الصورة الصحفية ... مفارقات بلا حدود
كلنا نعلم ان للصورة الصحفية محددات وضوابط كثيرة، فعلى سبيل المثال لا يمكن ان تنشر صورة لقائد عسكري بملابسه المدنية إلا في حلالات خاصة جدا. ولا
يمكن كذلك نشر صورة قديمة لحدث آني إلا في حالة تعذر الحصول على صور حديثة للموضوع. وعلاوة على ذلك فان التعليق الذي يكتب تحت الصورة الصحفية له محدداته هو الآخر، إذ يجب ان يكون دقيقا وموجزا ومعبرا ولا يكرر ما قيل في الخبر أو المقال الخاص بالصورة نفسها.
غالبا ما يسبب نشر صورة مفارقات واشكالات تدخل الصحيفة في عنق زجاجة معتمة وتصل بها احيانا إلى ساحات القضاء. فهناك الكثير من الاشخاص الذين تتشابه اسماؤهم وتختلف صورهم، وقد تنشر صورة لمسؤول سياسي في مكان صورة لقائد فرقة موسيقية، أو صورة لقاض بدلا من صورة لاعب كرة قدم، وكل هذا يحدث نتيجة السرعة المطلوبة في العمل الصحفي والاهمال وعدم توخي الدقة من جانب آخر.
في حياتي الصحفية كنت شاهدا على الكثير من تلك المفارقات المتعلقة بنشر الصور، فذات مرة نشرت صورة لطالبتين جامعتين تجلسان في حدائق الجامعة. وكانت احدهما تتكلم بهاتفها المحمول وعلى وجهها ابتسامة عريضة. لا شيء غريب أو مثير في الصورة في الحقيقة. لكن التعليق الذي كتب تحت الصورة كان صادما. فقد كتب المحرر تحت الصورة عبارة – حدائق الحب – او شيئا من هذا القبيل. وبعد عدة ايام كانت عائلة الفتاة صاحبة الموبايل تطرق باب رئيس التحرير لان الصحيفة شوهت سمعة ابنتها، فمن الذي يجزم انها كانت تتحدث مع حبيب لها عندما التقطت لها تلك الصورة؟
وفي مرة أخرى نشرت الصحيفة صورة لمتسول كبير السن يسير قريبا من طابور متوقف للسيارات وهو يستعطف السائقين والركاب. وبعد عدة ايام زارت عائلة المتسول الصحيفة ليتضح ان هذا الرجل كان يتسول من دون علم عائلته. وان الصحيفة بنشرها لهذه الصورة قد دمرت سمعة العائلة وشوهتها.
حادثة أخرى علي ان ارويها وهي : ان الصحيفة نشرت في يوم من الايام صورة لاحد المدمنين على المسكرات وهو يضطجع بملابسه الرثة على حافة احد الارصفة ببغداد. وبعد اسبوع تقريبا. زارت عائلة الرجل مبنى الصحيفة لتقول لنا ان هذا الرجل قد ضاعت اخباره بالكامل منذ سنتين تقريبا، وان التفتيش عنه في مختلف الامكنة باء بالفشل، وربما راح الرجل ضحية للعنف والاقتتال الطائفي في عراق 2005 . وقال المصور انه التقط هذه الصورة قبل اكثر من ثلاث سنوات بشكل عابر وغير مقصود وتم حفظها في ارشيف الصحيفة الا انها لم تنشر إلا الآن.
ما الذي اريد ان اقوله من حديثي هذا؟
- قبل لن توافق على نشر صورة بجانب خبر أو مقال توخى الدقة وفكر في جميع الاحتمالات.