مضاعفة أجر العمل فيه فرضه ونفله
أمَّا مضاعفة فرضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كُل عمل ابن آدم يُضاعفُ، الحسنة عشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))، رواه مسلم برقم (1151)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وسبق في (الفضيلة الرابعة عشرة) بعض أدلَّة، ويأتي حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه بعد أسطر إن شاء الله تعالى.
وأمَّا مُضاعفة نفله، فقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في "لطائف المعارف" (ص168) ـ وهو يذكر أسباب مضاعفة الأجر للأعمال ـ ومنها: شرف الزمان، كشهر رمضان، وعشر ذي الحجة.
وفي حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه المشهور: ((من تطوَّع فيه بخصلة من خصال الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة، كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه))، رواه ابن خزيمة برقم (1887)، وغيرُه[1].
وفي "الترمذي"[2] عن أنس رضي الله عنه قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصدقة أفضل؟، فقال: ((صدقة في رمضان)).
وفي "الصحيحين"[3]، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((عمرة في رمضان تُعدل بحجة))، أو قال: ((حِجة معي)).
وورد في حديث آخر: أن عمل الصائم مضاعف[4].
وذكر أبو بكر بن أبي مريم، عن أشياخه: أنهم كانوا يقولون: إذا حضر شهر رمضان فانبسطوا فيه بالنفقة؛ فإن النفقة فيه مضاعفة، كالنفقة في سبيل الله، وتسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة في غيره.
وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: صوم يومٍ من رمضان أفضل من ألف يوم في غيره، وتسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة في غيره، وركعة فيه أفضل من ألف ركعة في غيره.
ثم قال ابن رجب رحمه الله: فلما كان الصيام في نفسه مضاعفًا أجره، بالنسبة إلى سائر الأعمال، كان صيام شهر رمضان مضاعفًا على سائر الصيام؛ لشرف زمانه، وكونه هو الصوم الذي فرضه الله على عباده، وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي بُني الإسلام عليها.
وقد يُضَاعَفُ الثواب بأسباب أُخَر، منها شرف العامل عند الله وقربه منه، وكثرة تقواه، كما يُضاعف أجر هذه الأمة على أجور من قبلهم من الأمم، وأُعطوا كفلين من الأجر؛ اهـ.
وقال الزهري رحمه الله: تسبيحة في رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره[5].
قلت: ويُستفاد مما تقدم أيضًا حرص المسلم على العمل الصالح، في الأزمنة والبقاع المُضَاعَفُ الأجر فيها، مثالُه: من هو بمكة حرسها الله، فيصوم رمضان في شهره الفضيل، في أفضل البقاع على الإطلاق، نسأل من الله أن يمنَّ علينا جميعًا بذلك كل عام، حتى تأتي مفارقة الأنام، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
[1] حسنٌ بشواهده: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "التلخيص الحبير" (3/ 118): أخرجه بن خزيمة في "صحيحه"، وعلَّق القول بصحته، واعتُرض على استدلال الإمام به، والظاهر أن ذلك من خصائص رمضان، ولهذا قال النووي استأنسوا به، والله أعلم. اهـ
قلت: وقد حسَّنه بعض العلماء؛ بكثرة شواهده، وعمل السلف بمدلوله، وتناقلهم له، والله أعلم.
[2] حسنٌ لغيره: رواه الترمذي برقم (663)، وله شواهد تُقوِّي الاحتجاج به. راجع: "موسوعة السنة النبوية" (1/ 576)، و"التبيان في تخريج وتبويب أحاديث بلوغ المرام" (7/ 378)، والله أعلم.
[3] البخاري برقم (1782)، ومسلم (1256)، عن ابن عباس م.
[4] قلت: لعله يُشير إلى حديث أبي هريرة س، المذكور أولَّ الفضائل، وفيه: "الحسنة بعشر أمثالها".
فقوله ق ـ فيما يرويه عن ربه: " والحسنة بعشر أمثالها"، مفادُه: أن العمل في شهر رمضان مضاعف إلى عشرة أضعاف، بل جاء في لفظٍ لمسلم برقم (1151): "أنه يُضاعف إلى سبع مائة ضعف"، والله المستعان، وهو أعلم.