

ولماذا التوبة؟ لأنك مُقبلٌ على موسم من أهم مواسم الطاعة، وصاحب المعصية لا يُوَقَّف للطاعة، فبشؤم المعصية يُحرَم التوفيق، قيدُ الذنب يَمنَعه عن السير إلى طاعة ربِّه، ثِقَل الذنوب يَمنعه الخفةَ للخيرات والمسارعة في الطاعات، فتجد قلبه في ظلمة وقسوة، فكيف يوفَّق إلى الطاعة؟
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "إذا كنت لا تستطيع قيام الليل وصيام النهار، فاعلَم أنك محبوسٌ، قد قيَّدَتْك ذنوبُك".
نحتاج توبة تؤهِّلنا لأن نفوز برمضان، توبة فيها ندمٌ على ما فات وعزمٌ على عدم العودة إلى الذنب فيما هو آتٍ، فيها تركٌ للذنب في الحال، فيها تضرُّع إلى الله بالدعاء والسؤال، وشعور بالافتقار إلى العزيز الغفار، وكثرة الإلحاح ودوام الاستغفار.
يا مَن يرى ما في الضمير ويسمعُ
أنت المُعِدُّ لكلِّ ما يُتوقَّعُ
يا من يُرجَى للشدائد كلِّها
يا مَن إليه المُشتكى والمفْزعُ
يا مَن خزائنُ رِزقه في قول (كُنْ)
امنُنْ فإن الخير عندك أجْمعُ
ما لي سوى فقري إليك وسيلةٌ
فبالافتقارِ إليك فَقري أَدفَعُ
ما لي سوى قرعي لبابك حيلةٌ
فلئِنْ رُدِدتُ فأيَّ بابٍ أقْرعُ
حاشا لجودِك أن يُقنِّطَ عاصيًا
الفضلُ أَجزلُ والمكارمُ أَوسعُ
لكن ذنوبي كثيرة! حاولت كثيرًا أن أتغيَّر، ولكن لا أَستطيع، كل مرة أعود للذنب، ماذا أفعل؟
لا تيئَس من رحمة الله، في رمضان كل شيء يتغيَّر، وكذلك علاقتي مع ربي لابد أن تتغير للأفضل، بداية جديدة مع رمضان، فرصة لقلبك يرجِع إلى الله، لابد أن نتغيَّر للأفضل لنجاة أنفسِنا، لأجل أمَّتِنا، لأجل نُصرة ديننا؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
انظر إلى الصحابة كيف تغيَّروا بعد الإسلام، علمًا أن الظروف كانت صعبة، البيئة لا تساعدهم، تحمَّلوا جفوة الأهل والعشيرة والعذاب والنَّكال، وغيَّروا واقعهم من خمر وزنا وحروب قبَلية إلى حياة إيمانية، كان الناس يقولون عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لو أسلم حمار الخطاب ما أسلَم عمر"، ولكن أسلم عمر رضي الله عنه، وكان واحدًا من العشرة المبشَّرين بالجنة، هذا ليس خاصًّا بالصحابة فقط، بل في عصرنا أيضًا، الأمل ما زال موجودًا لنُحسِّن أحوالنا مع الله.
رحمة الله وسِعت كلَّ شيء، فكيف لا تَسعك؟!
هو أرحمُ بك من أمِّك التي تخاف عليك وتَرعاك طول حياتها؛ قال صلى الله عليه وسلم: "لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا"[1].
إنَّ الله يَفرَح بتوبةِ عبده ورجوعِه إليه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا"[2].
أحسِن الظنَّ بالله أنه سيَغفر لك، سيَرحمك، سيُدخلك الجنة؛ قال تعالى في الحديث القدسي: "أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي"[3].
أقبِل عليه بالتوبة والعمل الصالح، سيَغفر لكِ ذنبك لأنه الكريم؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82].
[1] صحيح البخاري (5999)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[2] صحيح مسلم (2759)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
[3] صحيح البخاري (7405)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
المصدر : شبكة الألوكة