سُورَةُ آل عِمْرانَ -:72-74آخر
الصفحة
ممدوح عطا الله

  • المشاركات:
    128132
مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف مميز بالمنتدى الإسلامي العام
ممدوح عطا الله

مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف مميز بالمنتدى الإسلامي العام
المشاركات: 128132
معدل المشاركات يوميا: 22.2
الأيام منذ الإنضمام: 5764
  • 12:21 - 2025/02/24
 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يتوفر وصف للصورة.

0📊0👍0👏0👌
ممدوح عطا الله

  • المشاركات:
    128132
مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف مميز بالمنتدى الإسلامي العام
ممدوح عطا الله

مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف مميز بالمنتدى الإسلامي العام
  • 12:22 - 2025/02/24

سُورَةُ آل عِمْرانَ: 72-74

غريبُ الكَلِماتِ:

وَجْهَ النَّهَارِ: أي: صدْرَ النَّهار، أو أوَّله؛ فالوجه أوَّل ما يُسْتَقْبَلُ من الشيء .

مشكل الإعراب:

قوله: وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ:
أَنْ يُؤْتَى: أنْ والفِعل في تأويل مصدر (إيتاء)، متعلِّق بقوله: وَلَا تُؤْمِنُوا على حذْفِ حرفِ الجرِّ، والأصل: (ولا تؤمنوا بأنْ يُؤتى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم إلَّا لِمَن تبِع دِينَكم)، فيكون في موضِع جَرٍّ أو نصْبٍ على الخلافِ في موضِع (أن) إذا حُذِف حرفُ الجرِّ، ويكون قوله: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ جملةً اعتراضيَّة، أي: ولا تُظهروا إيمانَكم بأنْ يُؤتَى أحدٌ مثلَ ما أُوتيتُم إلَّا لأهل دِينكم دونَ غيرهم. وقوله: أَوْ يُحَاجُّوكُمْ: عطفٌ على أَنْ يُؤْتَى. والضَّميرُ في يُحَاجُّوكُمْ عائدٌ على أَحَدٌ؛ لأنَّه في معنى الجميعِ، أي: ولا تُؤمنوا لغيرِ أتْباعِكم؛ فإنَّ المسلمين يُحاجُّوكم عندَ ربِّكم بالحقِّ، ويُغالِبونَكم عندَ الله. وعلى هذا يكونُ قولُه: إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ مُستثنًى من شيءٍ محذوف، تقديرُه: ولا تُؤمِنوا بأنْ يُؤتَى أحدٌ مِثلَ ما أوتيتُم لأحدٍ مِن الناسِ إلَّا لأشياعِكم دون غيرِهم.
أو يكون قوله: أَنْ يُؤْتَى منصوبًا بفِعلٍ مُقدَّر يدلُّ عليه وَلَا تُؤْمِنُوا إلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ كأنَّه قيل: قل إنَّ الهُدَى هُدَى الله، فلا تُنكروا أنْ يُؤتَى أحدٌ مِثلَ ما أوتيتُم، فـ(لا تُنكروا) ناصبٌ لـ(أن) وما في حَيِّزها، وجازَ حذفُ العامل (فلا تُنكِروا)؛ لوجودِ ما يدلُّ عليه.
أو يكون هُدَى اللهِ بدلًا مِن الهُدَى الذي هو اسمُ إنَّ، ويكونُ خبر إنَّ: أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ، والتقدير: قل: إنَّ هدى الله أنْ يُؤتَى أحدٌ، أي: إنَّ هدى الله إيتاءُ أحدٍ مثلَ ما أوتيتُم، وتكون أَوْ بمعنى (حتى)، والمعنى: حتَّى يُحاجُّوكم عند ربِّكم فيَغلبوكم ويَدْحَضوا حُجَّتَكم عند الله، ولا يكون أَوْ يُحَاجُّوكُمْ معطوفًا على أَنْ يُؤْتَى وداخلًا في حيِّز (أن). وفي هذه الآيةِ أقوالٌ أخرى كثيرةٌ .

المَعنَى الإجماليُّ :

يُخبر الله تعالى عن طائفةٍ خبيثةٍ أرادتِ المكيدةَ للمسلمين، بالتلبيسِ على الضُّعفاء أمرَ دِينهم، فتشاوروا بينهم أنْ يُظهروا الإيمانَ بما جاء به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أوَّل النهار، فإذا جاء آخِرُ النهار كفَروا به؛ ليقول الضعفاءُ من النَّاس: لو كان هذا الدِّين حقًّا، ما ارتدَّ عنه مَنْ آمَن به من أهل الكتاب؛ يُريدون بذلك أنْ يَرجِعَ المسلمون عن دِينهم ويَتركوه.
كما أخْبَر الله تبارَك وتعالَى عنهم بأنَّهم تواصَوْا فيما بينهم بألَّا يؤمنوا إلَّا لِمَن كان على دِينِهم ومِلَّتهم، ثمَّ أَمَرَ نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأن يردَّ عليهم بجملةٍ اعتراضيَّة، فقال له: قل لهم- يا محمَّدُ-: إنَّ الهُدَى والتوفيقَ مِن الله؛ فهو المتكفِّلُ بهدايةِ المؤمنين إلى الإيمانِ بما أَنزلَه على نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
ثم عادَ السِّياقُ إلى كَلامِ اليَهودِ بَعضِهم لبعضٍ، ووصاياهم فيما بَينَهم؛ إذ قالوا: ولا تُصدِّقوا أنْ يُؤْتَى أحدٌ من البَشر مِثلَ الَّذي أُوتيتُم مِن الكتابِ والحكمةِ والفضائلِ والكراماتِ، أو أنَّ أحدًا يُجادِلُكم عند ربِّكم؛ فأنتُم أصحُّ دِينًا منهم، وأكرمُ عندَ الله، فقال اللهُ لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قلْ لهم- يا محمَّد-: إنَّ التَّوفيقَ والهِدايةَ والإحسانَ يُعطيها اللهُ مَن أراد مِن عِبادِه؛ فهو واسعُ الفضلِ، كثيرُ الإحسان، عليمٌ بمَن هو أهلٌ للإحسانِ؛ فيَهَبه له، ومَن لا يَستحقُّه فيَحْرِمه منه، وهو يَختصُّ برحمتِه مَن يشاءُ مِن عِبادِه؛ فهو صاحبُ الفضلِ الواسعِ الكثيرِ.

تفسير الآيات:

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ
 أي: وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب من اليهود: أظهِروا الإيمانَ بما جاءَ به محمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وادْخُلوا في دِينه أوَّل النهار .
وَاكْفُرُوا آخِرَهُ
 أي: إذا كان آخِرُ النهارِ اكفُروا بدِينهم .
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
 أي: لعلَّهم يَرجعون عن دِينهم ويَتركونه؛ لأنَّه يُقال: لو كان هذا الدِّين صحيحًا ما خرَج منه مَنْ آمَن به مِن أهلِ الكِتاب .
وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.
وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ
أي: وقالتْ هذه الطَّائفة أيضًا: ولا تُصدِّقوا ولا تَطمئنُّوا إلَّا لمن تَبِعَ دِينَكم، فكان يهوديًّا .
فأمَر الله نبيَّه أنْ يردَّ عليهم بهذه الجملةِ الاعتراضيَّة:
قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ
أي: قل- يا محمَّدُ-: إنَّ التوفيقَ توفيقُ الله، والبيانَ بيانُه؛ فهو الَّذي يَهدي المؤمنين إلى الإيمانِ بما نزَّله على نبيِّه محمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإنْ فعلتُم ما فعلتُم، فلن يَنفعَكم ذلك شيئًا .
ثم عادَ السِّياقُ إلى كلامِ اليهودِ بعضِهم لبعض :
أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ
القِراءاتُ ذاتُ الأثرِ في التَّفسير:
في قوله تعالى: أَنْ يُؤْتَى قِراءتان :
1- (ءانْ يُؤْتَى) بالمدِّ في (ءَان)، وهو استفهامٌ معناه الإِنكار؛ وذلك أنَّ أحبارَ اليهود قالوا لِذَوِيهم: أيُؤتَى أحَدٌ مثلَ مَا أوتيتُم؟ أي: لا يُؤتى أحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ .
2- (أَنْ يُؤْتَى) من غير مدٍّ في (أنْ)، وهي المصدريَّة، والمعنى: ولا تُؤمنوا إلَّا لِمَن تبِع دِينَكم ولا تُؤمنوا أنْ يُؤتَى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم .
أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ
أي: ولا تُصدِّقوا أن يُؤْتَى أحدٌ من البشرِ مِثلَ الَّذي أوتيتُم يا بني إسرائيل مِن العلمِ والحِكمةِ والكتابِ والفضائلِ والكراماتِ .
أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ
أي: ولا تُصدِّقوا أنَّ أحدًا يجادلكم عند ربِّكم؛ لأنَّكم أصحُّ منهم دِينًا، وأكرمُ على الله منهم .
قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ
أي: قلْ لهم- يا محمَّدُ-: إنَّ التوفيقَ للإيمانِ، والهدايةَ للإسلامِ، والإحسانِ بشتَّى أنواع الإحسانِ، يُعطيه اللهُ مَن أراد مِن عِبادِه ، وقد آتَى الله هذه الأمَّةَ ما يَربو بكثيرٍ على الفضائلِ الَّتي آتاها بني إسرائيل .
وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
أي: واللهُ ذو سَعةٍ بفضلِه على مَن يشاءُ، ذو عِلمٍ بمَن يَستحقُّ الفضلَ، وهو له أهلٌ؛ فهو يُؤتي فضلَه عن عِلم وحِكمة سبحانه وتعالى .
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ
أي: يَخُصُّ بالنُّبوَّةِ والإسلامِ والقرآنِ مَن يشاء ممَّن هو أهل لذلك ، وقد خَصَّ هذه الأمَّةَ ونبيَّها بما لا يُحَدُّ ولا يُوصَفُ من الفضل .
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
أي: واللهُ صاحِبُ الإحسانِ الواسعِ الكثير، الَّذي يَتفضَّلُ به على مَن أحبَّ مِن خلْقه .

الفوائد التربوية :


1- يُستفادُ من قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ: أنَّ المسلمَ يَرُدُّ كيدَ أهل الباطل بإعلانه أنَّ الهدى هُدى الله، وأنَّهم مهما حاولوا أنَّ يَصُدُّوه عن دِينه وقد أرادَ اللهُ هدايتَه؛ فإنَّ ذلك لا يَضُرُّه .
2- يَنبغي للإنسان أن يُعلِّقَ الرجاء بالله؛ خوفًا وطمعًا؛ لقوله: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ .
3- يَحصُل من مجموعِ قوله: وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ...، والآية الَّتي تَليها: أنَّه لا نِهايةَ لمراتب إعزازِ الله وإكرامِه لعِبادِه، وأنَّ قصْرَ إنعامِه وإكرامِه على مراتبَ معيَّنة وعلى أشخاصٍ معيَّنين جَهلٌ بكمالِ اللهِ في القُدرة والحِكمة .

الفَوائدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف:

1- الفائدةُ في إخبارِ الله تعالى عن تواطئهم على إظهارِ الإيمانِ أوَّلَ النَّهار والكفرِ آخرَه كما في قوله تعالى: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ... من وجوهٍ:
 الأولُ: أنَّ هذه الحيلةَ كانت مَخفيَّةً فيما بينهم، وما أَطْلعوا عليها أحدًا مِن الأجانب، فلمَّا أَخبر الرسولُ عنها كان ذلك إخبارًا عن الغيبِ، فيكون معجزًا.
الثاني: أنَّه تعالى لَمَّا أطْلَع المؤمنين على تواطئِهم على هذه الحيلةِ لم يَحصُلْ لهذه الحيلةِ أثرٌ في قلوبِ المؤمنين، ولولا هذا الإعلانُ لكان ربَّما أثَّرت هذه الحيلةُ في قلبِ بعضِ مَن كان في إيمانِه ضعفٌ.
الثالث: أنَّ القومَ لَمَّا افتَضحوا في هذه الحيلةِ صارَ ذلك رادعًا لهم عن الإقدامِ على أمثالِها مِن الحيلِ والتَّلبيس .
2- في قوله: وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ تعدَّى الإيمانُ باللام؛ لبيان أنَّ التَّصديقَ مضمَّنٌ معنى الثِّقة والرُّكون، فيكون تصديقًا خاصًّا تضمَّن معنًى زائدًا، وفي هذا بيانُ أنَّ اليهود حصَروا الثِّقة بأنفسهم؛ لزَعمِهم أنَّ النبوَّة لا تكون إلَّا فيهم .
3- وفائِدةُ الاعتراضِ في أثناءِ كلامِهِم بقولِه: قل إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ المـُبادرةُ بما يُفِيدُ ضلالَهم؛ لأنَّ اللَّه حرَمهم التَّوفيقَ وأيضا فيه الإشارةُ إلى أنَّ كيدَهم غيرُ ضارٍّ لِمَن لَطَف اللهُ تعالى به بالدُّخولِ في الإسلام، أو زيادة التصلُّب فيه. ويُفيد أيضًا أنَّ الهُدى هداه؛ فهو الذي يتولَّى ظُهورَه يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ .
5- في قوله: قُلْ إِنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ... الآية: زيادةُ تذكيرٍ لهم، وإبطالٌ لإحالتهم أنْ يكون محمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رسولًا من الله، وتذكيرٌ لهم على طرْح الحسَد على نِعم الله تعالى .
5- في قوله: وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ تأكيدٌ لمعنى قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ؛ لأنَّ كونه واسعًا، يدلُّ على كمال القُدرة، وكونه عليمًا يدلُّ على كمال العِلم، فيَصِحُّ منه لمكان القُدرة أن يتفضَّل على مَن شاء بما شاء، ويَصِحُّ منه لمكان كمال العِلم ألَّا يكون شيءٌ من أفعاله إلَّا على وجه الحِكمة والصَّواب .
6- لا اعتراضَ على الله في كونِه يَختصُّ برحمته شخصًا ويمنع رحمته آخرَ؛ لأنَّ الأمرَ إليه وهو فضلٌ؛ إنْ شاء أعطاه، وإنْ شاء منَعَه، كما قال تعالى: يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [آل عمران: 75].

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهْ فيه اختصاصٌ لذِكر وجْه النَّهار؛ لأنَّه وقتُ اجتماعِهم بالمؤمنين يُراؤونهم، وآخِره؛ لأنَّه وقتُ خَلوتِهم بأمثالهم من الكفَّار .
2- قوله تبارَك وتعالَى: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهْ، وقوله: وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ: فيه لفٌّ ونشر معكوس؛ فقوله: أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ إبطالٌ لقولهم: وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، أي: قلتُم ذلك حسدًا من أن يُؤتَى أحدٌ مِثل ما أوتيتُم، وقوله: أَوْ يُحَاجُّوكُمْ ردٌّ لقولهم: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهْ على طريقة التهكُّم، أي: مرادكم التنصُّل من أنْ يُحاجُّوكم، فجمعتُم بين الإيمان بما آمَن به المسلمون، حتى إذا كان لهم الفوزُ يومَ القيامة لا يُحاجُّونكم عند الله بأنَّكم كافِرون، وإذا كان الفوزُ لكم، كنتم قد أخذتُم بالحزم؛ إذ لم تُبطلوا دِينَ اليهوديَّة .
3- قوله: قُلْ إنَّ الهُدَى هُدَى اللهِ: كلامٌ معترض، أُمِر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يقولَه لهم؛ كنايةً عن استبعادِ حُصول اهتدائِهم، وأنَّ الله لم يَهدِهم؛ لأنَّ هُدى غيره- أي: محاولته هدى الناس- لا يَحصُل منه المطلوبُ إذا لم يُقدِّره الله، فالقصر حقيقي؛ لأنَّ ما لم يُقدِّره الله، فهو صورةُ الهدى، وليس بهُدى، وهو مقابل قولهم: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ، ووَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ؛ إذ أرادوا صورةَ الإيمان، وما هو بإيمان، وفي هذا الجوابِ إظهارُ الاستغناءِ عن متابعتِهم. وفائدةُ الاعتراضِ في أثناء كلامِهم: المبادرةُ بما يُفيد ضلالَهم؛ لأنَّ الله حرَمَهم التوفيق .
4- قوله تعالى: أَحَدٌ: اسمٌ نكرةٌ غلَب استعمالها في سِياق النَّفي، أو الإنكار؛ فيُفيد العمومَ، وندَر وقوعُه في حيِّز الإيجاب .
5- قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
- قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ: تذييلٌ لِمَا قبله، مقرِّرٌ لمضمونه، وفيه تأكيدُ الكلامِ بـإنَّ؛ لتنزيلهم منزلةَ مَن يُنكر أنَّ الفضل بيد الله، ومن يَحْسَبُ أنَّ الفضل تَبَعٌ لشهواتهم .
- قوله تعالى: يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ: فيه تأكيدٌ لتعظيمِ ما لَديه؛ دفعًا لتوهُّم مَن يَظنُّ أنَّ اختصاص البعض لضِيق الرحمة عن العموم. وكرَّر الاسم العظيم (الله)؛ تعظيمًا لِمَا ذُكِر من النِّعم، ومُشيرًا بذلك كلِّه إلى التمكُّنِ من الإعطاء، وغزارةِ فضلِه .
- قوله تعالى: وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ كالتأكيدِ لِمَا تَقدَّم يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ، وبينهما فرقٌ؛ فإنَّ هذه الرَّحمةَ ربَّما بلغَتْ في الشَّرفِ وعلوِّ الرُّتبة إلى أنْ لا تكون من جِنس ما آتاهم، بل تكونُ أعْلى وأجلَّ مِن أن تُقاس إلى ما آتاهم.
- قوله تعالى: وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ: فيه تأكيدٌ للمَعنى السَّابق أيضًا؛ لأنَّ كونه واسعًا يدلُّ على كمال القُدرة، وكونه عليمًا على كمال العِلم، فيَصحُّ منه لمكان القُدرة أنْ يتفضَّل على أيِّ عبدٍ شاء بأيِّ تفضُّل شاء، ويَصحُّ منه- لمكان كمال العلم- أنْ لا يكون شيءٌ من أفعاله إلَّا على وجه الحِكمة والصَّواب .

https://dorar.net/tafseer/3/22

0📊0👍0👏0👌
خادم القرءان والسنة

  • المشاركات: 2912
    نقاط التميز: 3472
عضو أساسي
خادم القرءان والسنة

عضو أساسي
المشاركات: 2912
نقاط التميز: 3472
معدل المشاركات يوميا: 6.2
الأيام منذ الإنضمام: 468
  • 17:07 - 2025/02/24

شَــكَـــر الله صـنـيـعـكـم

وجـعـل ما قـدمـتـمـوه فـي مـيـزان حـسـنـاتـكـم

وبـارك الله فـيـكـم وأحـسـن إلـيـكـم

أخوكم

خادم القرءان والسنة


0📊0👍0👏0👌
أحساس غالي

  • المشاركات: 6680
    نقاط التميز: 7945
أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
أفضل عضو بمنتدى سير الأنبياء وأعلام الامة
عضو فريق العمل
عضو فريق المواضيع النقاشية
عضو فريق التكريم
أفضل عضو للشهر المنصرم بمنتدى اللغات واللهجات
أحساس غالي

أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
أفضل عضو بمنتدى سير الأنبياء وأعلام الامة
عضو فريق العمل
عضو فريق المواضيع النقاشية
عضو فريق التكريم
أفضل عضو للشهر المنصرم بمنتدى اللغات واللهجات
المشاركات: 6680
نقاط التميز: 7945
معدل المشاركات يوميا: 41.8
الأيام منذ الإنضمام: 160
  • 19:27 - 2025/02/24

🌿 تأملات من سورة آل عمران (72-74) 🌿

في هذه الآيات الكريمة، يكشف الله سبحانه وتعالى عن مكائد بعض أهل الكتاب الذين يسعون للتشكيك في الحق، ويُحذر المؤمنين من الوقوع في حبائلهم.

قال تعالى:
﴿وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (آل عمران: 72)

تُظهر هذه الآيات أهمية الثبات على الحق، وعدم التأثر بالمكر والخداع. فالله يُذكرنا بأن الهداية لا تُمنح إلا لمن استحقها، وأن فضل الله عظيم يؤتيه من يشاء.

🌟 ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (آل عمران: 74)

🔖 درس عظيم: الثقة بالله والثبات على الإيمان هما الحصن المنيع في وجه الفتن.

#سورة_آل_عمران #تفسير_القرآن #الثبات_على_الحق #فضل_الله #رحمة_الله

0📊0👍0👏0👌
المسافر إلى الله

  • المشاركات:
    196517
مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف الحديث والسيرة النبوية
أفضل عضو بمنتدى القرآن الكريم
أفضل عضو لهذا الشهر بمنتدى الدردشة
المسافر إلى الله

مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف الحديث والسيرة النبوية
أفضل عضو بمنتدى القرآن الكريم
أفضل عضو لهذا الشهر بمنتدى الدردشة
المشاركات: 196517
معدل المشاركات يوميا: 31.5
الأيام منذ الإنضمام: 6232
  • 12:40 - 2025/02/25
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
طرح مميز و قيم
لاحرمك الله الاجر
مشاركة قيمة فعلاً
بارك الله فيكم و بجهودكم
وفقكم الله لكل خير
0📊0👍0👏0👌
الزير اسطورة العرب
- عضوية مقفولة -
الزير اسطورة العرب
- عضوية مقفولة -
  • 16:51 - 2025/02/25
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسلــم الأيــــادي على الإنتقـــاء المميز والقيـــم
وبارك الله فيك على الطرح الرائـع وجزاك الله خيرا
لمـــا تقدمــــه من مجهــــودات طيبـــة .
واصل تميــــزك وتألقـــك ، في إنتظــــار جديـــدك
تحيـــــــاتي.
0📊0👍0👏0👌
dolasar

  • المشاركات:
    90096
مشرف عالم المسرح
أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
dolasar

مشرف عالم المسرح
أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام
المشاركات: 90096
معدل المشاركات يوميا: 15
الأيام منذ الإنضمام: 6024
  • 13:48 - 2025/02/26
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك
وجزاك الله خيرا
........................
0📊0👍0👏0👌

الرد على المواضيع متوفر للأعضاء فقط.

الرجاء الدخول بعضويتك أو التسجيل بعضوية جديدة.

  • إسم العضوية: 
  • الكلمة السرية: 

 سُورَةُ آل عِمْرانَ -:72-74بداية
الصفحة