب، وإرساء دعائم العدل والرحمة، فجهاده لم يكن مقتصرًا على معارك السلاح، بل كان جهادًا شاملاً في كل جوانب الحياة.
إن هذا الحديث يحثّنا على أن نكون في إحدى هاتين المرتبتين، إما مجاهدين في سبيل الله، وإما قائمين بالواجب في مواقعنا، ثابتين على الحق، محافظين على المبادئ، عاملين على بناء مجتمعاتنا وتقوية أواصر الإيمان فيها، فلا مكان للانهزامية، ولا مبرر للتقاعس عن الواجب، بل على كل مسلم أن يجد طريقه في خدمة دينه وأمته، سواء كان ذلك بالسيف أو بالقلم، بالكلمة أو بالموقف، بالعمل أو بالنية الصادقة، فكل مجهود يُبذل في طاعة الله ونصرة الحق هو نوع من الجهاد.
ختامًا، أود أن أتوجه بجزيل الشكر والتقدير لإدارة الموقع الموقرة على جهودها في إتاحة هذه المساحات الثرية للنقاشات العلمية والشرعية، كما أشكر الأخ الكريم الذي طرح هذا الموضوع القيم الذي يفتح لنا آفاقًا أوسع لفهم مفهوم الجهاد في الإسلام بصورة متكاملة ومتوازنة، وأدعو الله أن يجعلنا وإياكم من الذين يجاهدون في سبيله بأفضل ما يستطيعون، وأن يرزقنا الثبات على الحق حتى نلقاه.
#الجهاد_في_سبيل_الله | #الثبات_على_الحق | #العلم_والعمل | #إحياء_السنة